هل يوجدُ روايةٌ أو دليلٌ مِن كتبِ المُخالفينَ أنّ عليّاً (عليهِ السلام) هوَ الصراطُ المُستقيم؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،قالَ الشيخُ المُفيد في [تصحيحِ الاعتقاداتِ ص108]: « الصّراطُ في اللغةِ هوَ الطريق، فلذلكَ سُمّيَ الدينُ صراطاً؛ لأنّهُ طريقٌ إلى الصّواب، ولهُ سُمّيَ الولاءُ لأميرِ المؤمنينَ والائمّةِ مِن ذُرّيّتِه (عليهم السلام) صراطاً. ومِن معناه: قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام): « أنا صراطُ اللهِ المُستقيم، وعروتُه الوثقى التي لا انفصامَ لها »، يعني: أنّ معرفتَه والتمسّكَ بهِ طريقٌ إلى اللهِ سُبحانَه ». وذكرَ ابنُ جبرٍ في [نهجِ الإيمان ص543]: « إنَّ عليّاً (عليهِ السلام) صراطُ اللهِ المُستقيم، يعني الصراطَ إلى اللهِ سُبحانَه وتعالى، كما يُقال: فلانٌ بابُ السلطان، إذا كانَ به يُوصلُ إلى السلطان، والصّراطُ هوَ الطريقُ الواضح، فعليٌّ (عليهِ السلام) ـ حينئذٍ ـ هو الطريقُ الواضحُ إلى اللهِ تعالى. وإذا كانَ طريقُه واضِحاً كانَ طريقُ مَن خالفَه حائِراً غيرَ واضحٍ؛ لاستحالةِ وجودِ الحقِّ في جهتين مُختلفتين ». وقد استدلَّ العلّامةُ الحليّ على لزومِ عصمةِ الإمامِ بأدلّةٍ كثيرةٍ، وعدَّ الآياتِ في سورةِ الفاتحةِ مِن جُملةِ الأدلّة، فإنّه قالَ في [الألفين ص77]: « العشرون: قولهُ تعالى: {اهدِنا الصراطَ المُستقيم * صراطَ الذينَ أنعمتَ عليهم * غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالّين}، وغيرُ المعصومِ ضالٌّ، فلا يسألُ اتّباعَ طريقِه قطعاً، فتعيّنَ أن يكونَ هُنا معصومون. والهدايةُ إنّما هيَ العلمُ بطريقِهم لا بالظنّ، وهوَ نقليٌّ، والناقلُ له أيضاً معصومٌ، والإجماعُ والتواترُ غيرُ مُتحقّقٍ؛ إذ السؤالُ إنّما هوَ اتّباعُهم في جميعِ الأحكام، والإجماعُ والتواترُ لا يفيدانِ ذلك، فليسَ إلّا الإمام؛ فإنّه إذا كانَ قولهُ تعالى: {الذينَ أنعمتَ عليهم * غيرِ المغضوبِ عليهم ولا الضالّين} إشارةٌ إلى الأنبياءِ، فالهدايةُ إلى طريقِهم بطريقٍ علميٍّ إنّما هوَ منَ المعصومِ في كلِّ زمانٍ؛ إذ لا يختصُّ هذا الدعاءُ بقومٍ دونَ قوم، وإن كانَ إشارةً إلى الأنبياءِ والأئمّةِ (عليهم السلام) فالمطلوبُ أيضاً حاصل » أقولُ: وردَت رواياتٌ كثيرةٌ في كتبِ المُخالفينَ تدلُّ على أنّ أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) هوَ الصّراطُ المُستقيم، إذ إنّ جميعَ الرواياتِ الدالّةِ ـ بالمُطابقةِ أو الالتزام ـ على لزومِ التمسّكِ به، ووجوبِ مُتابعتِه، وضرورةِ إطاعتِه، كلّها تدلُّ على أنّه الصراطُ المُستقيم؛ إذ لزومُ التمسّكِ به ناشئٌ عن كونِه هادياً إلى اللهِ تعالى وطريقاً إليه.  وحيثُ انّ إيرادَ جميعِ تلكَ الرواياتِ يحتاجُ لتصنيفِ موسوعةٍ كاملة، فإنّا نكتفي في المقامِ بذكرِ بعضِ الرواياتِ والأخبارِ الواردةِ في كتبِ المُخالفين، الدالّةِ على أنّ أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) هوَ الصّراطُ المُستقيم:  1ـ روى أحمدُ بنُ حنبل في [المُسنَد ج1 ص109]، والحاكمُ النيسابوريّ في [المُستدرَكِ على الصّحيحين ج3 ص70]، والموفّقُ الخوارزميّ في [المناقبِ ص299]، وغيرُهم، بالإسنادِ عن عليٍّ بنِ أبي طالب قالَ: « قيلَ: يا رسولَ الله، مَن يُؤمّرُ بعدَك؟ قالَ: إن تؤمّروا أبا بكرٍ تجدوهُ أميناً زاهداً في الدّنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عُمر تجدوهُ قويّاً أميناً لا يخافُ في اللهِ لومةَ لائم، وإن تؤمّروا عليّاً ـ ولا أراكُم فاعلينَ ـ تجدوهُ هادياً مهديّاً، يأخذُ بكم الطريقَ المُستقيم ». وقد رُويَ هذا الحديثُ بألفاظٍ مُتعدّدةٍ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام). وما يهمُّنا في المقامِ هيَ الفقرةُ الثالثةُ الدالّةُ على أنَّ عليّاً (عليهِ السلام) يأخذُ بالناسِ للصّراطِ المُستقيم، وأمّا الفقرةُ الأولى والثانيةُ فهيَ لا تهمُّنا إذ وردَت في كتبِ المُخالفينَ وهيَ ليسَت حُجّةً علينا، كما أنّ تخصيصَ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) بأنّه « يأخذُ بكم الطريقَ المُستقيم » يفيدُ أنّ أبا بكرٍ وعُمر لا يأخذانِ بالناسِ الصّراطَ المُستقيم، فما عندَهما منَ الأمانةِ والزهدِ والرغبةِ ونحوِها الظاهريّةِ فهيَ زائفةٌ إذ لا تسلكُ بالناسِ للطريقِ المُستقيم.   قالَ الحاكمُ النيسابوريّ: « هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخرجاه »، وقالَ الهيثميُّ في [مجمعِ الزوائدِ ج5 ص176]: « رواهُ أحمدُ والبزّار والطبرانيّ في الأوسطِ ورجالُ البزّارِ ثقات »، وقالَ ابنُ حجرٍ العسقلانيّ في [الإصابةِ في تمييزِ الصّحابةِ ج4 ص468]: « وفي مُسندِ أحمَد بسندٍ جيّدٍ عن عليٍّ »، وقالَ الصالحيُّ الشاميّ في [سُبلِ الهُدى والرشاد ج11 ص250]: « وروى الإمامُ أحمد والطبراني والبزّار ورجالُ البزّارِ ثقاتٌ »، وقالَ ابنُ حجرٍ الهيتميّ في [الصواعقِ المُحرقة ص46]: « ورواهُ البزّارُ بسندٍ رجالُه ثقاتٌ أيضاً »، وقالَ أحمدَ شاكر في تحقيقِه على [مُسنَدِ أحمد ج1 ص537]: « إسنادُه صحيح ».2ـ روى الثعلبيُّ في تفسيرِه الموسومِ بـ [الكشفِ والبيان ج1 ص120]، والحاكمُ الحسكانيّ في [شواهدِ التنزيلِ ج1 ص74 ح86] بالإسنادِ عن أبي بُريدة في قولِ اللهِ تعالى: {اهدِنا الصراط المُستقيم}، قالَ: « صراطُ محمّدٍ وآله ». 3ـ روى وكيعٌ بنُ الجرّاح في تفسيرِه ـ كما في [كفايةِ الخصام ص345] ـ، عن عبدِ اللهِ بنِ عبّاس في قولِه تعالى: {اهدِنا الصراطَ المُستقيم}: « أي إلى حبِّ محمّدٍ وأهلِ بيتِه ».وروى الحاكمُ الحسكانيّ في [شواهدِ التنزيلِ ج1 ص75 ح87] بالإسنادِ عن ابنِ عبّاس في قولِ اللهِ تعالى: {اهدِنا الصراطَ المُستقيم} قالَ: « يقولُ: قولوا معاشرَ العِباد: اهدِنا إلى حبِّ النبيّ وأهلِ بيته ».  4ـ روى ابنُ مردويه في [المناقبِ ص221] عن عليٍّ (كرّمَ اللهُ وجهَه)، قالَ: « إنّ الصراطَ المُستقيم محبّتُنا أهلَ البيت ». 5ـ روى الحاكمُ الحسكانيّ في [شواهدِ التنزيلِ ج1 ص76 ح88] بالإسنادِ عن ابنِ عبّاس، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لعليٍّ بنِ أبي طالب: « أنتَ الطريقُ الواضح، وأنتَ الصراطُ المُستقيم، وأنتَ يعسوبُ المؤمنين ». 6ـ روى الحاكمُ الحسكانيّ في [شواهدِ التنزيلِ ج1 ص76 ح89] بالإسنادِ عن جابرٍ بنِ عبدِ الله، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم): « إنَّ اللهَ جعلَ عليّاً وزوجتَه وأبناءَه حُججَ اللهِ على خلقِه، وهُم أبوابُ العلمِ في أمّتي، مَن اهتدى بهم هُديَ إلى صراطٍ مُستقيم ».  7ـ روى الحاكمُ الحسكانيّ في [شواهدِ التنزيلِ ج1 ص85 ح105] بالإسنادِ عن عبدِ الرحمانِ بنِ زيدٍ بنِ أسلم، عن أبيه، في قولِ اللهِ تعالى: {صراطَ الذينَ أنعمتَ عليهم}، قالَ: « النبيُّ ومَن معَه، وعليٌّ بنُ أبي طالب وشيعتُه ». نكتفي بهذا القدرِ، وتستحسنُ الإشارةُ إلى أنّ الحاكمَ الحسكانيَّ لوحدِه أوردَ تسعَ عشرةَ خبراً يدلُّ على أنَّ أميرَ المؤمنين (عليهِ السلام) هوَ الصراطُ المُستقيم، وذلكَ في كتابِه الفخمِ [شواهدُ التنزيلِ ج1 ص74 إلى ص85]، وهيَ الأحاديثُ منَ الرقمِ (86) إلى الرقمِ (105)، كما أوردَ ابنُ جبر في [نهجِ الإيمانِ ص539] تحتَ عنوان: « الفصلُ الرابعُ والثلاثون: في ذكرِ الصّراطِ المُستقيم »، رواياتٍ وأخباراً كثيرةً تدلُّ على ذلك.