إذا كانَ الإسلامُ منعَ سبيَ نساءِ المُسلمينَ فكيفَ يتجرّأ مسلمٌ أن يسبيَ حريمَ الحُسين؟

موضوعُ سبي حريمِ الحُسينِ رضيَ اللهُ عنه لم يثبُت بنقلٍ صحيح، فإذا كانَ الإسلامُ منعَ سبيَ نساءِ المُسلمينَ فكيفَ يتجرّأ مسلمٌ أن يسبيَ حريمَ الحُسين؟ وأظنُّ هذا الخبرَ مِن دسائسِ الماكرينَ لتبقى نارُ العداوةِ بينَ المُسلمين، ونبرأ إلى اللهِ مِن أيّ اعتداءٍ وانتقاصٍ للإمامِ عليّ أو للزّهراءِ وذرّيتهما رضيَ اللهُ عنهم، أقصدُ أنَّ الإسلامَ منعَ سبيَ نساءِ عامّةِ المُسلمينَ فكيفَ بحريمِ الحُسين؟؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،أوّلاً: إنَّ سبيَ آلِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مِن كربلاءَ إلى الشام قضيّةٌ معروفةٌ ومشهورةٌ ومنَ المُسلّمات، ذكرَها المؤرّخونَ وأربابُ السيرِ والمقاتلِ في كتبِهم ومصنّفاتِهم، كما ذكرَها أربابُ التراجمِ وغيرُهم، والرواياتُ والأخبارُ الواردةُ في ذلكَ كثيرةٌ جدّاً عندَ الفريقين، وسنذكرُ جُملةً مِن كلماتِ المؤرّخينَ، فإن أمكنَ التشكيكُ في مثلِ هذه القضيّةِ الواضحةِ الجليّةِ فيمكنُ التشكيكُ بكلِّ مُفردةٍ تاريخيّةٍ كما هو واضح.  والذي شكّكَ في ذلكَ هوَ ذاكَ الشخصُ المعروفُ بولعِه في بني أميّةَ والمُشتهَرُ بنصبِه لبني هاشم، أعني ابنَ تيميّةَ الحرّانيّ، فإنّهُ ذكرَ عبارةً موهِمةً أرادَ بها تجميلَ صورةِ بني أميّة، قالَ في [منهاجِ السنّة ج8 ص104] إذ قالَ: « ومثلُ هذا الكذبِ الظاهرِ قولُ بعضِ الكذّابينَ أنّه لمّا سُبيَ بعضُ أهلِ البيتِ حُملوا على الجمالِ عرايا فنبتَت لهم سناماتٌ مِن يومئذٍ وهيَ البخاتي، وأهلُ البيتِ لم يُسبَ أحدٌ مِنهم في الإسلامِ، ولا حُمل أحدٌ مِن نسائِهم مكشوفَ العورة ».  فيلاحظُ في كلامِه أنّه جعلَ سبيَ أهلِ البيتِ وحملِهم على الجمالِ عرايا منَ الأمورِ المكذوبةِ، وفرَّعَ عليها أنّ أهلَ البيتِ لم يُسبَ أحدٌ مِنهم في الإسلامِ ويعني أنّه لم يتمَّ اتّخاذُ رجالِهم ونسائِهم عبيداً وإماءً، كما لم يُحمَل أحدٌ مِن نسائِهم مكشوفَ العورة.. وكلامُه بهذا المقدارِ صحيح، فإنّهم لم يُتّخذوا عبيداً ولا إماءً، كما لم يكونوا في حالِ الأسرِ مكشوفي العورة، ولكِن ماذا عن أخذِهم أسرى وسبيهم مِن كربلاءَ إلى الكوفة ومِنها إلى الشام؟! هذا ممّا لم ينفِه ابنُ تيميّة ولكن جعلَ عبارتَه مُوهمةً بذلكَ لتجميلِ صورةِ بني أميّة.  