ما عقوبةُ المُنتحر، وهل يدخلُ الجنّة ؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،يُعَـدُّ الانتـحارُ مِنَ المُحرّماتِ، وذلكَ لأنّه إزهاقٌ للنفسِ بغيرِ حقٍّ، وإنّ الدّينَ الإسلاميَّ قد حرّمَ قتلَ النفس، كما في قولِ اللهِ تعالى: {وَلَا تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ} [الأنعام : 151]. والنهيُ هُنا بمعنى الزجرِ عن هذا الفعلِ، فلذا يُحمَلُ النهيُ على التحريمِ، ومِن هذهِ الآيةِ استنبطَت رواياتُ الحُكمِ الشرعيّ لإزهاقِ النفسِ بغيرِ حق. وقد عدَّ اللهُ تعالى الانتحارَ مِنَ الكُفرِ كما قالَ سُبحانَه: {َ ولَا تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الكَافِرُونَ} [يوسف : 87] إذ إنَّ المُنتحرَ هوَ مَن يئسَ مِن روحِ الله، والذي يئسَ مِن روحِ اللهِ تعالى، فهوَ الذي يُشكّكُ بقُدرةِ اللهِ تعالى الــلامُتناهية، ويُوهّنُ مِن علمِ اللهِ وهيمنتِه وتدبيرِه وحكمتِه سُبحانَه لأمورِ عبادِه، فهوَ الحكيمُ بتدبيرِ شؤونِ عبادِه، العليمُ بمصالحِهم، فكأنَّ المُنتحرَ يتناسى ويتغافلُ عن قولِه تعالى: {لِلَّهِ مُلكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ} [المائدةُ : 120]. فلذا عُدَّ اليأسُ مِن روحِ اللهِ كُفراً.  ثُمَّ إنّ المُنتحرَ مصيرُه النار - نعوذُ باللهِ تعالى مِن هذا المصيرِ - كما قالَ تعالى: {وَلَا تَقتُلُوا أَنفُسَكُم إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُم رَحِيمًا} [النساءُ : 29] {وَمَن يَفعَل ذَلِكَ عُدوَانًا وَظُلمًا فَسَوفَ نُصلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساءُ : 30]. ثُمَّ منَ الضروريّ أن يعرفَ العبدُ أنّ مَن تأخّرَت عليهِ استجابةُ اللهِ تعالى، فهوَ عبدٌ يحبُّ اللهُ سبحانَه سماعَ صوتِ دعائِه، فقد رويَ عَن أَبِي عَبدِ الله (عَلَيهِ السَّلام) قَالَ إِنَّ العَبدَ لَيَدعُو فَيَقُولُ الله عَزَّ وَجَلَّ لِلمَلَكَينِ قَدِ استَجَبتُ لَهُ وَلَكِنِ احبِسُوهُ بِحَاجَتِهِ فَإِنِّي أُحِــبُّ أَن أَسـمَعَ صَوتَهُ وَإِنَّ العَبدَ لَيَدعُو فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَجِّلُوا لَهُ حَاجَتَهُ فَإِنِّي أُبغِضُ صَوتَه. وفي روايةٍ اخرى: عَن أَحمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي نَصرٍ قَالَ قُلتُ لأبِي الحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلام) جُعِلتُ فِدَاكَ إِنِّي قَد سَأَلتُ الله حَاجَةً مُنذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةً وَقَد دَخَلَ قَلبِي مِن إِبطَائِهَا شَي‏ءٌ فَقَالَ يَا أَحمَدُ إِيّــَاكَ وَالشَّيطَانَ أَن يَكُونَ لَهُ عَلَيكَ سَبِيلٌ حَتَّى يُقَنِّطَكَ إِنَّ أَبَا جَعفَرٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآلِه) كَانَ يَقُولُ إِنَّ المُؤمِنَ يَسأَلُ الله عَزَّ وَجَلَّ حَاجَةً فَيُؤَخِّرُ عَنهُ تَعجِيلَ إِجَابَتِهِ حُبّاً لِصَوتِهِ وَاستِمَاعِ نَحِيبِهِ... فَلا تَمَلَّ الدُّعَاءَ فَإِنَّهُ مِنَ الله عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ وَعَلَيكَ بِالصَّبرِ وَطَلَبِ الحَلالِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَإِيَّاكَ وَمُكَاشَفَةَ النَّاسِ فَإِنَّا أَهلَ البَيتِ نَصِلُ مَن قَطَعَنَا وَنُحسِنُ إِلَى مَن أَسَاءَ إِلَينَا فَنَرَى وَالله فِي ذَلِكَ العَاقِبَةَ الحَسَنَةَ... فَكُن بِالله أَوثَقَ فَإِنَّكَ عَلَى مَوعِدٍ مِنَ الله أَ لَيسَ الله عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ وَقَالَ لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ الله وَقَالَ وَالله يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلاً فَكُن بِالله عَزَّ وَجَلَّ أَوثَقَ مِنكَ بِغَيرِهِ وَلا تَجعَلوا فِي أَنفُسِكُم إِلا خَيراً فَإِنَّهُ مَغفُورٌ لَكُم. (ينظر: الكافي للكلينيّ، ج، باب مَن أبطأت عنه الاجابة). ودمتُم سالِمين.