ماحكم النصيرية مع الأدلة الشرعية ؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله، يرى كثيرٌ منَ المسلمينَ في عصرنا الحاضرِ بأنّ النصيريّةَ وما تحمله مِن عقائدَ ترجعُ إلى العلويّينَ الذينَ يقطنونَ في سورية وشمال لبنان، إلّا أنّ العلويّينَ أنفسَهم استناداً إلى مشايخِهم يدحضونَ تسميتَهم بالنصيريّةِ التي تكلّمَ عنها أصحابُ المعاجمِ والمللِ كالنوبختيّ والشهرستانيّ وغيرِهما. إذ يقولُ الأديبُ حامِد حسن في كتابِه (وجهاً لوجه أمامَ التاريخ)، ص115: لقد تخبَّطَ المؤرِّخونَ قديماً وحديثاً، جهلاً أو قصداً، في نسبةِ النُّصيريِّين؛ فتارةً إلى محمّدٍ بنِ نصير.. وطوراً لنُصيرٍ مولى عليٍّ بنِ أبي طالب.. وأحياناً إلى نُصيرٍ أحدِ وزراءِ معاوية – كما يزعمونَ - ، وأحياناً إلى جبالِ النُّصيرة، هذهِ الجبالُ الواقعةُ بينَ نهرِ العاصي شرقاً، والبحرِ الأبيضِ المتوسِّط غرباً وبينَ جبالِ طوروس شمالاً وجبالِ لبنان جنوباً... كما أرجعَ بعضُهم هذهِ النِّسبة إلى النَّصارى!!.. أو الأنصارِ.. وعجبتُ لهؤلاءِ المُجتهدينَ في نسبِ النصيريّة منَ المؤرّخين، كيفَ فاتَهم جبلُ نصير الواقعِ في شمالِ العراق! ولو دارَ بخلدِهم، أو حصلَ في ثقافتِهم، لما أغفلوه. وقالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ الخيّر في كتابِه (نقدُ وتقريظُ كتابِ العلويين)، ص14: السببُ في لقبِ النصيريّةِ الذي عمَّ الجبلَ سابقاً في كتبِ التاريخِ والجغرافيا مُختلَفٌ فيهِ كثيراً. فبعضُهم يقولُ: إنّهُ نسبةٌ لأحدِ القادةِ الفاتحين، أو لجماعةٍ منَ الفاتحين جاءَت نصيرةً لمَن سبقَها منَ العشائرِ العربيّةِ المُسلِمة التي تمَّ فتحُ البلادِ بجهادِها. وبعضُهم يذكرُ أنّه نسبةٌ للأنصارِ الذينَ آمنوا بالنبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله فهاجروا إليهِ ونصروه. وكانَ منهم مَن فتحَ الجبالَ المحكيَّ عنها. ولعلَّ هذا هوَ الأرجح، استناداً إلى كثرةِ القبورِ القديمةِ للأولياءِ بينهم المعروفِ باسمِ الأنصاريّ. وبعضُهم يزعمُ أنّ السببَ هوَ النسبةُ إلى محمّدٍ بنِ نصير المعروفِ بأبي شعيب، الذي ذكرَت كتُبُ الفِرَقِ والرجالِ عنهُ أقوالاً وأحوالاً لا يُستغربُ افتراؤها في ذلكَ العصر، عصرِ التَّناحرِ والجرحِ والافتراء، كما تثبتُ كتبُ الرجالِ والتاريخِ وكتبُ الفِرَق، والأمثلةُ والشواهدُ التي ذكرتُها لكَ منها. وجميعُ هذهِ الأقوالِ لا تستندُ إلى وثائقَ علميّةٍ تاريخيّةٍ يمكنُ الاعتمادُ عليها والجزمُ بصحّتها.  وذكرَ الشيخُ عليّ عزيز إبراهيم في كتابِه (العلويّونَ.. فدائيو الشيعةِ المجهولون): أنّ كلمةَ العلويّينَ هيَ التسميةُ الصَّحيحةُ للجماعةِ التي تسكنُ جبالَ النصيرةِ في سوريا وعدّةِ مناطقَ مِن تركيا، وأنّهم قد سمّوا في بعضِ فتراتِ التاريخِ بالنصيريّة؛ وكانَ ذلكَ مِن آثارِ ما مرَّ عليهم منَ التشريدِ والتنكيلِ في أيّامِ السلطانِ سليمٍ العثمانيّ الذي قتلَ وشرَّدَ منهُم مئات الألوف. ثُمَّ إنّ التسميةَ الصحيحةَ (العلويّونَ) قد رجعَت إليهم في زمنِ الفرنسيّينَ سنةَ (1920م). أمّا سببُ تسميتِهم بالنصيريّةِ؛ فهيَ أنّهم سكنوا في فترةِ الظلمِ والظلامِ جبالَ النصيرةِ في سوريا، فسمَّاهم الناسُ تحقيراً باسمِ هذهِ الجبال. أما لماذا سُمّيَت هذهِ الجبالُ بهذا الاسم، فإنّ أصحابَ هذا الرأي يقولون: نسبةً إلى جماعةٍ جاءَت لنجدةِ أبي عبيدةَ بنِ الجرّاح في زمنِ الخليفةِ الثاني، وقد كانَت شيعيّةَ الولاءِ، حيثُ جاءَت منَ المدينةِ، وكانَ اسمُها نُصرَة ثم سُمّيَت الجبالُ التي فتحوها وسكنوها باسمِهم.  ويمكنُ القول: إنّ النصيريّةَ التي تحدّثَ عنها أصحابُ المقالاتِ والمعاجمِ والمللِ والنحلِ قد بادَت، ولا يوجدُ أحدٌ اليومَ يتبنّى آراءَ هذهِ الفرقةِ وأفكارَها. وهذا ما يؤكّدُه السُّبحانيّ في  كتابِه بحوثٌ في المللِ والنحلِ (ج8/ص402)، إذ يقول: إذا كانَت النصيريّةُ هيَ التي عرّفَها أصحابُ المعاجمِ وغيرُهم، فهذهِ الفرقةُ قد بادَت ولا تجدُ أحداً يتبنّى أفكارَها بينَ المُسلمين، إلاّ إذا كانَ مُغفّلاً أو مُغرِضاً، وربّما تكونُ بعضُ هذه النسبِ ممّا لا أصلَ له في الواقع، وإنّما اتُّهمَت بها بعضُ فرقِ الشيعةِ مِن قِبلِ أعدائهم، فإنّ خصومَهم منَ العبّاسيّينَ شنّوا حملةً شعواءَ ودعاياتٍ مُزيّفةً ومُضلّلةً ضدّهم، حتّى يجدَ الباحثُ أنّ الكتّابَ والمؤَلّفينَ المدعومينَ مِن قبلِ السلطاتِ لا يألونَ جهداً في اتّهامِهم بأرخصِ التهمِ في العقيدة والعملِ، حتّى صارَت حقائقَ راهنةً في حقِّ هؤَلاء، وتبعَهم غيرُ واحدٍ مِن أصحابِنا لحُسنِ ظنِّهم بما كتبَ حولهم. ودمتُم سالِمين.