السؤالُ حولَ شُبهةِ الإمامِ عليّ (عليهِ السلام) يلعنُ الإمامَ الحسنَ (عليهِ السلام) على المنبرِ في الكافي الشريف.

: - اللجنة العلمية

السلامُ عليكثم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،بدايةً ينبغي أن يُعلمَ أنّه لا يمكنُ أن يلعنَ الإمامُ إماماً، كما لا يمكنُ أن يلعنَ النبيُّ نبيّاً؛ إذ اللعنُ هو الإبعادُ والطردُ منَ الرحمةِ الإلهيّة، ومُستحقُّ اللعنِ بعيدٌ عن اللهِ تعالى، ومنَ المعلومِ أنَّ المؤمنَ سعيدٌ قريبٌ منَ اللهِ تعالى فلا يستحقُّ اللعن، فضلاً عن المعصومِ الذي هوَ في غايةِ القُربِ الإلهيّ، فحيثُ إنّه لا يقتربُ منَ المعاصي والذنوبِ فلا يصحُّ لعنُه أصلاً. لهذا نقول: لا يتعقّلُ أن يلعنَ الإمامُ عليّ (عليهِ السلام) الإمامَ الحسنَ (عليهِ السلام)، فإنّهما إمامانٍ معصومان.  ثمّ إنّه لم يرِد في كتابِ الكافي ولا في غيرِ الكافي أنّ أميرَ المؤمنينَ (عليهِ السلام) لعنَ ابنَه الإمامَ الحسنَ (عليهِ السلام) على المنبرِ ولا على غيرِ المنبر، فإنّ هذهِ أكذوبةٌ وهابيّةٌ، فالوهابيّونَ إذ إنّهم يكرهونَ أهلَ بيتِ العصمةِ (عليهم السلام) ولا يمكنُهم التجاهرُ بالطعنِ بذلكَ لئلّا يُعرفوا بالنصبِ والبُغضِ لآلِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) يلجؤونَ إلى مثلِ هذهِ التحايلاتِ والأكاذيب، فيصوّرونَ وكأنّ الشيعةَ تروي مثلَ هذا الطعن، بينَما قلبُهم الأسودُ وروحُهم المُسانخ لوادي برهوت هوَ الذي يقصّ هذهِ الأكاذيبَ الواضحة.  ولعلّ السؤالَ ناظرٌ إلى قضيّةِ كثرةِ الطلاقِ التي أجابَ عنها العلماءُ والباحثونَ مِراراً وتكراراً، وقد أوضَحنا في بعضِ الأجوبةِ زيفَ هذه الشبهة، وأنّها لا تسمنُ ولا تُغني، وليسَ نظرُ المخالفينَ في هذهِ الشبهةِ إلّا التنقيص مِن سبطِ النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كما ذكَرنا، ولا بأسَ في بيانِ بعضِ الأشياء، فنقول:   في المقامِ طائفتانِ منَ الرواياتِ ينبغي مُلاحظتُها لئلّا يقعَ الخلطُ واللبسُ كما يحاولُ السلفيّون:  الطائفةُ الأولى:  عقدَ الشيخُ الكلينيّ في كتابِه [الكافي ج6 ص55] باباً بعنوانِ: « بابُ تطليقِ المرأةِ غيرِ الموافقة »، وأدرجَ فيهِ ستَّ رواياتح:  منها: ما رواهُ عن أبي عبدِ اللهِ (عليهِ السلام) قالَ: « إنَّ عليّاً قالَ ـ وهوَ على المِنبر ـ: لا تزوّجوا الحسنَ، فإنّه رجلٌ مِطلاق، فقامَ رجلٌ مِن همدان فقالَ: بلى واللهِ لنزوجنّه، وهوَ ابنُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وابنُ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، فإن شاءَ أمسَك، وإن شاءَ طلَّق ».  ومِنها: ما رواهُ عن أبي عبدِ الله (عليه السلام) قال: « إنّ الحسنَ بنَ عليّ (عليهما السلام) طلّقَ خمسينَ امرأةً، فقامَ عليٌّ (عليهِ السلام) بالكوفةِ فقالَ: يا معاشرَ أهلِ الكوفة، لا تُنكحوا الحسنَ، فإنّه رجلٌ مِطلاق، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: بلى واللهِ لنُنكحنّه، فإنّه ابنُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وابنُ فاطمةَ (عليها السلام)، فإن أعجبَته أمسكَ، وإن كرهَ طلّق ». الطائفةُ الثانية:  وقبلَ هذا البابِ عقدَ الشيخُ الكُلينيّ في كتابِه [الكافي ج6 ص54] باباً بعنوان: « بابُ كراهةِ طلاقِ الزوجةِ المُوافقة »، وأدرجَ فيهِ خمسَ روايات:  مِنها: ما رواهُ عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قالَ: « مرّ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) برجلٍ فقال: ما فعلَت امرأتُك؟ قالَ: طلّقتُها يا رسولَ الله، قالَ: مِن غيرِ سوء؟ قالَ: مِن غيرِ سوء، ثمّ قالَ: إنّ الرجلَ تزوّجَ، فمرّ بهِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فقالَ: تزوّجتَ؟ قالَ: نعَم، ثمّ قالَ له بعدَ ذلك: ما فعلَت امرأتُك؟ قالَ: طلّقتُها، قالَ: مِن غيرِ سوءٍ؟ قالَ: مِن غيرِ سوء، ثمّ إنّ الرجلَ تزوّجَ، فمرَّ بهِ النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فقال: تزوّجتَ؟ فقالَ: نعم، ثمّ قالَ له بعدَ ذلك: ما فعلَت امرأتُك؟ قالَ: طلّقتُها، قالَ: مِن غيرِ سوء؟ قالَ: مِن غيرِ سوء، فقالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله: إنّ اللهَ (عزّ وجلّ) يبغضُ ـ أو يلعنُ ـ كلَّ ذوّاقٍ منَ الرجالِ، وكلَّ ذوّاقةٍ منَ النساء ».  ومِنها: ما رواهُ عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: « ما مِن شيءٍ ممّا أحلَّهُ اللهُ (عزّ وجلّ) أبغضَ إليهِ منَ الطلاق، وإنّ اللهَ يبغضُ المِطلاقَ الذوّاق ».  ومِنها: ما رواهُ عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: سمعتُ أبي (عليهِ السلام) يقولُ: « إنّ اللهَ (عزّ وجلّ) يبغضُ كلَّ مِطلاقٍ ذوّاق ».   إذا عرفتَ هذا نقول:أوّلاً: إنّ هذهِ الروايات التي تذمُّ المِطلاقَ الذوّاقَ غيرُ مرويّةٍ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وإنّما مرويّةٌ عن النبيّ والباقرِ والصادقِ (صلواتُ اللهِ عليهم وآلهم)، وأبو عبدِ الله (عليهِ السلام) في هذهِ الرواياتِ يُرادُ بهِ الإمامُ الصادقُ (عليهِ السلام) كما هوَ معلومٌ عندَ الإماميّةِ، لا أنّهُ سيّدُ الشهداءِ (عليهِ السلام)، فلا ينبغي أن يُتوهَّمَ أنّ الروايةَ الثالثةَ مرويّةٌ « عن أبي عبدِ الله (عليهِ السلام) قالَ: سمعتُ أبي (عليهِ السلام) » أنّها عن سيّدِ الشهداءِ عن أميرِ المؤمنينَ (عليهما السلام)، فهذا غلطٌ واشتباهٌ لا يقعُ فيهِ مَن مارسَ علمَ الحديثَ عندَ الإماميّة، وقد كانَ المُحدّثُ السلفيّ الألباني قد وقعَ فيهِ في بعضِ المواردِ، فإنّه قالَ في [السلسلةِ الضعيفة ج1 ص525]: « ثمّ رأيتُ الحديثَ في كتابِ (الأصولِ منَ الكافي) للكلينيّ ـ مِن علماءِ الشيعةِ ـ رواهُ (1 / 377) عن محمّدٍ بنِ عبدِ الجبار، عن صفوان، عن الفضيلِ، عن الحارثِ بنِ المُغيرة، عن أبي عبدِ الله مرفوعاً، وأبو عبدِ الله هوَ الحسينُ بنُ عليّ (رضيَ اللهُ عنهما) »، فهذهِ مِن طرائفِ الألبانيّ؛ إذ إنّ أبا عبدِ الله هوَ الإمامُ الصادقُ (عليهِ السلام). نعم، الواردُ على لسانِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام): « لا تزوّجوا الحسنَ، فإنّهُ رجلٌ مِطلاق »، وهذا بيانٌ لِما كانَ يحصلُ آنذاك، لا أنّه في مقامِ الذمِّ والتنقيصِ ـ والعياذُ بالله ـ، ومنَ الواضحِ أنّ هذا يختلفُ عمّا وردَ في أنّ اللهَ يبغضُ أو يلعنُ المِطلاقَ الذوّاق.  