لماذا ذُكرَ الوالدانِ في سورةِ عبسَ، ولم يُذكرا في سورةِ المعارج؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،مِن خلالِ الجمعِ بينَ الآيتينِ في سورةِ عبسَ وسورةِ المعارج والتدبّرِ في معانيهما وتحديداً في قولِه تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ، يَومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امرِئٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنِيهِ} [عبس :33- 37]. وكذلكَ في قولِه تعالى: {يُبَصَّرُونَهُم يَوَدُّ المُجرِمُ لَو يَفتَدِي مِن عَذَابِ يَومِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤوِيهِ، وَمَن فِي الأَرضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج :11- 14] يتّضحُ مِن خلالِ الجمعِ بينَ الآيتينِ بناءً على التفسيرِ الموضوعيّ للقرآنِ العظيم، أنّ هناكَ جامِعاً مُشترَكاً بينَ الآيتين هوَ الحديثُ عن يومِ القيامة وأهوالِها، وكيفَ أنّ المرءَ عندَ مجيءِ ذلكَ اليومِ سيفرُّ مِن أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ومن كلِّ شيء، ثُمّ استفيدَ أيضاً مِن هذا الجمعِ بأنّ المرء الذي وردَ مُطلقاً في سورةِ عبس، وَوُصِفَ بأنّه سيفرُّ مِن أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ عندَ مجيءِ أهوالِ يومِ القيامة، هوَ ليسَ على إطلاقِه وإنّما هوَ مُقيّدٌ بالمُجرم، وذلكَ بحملِ كلمةِ المرءِ التي وردَت مُطلقاً في سورةِ عبسَ على ورودِها مُقيّداً في سورةِ المعارج، طِبقاً لِـما هوَ مُقرّرٌ في علمِ أصولِ الفقه، وبهذا القيدِ يُخرجُ مِن مفهومِ الآيةِ الإنسانُ  غيرُ المجرم، فهذا هوَ الذي يجبُ أن يكونَ محورَ التدبّرِ والتفكّرِ في شأنِ الآيتين، باعتبارِ ما يحصلُ في يومِ القيامةِ مِن أهوالٍ وأحداثٍ كبيرةٍ تجعلُ مِن ذلكَ الإنسانِ المُجرمِ الذي كانَ مُستهيناً بتعاليمِ الدينِ الإسلاميّ في دنياه يستغني عن كلِّ شيءٍ عندَ مجيءِ ذلكَ اليومِ حينَ يرى ما أُعِـدَّ لهُ مِن عذابٍ مُستحقٍّ قد وُعِدَ به المجرمونَ مِن أمثالِه، فتراهُ يستغني عن كلِّ شيءٍ في سبيلِ النجاةِ منَ العذابِ الأليم، إذ يصلُ به الأمرُ إلى أن يفتدي بأمّه وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤوِيهِ، وَمَن فِي الأَرضِ جَمِيعًا ، حتّى ينجو مِن ذلكَ العذابِ الموعودِ به. فهذا هوَ المُستفادُ منَ الآيتين، وحينئذٍ: فلا ينبغي أن يُقال: لماذا ذُكرَ الوالدانِ في سورةِ عبس، ولم يُذكرا في سورةِ المعارج، وذلكَ لأنّ الوالدين في سورةِ عبسَ ليسا هُما الموضوعَ الأساسيّ الذي تدورُ حولَه الآيتين، وهكذا الحالُ لو لم يُذكر الأخوةُ أو العشيرةُ أو غيرُها منَ الأمور، باعتبارِ أنّ الآيتينِ كانتا تُوجّهانِ الأنظارَ نحوَ فعلِ المجرمِ يومَ القيامة، كما تقدّمَ بيانُه. ودمتُم سالِمين.