هل الأنبياءُ يُخطئون؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعتقدُ شيعةُ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) بعصمةِ الأنبياءِ منَ الخطأ والذنوبِ صغيرِها وكبيرِها قبلَ البعثةِ وبعدَها، واستدلّوا على ذلكَ بعدّةِ وجوهٍ مِنها:  الأوّلُ: أنَّ العلّةَ في بعثِ الأنبياءِ هيَ عصمةُ البشرِ منَ الخطأ، فلو كانَ البشرُ معصوماً لما احتاجَ إلى أنبياء، وفي المُقابلِ لو كانَ الأنبياءُ مثلَ بقيّةِ البشرِ غيرَ معصومينَ لكانوا هُم في حاجةٍ إلى مَن يهديهم أيضاً، وبذلكَ ثبتَ حاجةُ البشرِ جميعاً إلى الأنبياءِ وعدمُ حاجةِ الأنبياءِ إليهم وهذا لا يكونُ إلّا بعصمتِهم المُطلقة، يقولُ عبدُ الله شبّر: (لأنّه لو كانَ يخطأ لاحتاجَ إلى مَن يُسدّدُه ويمنعُه عن خطئِه وينبّهُه على نسيانِه فإمّا أن يكونَ معصوماً فيثبتُ المطلوبُ أو غيرَ معصومٍ فيتسلسل) (حقُّ اليقين، ص123) الثاني: لو لم يكُن النبيُّ معصوماً لجازَ عليه فعلُ المعصية، وحينَها لا يخرجُ الأمرُ عن طاعتِه وارتكابِ المعصيةِ أو مخالفتِه والوقوعِ في عصيانِ النبي، وفي كِلا الحالتين ينتفي غرضُ البعثة. ولهذا يقولُ المُظفّر: (إنّه لو جازَ أن يفعلَ النبيُّ المعصيةَ، أو يخطأ وينسى، وصدرَ منهُ شيءٌ مِن هذا القبيل، فإمّا أن يجبَ اتّباعُه في فعلِه الصادرِ منه عصياناً أو خطأً أو لا يجب، فإن وجبَ اتّباعُه فقد جوَّزنا فعلَ المعاصي برُخصةٍ منَ اللهِ تعالى، بل أوجَبنا ذلك، وهذا باطلٌ بضرورةِ الدينِ والعقل، وإن لم يجِب اتّباعُه فذلكَ يُنافي النبوّةَ التي لابدَّ أن تقترنَ بوجوبِ الطاعةِ أبداً) (عقائدُ الإماميّة، ص36). الثالثُ: إن لم يكُن النبيُّ معصوماً لاستحالَ الوثوقُ بقوله، إذ منَ الجائزِ أن يكذبَ عمداً أو نسياناً، ومِن هُنا لا يجوزُ أن يرسلَ تعالى إلى الخلقِ أنبياء يحتملُ منهم الكذبُ أو الخطأ أو النسيان، وفي ذلكَ يقولُ العلّامةُ الحلّي: (... فلو جازَ الخطأ عليهِ لم يبقَ وثوقٌ بما تعبّدنا اللهَ تعالى به وما كُلّفناه وذلكَ يناقضُ الغرضَ منَ التكليفِ وهوَ الانقيادُ إلى مُرادِ اللهِ تعالى) (كشفُ المُراد، ص391). الرّابع: أنّه لو جازَ أن يعصيَ لوجبَ إيذاؤه والتبرّي منهُ لأنّه مِن بابِ الأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المُنكر، لكنَّ اللهَ تعالى نصَّ على تحريمِ إيذاءِ النبيّ فقالَ: (إنَّ الذينَ يؤذونَ اللهَ ورسولهُ لعنَهم اللهُ في الدّنيا والآخرة) الخامسُ: أنّه لو جازَ عليهِ العصيانُ لزمَ سقوطُ محلِّه وانحطاطُ درجتِه عندَ الناس، وأن تكونَ شهادتُه مردودةً لقولِه تعالى: (إن جاءَكم فاسقٌ بنبأ فتبيّنوا)، يقولُ القزوينيُّ في أصولِ المعارف: (ولأنَّ وقوعَ المعصيةِ مِن مثلِهم أعظمُ مِن وقوعِها مِن غيرهم، والحُجّةُ عليهم ألزم، ويقولُ اللهُ تعالى: (لئلّا يكونَ للناسِ على اللهِ حُجّةٌ بعدَ الرسل)، فوجبَ عصمتُهم) (أصولُ المعارف، ص76). وغيرُ ذلكَ منَ الوجوهِ التي استدلَّ بها الشيعةُ على عصمةِ الأنبياءِ في أمورِ الدينِ والدنيا مثلَ قوله تعالى: (إن كُنتم تحبّونَ اللهَ فاتّبعوني يُحبِبكم الله) فإنَّ وجوبَ المحبّةِ مُطلقاً يستلزمُ وجوبَ الطاعةِ مُطلقاً وكلُّ مَن وجبَت طاعتُه مُطلقاً كانَ معصوماً، وقد خالفَهم في ذلكَ جمهورُ أهلِ السنّةِ والجماعة، فقد حكموا بعصمتِهم في التبليغِ فقط أمّا فيما دونَ ذلكَ فيجوزُ في حقّهم الخطأ والنسيان، بل ارتكابُ المعاصي صغائرُها وكبائرها، يقولُ ابنُ حزمٍ في الفصل: (اختلفَ الناسُ هل تعصي الأنبياءُ (عليهم السلام) أم لا؟ فذهبَت طائفةٌ إلى أنَّ رسلَ اللهِ يعصونَ اللهَ في جميعِ الكبائرِ والصغائرِ عمداً حاشا الكذبَ في التبليغِ فقط) (الفصلُ في المللِ والأهواءِ والنحل، ج4، ص2)