وثانياً: رواياتُ الطائفةِ الثانيةِ مُنصبّةٌ على عنوانيّ (المطلاقِ الذوّاق)، لا على عنوانِ (المِطلاق) فحسب، بمعنى أنّ الرجلَ يُطلّقُ المرأةَ التي توافقُه وتنسجمُ معه، ولم يرَ مِنها سوءاً ولا شيناً، ثمّ يتزوّجُ ويطلّقُ وهكذا، كما هوَ صريحُ الروايةِ النبويّةِ المُتقدّمةِ، ولهذا نجدُ أنّ الشيخَ الكُلينيّ أدرجَها تحتَ « بابِ كراهةِ طلاقِ الزوجةِ الموافقةِ ». بينَما رواياتُ الطائفةِ الأولى أدرجَها الكُلينيّ تحتَ « بابِ تطليقِ المرأةِ غيرِ الموافقة » وهيَ المرأةُ التي لا تنسجمُ معَ زوجِها، لاختلافِ عقيدتِها أو أخلاقِها أو آدابِها أو عشرتِها أو غيرِ ذلك، والروايتانِ المُتقدّمتانِ ظاهرتانِ في هذا المعنى، وذلكَ حينَما قامَ رجلٌ وقالَ: « بلى واللهِ لنُنكحنّه، فإنّه ابنُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وابنُ فاطمةَ (عليها السلام)، فإن أعجبَته أمسكَ، وإن كرهَ طلّق »، وعليهِ يحملُ الروايةَ الأخرى: « فإن شاءَ أمسَك، وإن شاءَ طلّق »، فإنّ عنوانَ (كرهَ) مُتلائمةٌ معَ المرأةِ غيرِ الموافقةِ وغيرِ المُنسجمةِ معه.  إذن: هذه الرواياتُ على طائفتين، الأولى: كراهيةُ طلاقِ الزوجةِ الموافقة، وأنَّ اللهَ يبغضُ المطلاقَ الذوّاقَ، والأخرى: طلاقُ الزوجةِ غيرِ الموافقةِ، وفي هذه الحالةِ لا يبغضُ اللهُ المطلاقَ، فالرجلُ لو تزوّجَ عدّةَ مرّاتٍ ولم يُرزَق بزوجةٍ صالحةٍ تنسجمُ معَه تماماً وينسجمُ معَها تماماً، وقد طلقهنَّ، فإنّه وإن كانَ مِطلاقاً إلّا أنّه غيرُ مبغوضٍ منَ اللهِ تعالى ولا ملعون. وبهذا تظهرُ دقّةُ الشيخِ الكُلينيّ (رضوانُ اللهِ عليه) وعظمتُه، فإنّه مُلتفتٌ إلى هذه النكاتِ الفنيّةِ، فأدرجَ كلَّ روايةٍ في بابِها المناسبِ ولم يجعَلها كلّها سواء، بمعنى أنّه ذكرَ بالإشارةِ علاجاً للتنافي البدويّ الحاصلِ بينَ هاتينِ الطائفتين، وهوَ أنّ هذهِ الروايات ليسَت على نسقٍ وموضوعٍ واحد، بل هيَ على طائفتين وموضوعُها مُختلفٌ، فلا يصحُّ حملُ أحدِها على الآخر.  وثالثاً: هناكَ أجوبةٌ عديدةٌ ذكرَها العلماءُ والباحثونَ حولَ قضيّةِ كونِ الإمامِ الحسنِ (عليهِ السلام) مطلاقاً، بعضُها صدوريّةٌ، وبعضُها دلاليّة، وقد تقدّمَ أحدُ الأجوبةِ في النقطةِ السابقةِ، وهاهُنا نشيرُ إلى جوابٍ آخر، وهوَ أنّ المُسلمينَ كانَت لهُم الرّغبةُ بنيلِ شرفِ الاتّصالِ بالنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وكانوا يعرضونَ على الإمامِ الحسنِ (عليهِ السّلام) الزّواجَ مِن بناتِهم، معَ تخييرِه بالإمساكِ أو الطّلاقِ، حيثُ كانَت غايتُهم شرفُ المُصاهرةِ معَ ذريّةِ النّبيّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وهوَ فخرٌ ومجدٌ غيرُ خافٍ على العاقلِ المُنصفِ، معَ ما كانَ للحسنِ (عليهِ السّلام) مِن جمالٍ وصفاتٍ وسجايا، وكانَ الحسنُ (عليهِ السّلام) يُلبّي طلبَهم وينزلُ تحتَ رغبتِهم.. وهذا ما وردَ في نفسِ تلكَ النّصوصِ، فقد وردَ في نفسِ الرّوايةِ المُتقدّمةِ مِن قولِهم لأميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام): « بلى واللهِ لنُنكحنّهُ، فإنّه ابنُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وابنُ فاطمةَ (عليها السّلام)، فإن أعجبَتهُ أمسكَ وإن كرهَ طلّق ».  وكلا الجواب على فرضِ التسليمِ بصحّةِ هذه الرواياتِ واعتبارِها وحجّيّتِها، إذ البعضُ شكّكَ في صحّتِها أو حجّيّتِها، كما أوضحناهُ في بعضِ الأجوبةِ السابقة، فمَن شاءَ التفصيلَ فليُراجِعها.والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.