هل كانَت السيّدةُ خديجة متزوّجةً قبلَ النبيّ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه أو لا؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : ما هوَ مذكورٌ في كتبِ التاريخِ والسّيرِ أنَّ السيّدةَ خديجة كانَت متزوّجةً قبلَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بعتيقٍ بنِ عابدَ بنِ مخزوم، وبعدَه تزوّجَت بأبي هالةَ هند بنِ زرارةَ بنِ النبّاش، كما ذكرَه ابنُ سعدٍ في الطبقاتِ الكُبرى، وابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنهاية، وابنُ عبدِ البرِّ في الاستيعابِ وغيرُهم، وقد تعرّضَ المُحقّقُ جعفَر مُرتضى العامليّ في كتابِه (الصحيحُ مِن سيرةِ النبيّ الأعظم) لهذا الأمرِ حيثُ لم يقبَل زواجَ خديجةَ قبلَ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وسلّم) وقامَ بترجيحِ موقفِه بعدّةِ حُججٍ مِنها:  أوّلاً: قالَ ابنُ شهرآشوب: (وروى أحمدُ البلاذري، وأبو القاسمِ الكوفي في كتابيهما، والمُرتضى في الشافي، وأبو جعفرٍ في التلخيص: أنَّ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) تزوّجَ بها وكانَت عذراء. يؤكّدُ ذلكَ ما ذُكرَ في كتابي الأنوارِ والبدع: أنَّ رُقيّةَ وزينبَ كانتا ابنتي هالة أختِ خديجة. ثانياً: قالَ أبو القاسمِ الكوفي: (إنَّ الإجماعَ منَ الخاصِّ والعامِّ ونقلةِ الأخبار، على أنّه لم يبقَ مِن أشرافِ قُريش ومِن ساداتِهم وذوي النجدةِ مِنهم إلّا مَن خطبَ خديجةَ ورامَ تزويجَها، فامتنعَت على جميعِهم مِن ذلكَ فلمّا تزوّجَها رسولُ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) غضبَ عليها نساءُ قريشٍ وهجَرنها، وقُلنَ لها: خطبَكِ أشرافُ قريشٍ وأمراؤهم فلم تتزوجي أحداً منهم وتزوّجتِ محمّداً يتيمَ أبي طالب فقيراً لا مالَ له؟! فكيفَ يجوزُ في نظرِ أهلِ الفهمِ أن تكونَ خديجةُ يتزوّجُها أعرابيٌّ مِن تميم وتمتنعُ مِن ساداتِ قُريش وأشرافِها على ما وصفناه؟! ألا يعلمُ ذوو التمييزِ والنظر: أنّه مِن أبيَنِ المحالِ وأفظعِ المقال؟!. ثالثاً: كيفَ لم يعيّرها زعماءُ قريش الذينَ خطبوها فردّتهم بزواجِها مِن أعرابيٍّ بوّالٍ على عقبيه؟! رابعاً: لقد ذكروا: أنَّ أوّلَ شهيدٍ في الإسلامِ ابنٌ لخديجةَ رحمَها اللهُ اسمُه الحارثُ بنُ أبي هالة استشهدَ حينَما جهرَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بالدعوة. ونقولُ: إنَّ ذلكَ لا يمكنُ قبولهُ حيثُ قد رويَ بسندٍ صحيحٍ عندَهم عن قُتادة: إنَّ أوّلَ شهيدٍ في الإسلامِ هوَ سُميّةُ والدةُ عمّار وكذا روى عن مُجاهد، وعن ابنِ عبّاس: (قتِلَ أبو عمّارٍ وأمُّ عمّار وهُما أوّلُ قتيلينِ قُتلا منَ المُسلمين).  خامِساً: لقد رويَ أنّهُ كانَت لخديجةَ أختٌ اسمُها هالة تزوّجَها رجلٌ مخزوميٌّ فولدَت لهُ بنتاً اسمُها هالة، ثمَّ خلفَ عليها - أي على هالة الأولى - رجلٌ تميميٌّ يقالُ له: أبو هندٍ فأولدَها ولداً اسمُه هند. وكانَ لهذا التميميّ امرأةٌ أخرى قد ولدَت له زينبَ ورقيّة فماتَت وماتَ التميميُّ، فلحقَ ولده هند بقومِه، وبقيَت هالةُ أختُ خديجةَ والطفلتانِ اللتانِ منَ التميميّ وزوجتِه الأخرى، فضمَّتهم خديجةُ إليها، وبعدَ أن تزوّجَت بالرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ماتَت هالة، فبقيَت الطفلتانِ في حجرِ خديجةَ والرّسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله). وكانَ العربُ يزعمونَ: أنَّ الربيبةَ بنتٌ، ولأجلِ ذلكَ نُسبتا إليهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) معَ أنّهما ابنتا أبي هندٍ زوجِ أختِها، وكذلكَ كانَ الحالُ بالنسبةِ لهندٍ نفسِه. ولربّما يمكنُ تأييدُ هذهِ الرواياتِ بما وردَ منَ الاختلافِ في اسمِ والدِ هند، فلتراجِع المصادرَ التي ذكرناها ثمّة.) (الصحيحُ مِن سيرةِ النبيّ الأعظم ج 2 ص 121) وفي الخُلاصةِ يصعبُ جدّاً الجزمُ في الموضوعاتِ التاريخيّةِ وبخاصّةٍ مالهُ علاقةٌ بالأنسابِ، حيثُ يصعبُ اليقينُ معَ وجودِ الاختلافِ والتعارضِ بينَ الأخبار، وعليهِ لا يمكنُ الإجابةُ بلا أو بنعم، ويبقى البابُ مفتوحاً أمامَ العقلِ للترجيحِ مُستعيناً بالسّياقِ العامِّ للأحداثِ التاريخيّةِ مُضافاً لمكانةِ خديجةَ مِن رسولِ اللهِ ومنزلتِها عندَه والعلاقةِ التي كانَت بينَهما.