قالَ الشيخُ الكورانيّ في [جواهرِ التاريخ ج4 ص111] تعليقاً على كلامِ ابنِ تيمية: « أقولُ: علمَ اللهُ أنّي لم أقرأ طولَ عُمري ولم أسمَع، معَ أنّي مِن بلادِ الشام التي عاشَ فيها ابنُ تيميّة، أنّ أحداً منَ الشيعةِ أو السنّةِ قالَ إنّ البخاتي نبتَ لها سنامٌ ثانٍ مِن ركوبِ سبايا أهلِ البيت (عليهِ السلام) عليها، ولا سمعتُ أحداً قالَ إنّهنَّ سُبينَ عرايا، حتّى قرأتُ ذلكَ مِن ابنِ تيميّة! ولا تسأل مِن أينَ جاءَ بهذا القول، فقد يكونُ أحدٌ نقلَه له عن عامّيّ أبله، وقد يكونُ اخترعَه مِن عندِه ليقولَ: « وأهلُ البيتِ لم يُسبَ أحدٌ منهُم في الإسلام »! فينفي سبيَ يزيد لنساءِ أهلِ البيت (عليهم السلام) ليوهمَ نفيَ أسرِهم أو يخفّفَه، ويقولُ أنا صادقٌ لأنّ يزيداً أسرَهم وعفا عنهم ولم يسبِهم، فالسبيُ عندَه أن يتملّكَهم عبيداً وإماءً، ويزيدُ لم يفعَل ذلكَ فاستحقّ الشكرَ عندَ ابنِ تيمية! فمِن أجلِ تبرئةِ إمامِه يزيد حرَّفَ ابنُ تيمية معنى السبي وجعلهُ التملّكَ وليسَ الأسر! معَ أنّ العربَ يقولون: سباهُم ثمَّ أطلقَهم ولم يتملّكهم ».  ثانياً: إنّ ما وردَ في السؤالِ مِن أنّه (فإذا كانَ الإسلامُ منعَ سبيَ نساءِ المُسلمين فكيفَ يتجرّأ مسلمٌ أن يسبيَ حريمَ الحُسين) واضحُ البطلان؛ إذ لا مُلازمةَ بينَ منعِ الإسلامِ شيئاً معَ تحقّقِه في الخارجِ على أيدي غيرِ المُلتزمين؛ إذ تحريمُ الإسلامِ ومنعُه هوَ منعٌ تشريعيٌّ يترتّبُ عليه العقوبةُ، وليسَ منعاً تكوينيّاً بحيثُ يصبحُ الإنسانُ عاجِزاً عن ارتكابِه كما هوَ واضح. فالإسلامُ مثلاً منعَ الظُّلمَ والإفسادَ في الأرضِ والقتلَ والهتكَ وغيرَ ذلكَ معَ أنّا نجدُ الظلمَ عمّ المعمورةَ وكذا الإفسادَ والقتلَ والهتكَ وغيرَ ذلك منَ المُحرّماتِ والموبقات. وتكفي إطلالةٌ سريعةٌ على كتبِ التاريخِ ليرى ما فعلهُ القادةُ كالحجّاجِ ومعاويةَ ويزيدَ بنِ معاويةَ وخلفاءِ بني أميّة وبني العبّاس وغيرِهم بالمُسلمينَ قتلاً وسبياً وحبساً وتشريداً و.. إلخ معَ أنّ الإسلامَ حرّمَ ذلك.   ثالثاً: ما وردَ في السؤالِ: (وأظنُّ هذا الخبرَ مِن دسائسِ الماكرينَ لتبقى نارُ العداوةِ بينَ المُسلمين) غيرُ صحيحٍ، فإنّه لا يصحُّ رميُ كلِّ عارٍ وقضيّةٍ فاضحةٍ في سلّةِ دسائسِ الماكرينَ، فإنّ أكثرَ أربابِ السلطةِ ما كانوا معصومينَ ولا مُلتزمينَ ولا متورّعينَ عن ارتكابِ كلِّ قبيحٍ ومُنكرٍ لتثبيتِ أركانِ سلطانِهم وتقويةِ مملكتِهم، وكتبُ التاريخِ والسيرِ مليئةٌ بتلكَ الفضائحِ والشنائع.