ما فائدةُ التقليد؟ إذا أخطأ المرجع بفتوى، وحاسبني الله تعالى عليها ؟

في النصّ: (عليهِ وزرُها ووزرُ مَن عملَ بها)، فإذا أخطأ المُجتهِدُ بفتوى، وأنا المُكلّفُ عملتُ بها هل اللهُ يُحاسبُني ويحاسبُ المرجع؟ فبهذا الحالِ ما فائدةُ التقليد؟ أمّا السؤالُ الثاني: لو أنّ اللهَ يحاسبُ فقَط المرجعَ، ما الدليلُ منَ الكتابِ والسنّةِ على نصِّ هذا السؤال؟ أريدُ جواباً منَ الكتابِ والسنّةِ فقط.

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،إنَّ كلَّ مكلّفٍ ـ سواءٌ كانَ مُجتهداً أو لا ـ يُحاسبُ على عملِه وفعلِه، وبالنسبةِ لتقليدِ العاميّ للمُجتهدِ ينبغي تحديدُ عملِ كلٍّ منهُما:  أوّلاً: المرجعُ: إنّ عملَ المرجعِ هوَ استنباطُ الحُكمِ الشرعيّ، والتصدّي للإفتاءِ والقضاءِ ونحوِها، وحينئذٍ يكونُ حسابُ المرجعِ على استنباطِه الحُكمَ الشرعيّ ومدى مُراعاتِه للقواعدِ والشرائطِ التي يجبُ عليهِ مُراعاتُها عندَ الاستنباطِ، وعلى تصدّيهِ للإفتاءِ ونحوِه، وعليهِ، فإنّ المُحاسبةَ تكونُ على فعلِه، فلو لم يكُن فقيهاً جامِعاً لشرائطِ الإفتاءِ فإنّه يُحاسبُ على تصدّيهِ وما يترتّبُ على ذلك، فإنّه بتصدّيهِ للإفتاءِ يجعلُ أعمالَ مُقلّديهِ العاملينَ بفتاويه على عُهدتِه وذمّتِه، ولو كانَ فقيهاً جامِعاً للشرائطِ فإنّه يُحاسَبُ على استنباطِه للحُكمِ ومدى مُراعاتِه لشرائطِ الاستنباطِ، سواءٌ أخطأ أو أصابَ الحُكمَ الواقعي.  ثانياً: العامّيُّ: إنّ عملَ العاميّ هو تقليدُ المرجعِ في الأحكامِ، فإن كانَ تقليدُ المُكلّفِ للمرجعِ وفقَ الضوابطِ العلميّةِ والقواعدِ المُقرّرةِ، بأن قلّدَ المُجتهدَ المؤمنَ العادلَ الأعلم، وراعى الشرائطَ المُقرّرة، فإنَّ تقليدَه - حينئذٍ - يكونُ مُبرئاً للذمّةِ؛ لأنّه راعى الضوابطَ والشرائطَ التي يجبُ مُراعاتُها، ولهذا يقولُ السيّدُ الخوئيّ في [الاجتهادِ والتقليد ص78]: « فمعنى أنَّ العامّيَّ قلّدَ المُجتهدَ أنّه جعلَ أعمالَه على رقبةِ المُجتهدِ وعاتقِه وأتى بها استناداً إلى فتواه ». وأمّا لو لم يُراعِ المُقلّدُ تلكَ الشرائطَ فيكونُ مُحاسبَاً على إهمالِه وعدمِ تدقيقِه.  الحاصلُ: إنّ كلَّ إنسانٍ مُكلّفٍ مُحاسبٌ على أفعالِه، فإن كانَ فعلهُ مُستنداً لحُجّةٍ مُعتبَرةٍ فهوَ معذورٌ يومَ القيامةِ فيما لو كانَ فعلهُ غيرَ مُطابقٍ للواقع، وإن كانَ فعلهُ غيرَ مُستندٍ لحُجّةٍ مُعتبرةٍ فهوَ غيرُ معذورٍ يومَ القيامة. وبهذا يظهرُ الجوابُ عمّا وردَ في السؤالِ، فإنّه في حالِ أخطأ الفقيهُ في إصابةِ الحُكمِ الشرعيّ الواقعيّ، فإن كانَ تقليدُ المُكلّفِ له وفقَ الضوابطِ المُقرّرةِ، فإنّ تقليدَه يكونُ مُبرِئاً للذمّةِ، وإن كانَ تقليدُه مِن غيرِ مُراعاةٍ لتلكَ الشرائطِ فلا يكونُ معذوراً في تقليدِه وما يترتّبُ عليه، هذا بالنسبةِ للمُقلّد. وأمّا بالنسبةِ للمرجعِ لو أخطأ في الاستنباطِ فيُحاسبُ على استنباطِه الحُكمِ الشرعيّ ومدى مُراعاتِه للقواعدِ والشرائطِ التي يجبُ عليهِ مُراعاتُها ومُلاحظتُها عندَ الاستنباط.  والمُقلّدُ بما أنّه مُستندٌ إلى حُجّةٍ مُعتبرةٍ في العملِ بالتكاليفِ والخروجِ عن ذمّةِ التكليف، وهوَ تقليدُ المُجتهدِ الجامعِ للشرائط، فالعملُ مِن جهتِه تامٌّ ومُعذّر، وأمّا بالنسبةِ للمرجعِ فحيثُ إنّه المُتصدّي للاستنباطِ فهوَ مُحاسَبٌ على تصدّيهِ واستنباطِه، كما أنّه مُحاسَبٌ على سائرِ أعمالِه، كما أنّ جميعَ البشرِ مُحاسبونَ على جميعِ أعمالِهم. فالمرجعُ يُحاسَبُ على الاستنباطِ لأنّه عملٌ مِن أعماله، والمُقلّدُ يُحاسَبُ على عملِه ـ وهو اتّباعُه فتوى الفقيه ـ، وبما أنّ عملَه بتلكَ الفتوى مُستندةٌ لحُجّةٍ مُعتبرةٍ وهوَ حُجيّةُ قولِ المرجعِ في حقّه حيثُ قلّده، فهذهِ الحُجّةُ معذّرةٌ له، نعَم هوَ يحاسبُ على طريقةِ تقليدِه ومدى مُراعاتِه للشرائطِ التي يجبُ مُلاحظتُها كالاجتهادِ والعدالةِ والأعلميّةِ ونحوِها.  والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.