هل صحيحٌ أنّهُ لا يوجدُ عندَنا نصٌّ لفظيٌّ عن المعصومينَ في معنى أنَّ الكوثرَ هيَ فاطمةُ الزهراء «عليها السلام» ؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه،إنّنا وإن لم نعثُر ـ فيما هوَ متاحٌ لدينا مِن مصادر ـ على نصٍّ لفظيٍّ مأثورٍ عن الأئمّةِ المعصومينَ (عليهم السلام) في بيانِ ذلك، فربّما صدرَ عن المعصومينَ (عليهم السلام) كلامٌ في هذا الخصوصِ ولكنّه لم يصِل إلينا، أو وصلنا ولم نظفَر به، إلّا أنَّ الآيةَ الكريمةَ ظاهرةُ الدلالة ـ بملاحظةِ قرائنِها المُتّصلةِ والمُنفصلة ـ على أنّ الكوثرَ السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فتفسيرُ الآيةِ الكريمةِ لا يقتصرُ على النصوصِ الواردة، بل يمكنُ فهمُها مِن خلالِ ما يحفُّ بها منَ القرائن، كمقابلةِ الكوثرِ للأبتر وهوَ مَن انقطعَ نسله، قالَ العلّامةُ صاحبُ الميزانِ بعدَ نقلِه الأقوالَ في معنى الكوثر وأنّها تبلغُ إلى ستّةٍ وعشرين: وكيفما كانَ فقوله في آخرِ السورة ﴿إنَّ شانئكَ هوَ الأبتر﴾ وظاهرُ الأبترِ َ المُنقطعُ نسلهُ وظاهرُ الجُملةِ أنّها مِن قبيلِ قصرِ القلبِ إنَّ كثرةَ ذريّتِه صلّى اللهُ عليهِ وآله هيَ المرادة وحدها بالكوثرِ الذي أعطيه النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله، أو المراد بها الخيرُ الكثيرُ وكثرةُ الذريّةِ مرادةٌ ضمنَ الخيرِ الكثير، ولولا ذلكَ لكانَ تحقيقُ الكلامِ بقوله: ﴿إنَّ شانئكَ هوَ الأبتر﴾ خالٍ منَ الفائدة. تفسيرُالميزان، ج 20، ص 370.  وقد ذهبَ إلى ذلكَ أيضاً الرازيّ في تفسيرِه: "إنّا إذا حمَلنا الكوثرَ على كثرةِ الأتباعِ أو على كثرةِ الأولادِ وعدمِ انقطاعِ النسلِ كانَ هذا إخباراً عن الغيب، وقد وقعَ مُطابقاً له، فكانَ مُعجزاً". التفسيرُ الكبير، ج 32، ص 128.    ومنَ القرائنِ الدالّةِ على أنَّ المرادَ منَ الكوثر هوَ فاطمة سببُ النزول، فقد وردَ عندَ الفريقين أنّها نزلَت ردّاً على عمرو بنِ العاص، حيثُ جاء: " الكوثرُ نهرٌ في الجنّةِ أعطى اللهُ محمّداً عوضاً عن ابنِه إبراهيم، قالَ دخلَ رسولُ الله ص المسجدَ وفيه عمرو بنُ العاص والحكمُ بنُ أبي العاص قالَ عمرو يا أبا الأبتر وكانَ الرجلُ في الجاهليّةُ إذا لم يكُن له ولدٌ سمّيَ أبتراً، ثمَّ قالَ عمرو إنّي لأشنأ محمّداً أي أبغضُه فأنزلَ اللهُ على رسولِه ص إِنَّا أَعطَيناكَ الكَوثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر إلى قوله إِنَّ شانِئَكَ أي مُبغضَك عمرو بنُ العاص هُوَ الأَبتَرُ يعني لا دينَ له ولا نسب". تفسيرُ القمّي ج : 2 ص : 445.  وأوردَ جلالُ الدينِ السيوطي في درِّه المنثور: عن ابنِ عبّاس قالَ: كانَ أكبر ولدِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم، القاسم ثمَّ زينب ثمّ عبد الله ثمّ أمّ كلثوم ثمّ فاطمة ثمّ رقية، فماتَ القاسمُ وهوَ أوّلُ ميّتٍ مِن ولدِه بمكّةَ ثمّ ماتَ عبدُ الله، فقالَ العاصُ بنُ وائل السهمي، قد انقطعَ نسلهُ، فهوَ أبتر، فأنزلَ الله: ﴿إنّ شانئكَ هوَ الأبتر﴾. الدرُّ المنثور في التفسيرِ بالمأثور، ج 10، ص 707.  وتفسيرُ الكوثرِ لا يتنافى معَ إرادةِ أولادِ الرسولِ صلّى اللهُ عليهِ وآله مِن فاطمةَ عليها السلام، فألفاظُ القرآنِ لها مصاديقُ كثيرةٌ، ومِنها الكوثر، فإنّه الخيرُ الكثير، ومِن مصاديقِه النهرُ الموجودُ في الجنّةِ ويصدقُ أيضاً على أولادِه صلّى اللهُ عليهِ وآله مِن فاطمة عليها السلام، وهذا ما يُعرَفُ في فنِّ التفسيرِ بقاعدةِ الجري، أي الصدقُ على أكثرَ مِن مورد.  ودمتُم سالِمين.