ثمّ قضيّةُ سبي آلِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قضيّةٌ مشهورةٌ عندَ المؤرّخينَ، ومعروفةٌ عندَهم، رواها الشيعةُ والسنّةُ في كثيرٍ مِن كتبِهم، فهل كانَ جميعُ هؤلاءِ العُلماءِ والمؤرّخينَ منَ الماكرينَ الذينَ يتربّصونَ بالإسلام؟!! كابنِ أعثمَ الكوفيّ إذ قالَ في [الفتوحِ ج5 ص120]: « وساقَ القومُ حُرَمَ رسولِ اللّهِ مِن كربلاءَ كما تُساقُ الأسارى »، وكالمؤرّخِ الشهيرِ محمّدٍ بنِ جرير الطبريّ فإنّه أوردَ في [تاريخِه ج5 ص453] وغيرِها جملةً منَ الرواياتِ في ذلك، وكابنِ سعدٍ إذ قالَ في [الطبقاتِ الكُبرى ج1 ص488]: « ثمَّ أتيَ يزيدُ بنُ معاويةَ بثقلِ الحُسينِ ومَن بقيَ مِن أهلِه ونسائِه، فأدخلوا عليهِ قد قُرنوا في الحبالِ، فوقفوا بينَ يديه، فقالَ له عليٌّ بنُ حسين: يا يزيد، ما ظنُّكَ برسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لو رآنا مُقرنينَ في الحبالِ، أما كانَ يرقُّ لنا »، وكابنِ ابنِ حبّانَ البستيّ فإنّه ذكرَ في [الثقاتِ ج2 ص312]: « ثمَّ أنفذَ عبيدُ اللَّهِ بنُ زِيَاد رَأسَ الحُسَين بنِ عَليّ إِلَى الشَّام مَعَ أُسَارَى النِّسَاءِ وَالصبيانِ مِن أهلِ بَيتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على أقتابٍ مُكشّفاتُ الوُجُوهِ والشُّعور »، وكسبطِ ابنِ الجوزيّ إذ ذكرَ في [تذكرةِ الخواص ص25]: « قالَ هشامٌ بنُ محمّد، والواقديُّ، وابنُ إسحاق:... فلمّا مرّوا على جثّةِ الحُسينِ بنِ علي عليهِ السلام ؛ صاحَت زينبُ بنتُ عليّ: وامحمّداهُ صلّى عليكَ إلهُ السماء، هذا حُسينٌ مرمّلٌ بالعراءِ في الدماء، وبناتُك سبايا وذرّيّتُك قتلى تسفى عليهم الصّبا يا محمّداهُ فأبكَت كلَّ عدوٍّ وصديق »، وكذا ابنُ الأثيرِ في [الكاملِ في التاريخِ ج3 ص185ـ186]، وابنُ كثيرٍ في [البدايةِ والنهاية ج8 ص210]، والمقدسيُّ في [البدءِ والتاريخ ج6 ص12]، وابنُ الجوزيّ في [المُنتظم ج5 ص344]، والقرطبيُّ في [التذكرةِ ص1120]، وغيرُهم كثير. ثمّ هذا الأسلوبُ منَ الكلامِ إنّما هوَ أسلوبُ أتباعِ الظالمينَ، إذ إنّه لا يصبُّ إلّا في خانةِ تجميلِ صورةِ السفّاكينَ والمتوحّشينَ الذينَ ارتكبوا الجرائمَ والقبائح، وإظهارِهم بمظهرِ الملائكةِ والأنبياءِ والقدّيسين!! ولا يجوزُ الدفاعُ عن الظالمينَ والجائرين.