هل للوحي تفصيلٌ بشأنِ بدايةِ الكون ونهايتِه؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : كما أنَّ آياتِ القرآنِ دالّةٌ على عظمةِ اللهِ وتوحيدِه كذلكَ آياتُ الكونِ والوجودِ دالّةٌ على ذلك، ومِن هُنا يمكنُنا القولُ أنَّ علومَ الكونِ تمثّلُ النصفَ الآخرَ للقرآنِ الكريم، أو يمكنُنا التعبيرُ بأنَّ الكونَ هوَ القرآنُ الصامِت والقرآنُ هوَ الكونُ الناطق، فالسننُ التي تحكمُ نظامَ الوجودِ هي ذاتُها القيمُ التي تحكمُ نظامَ التشريع، والتداخلُ بينَ النصِّ القرآنيّ والكونِ هو الذي يحفّزُ العقلَ الإنسانيَّ للتفكيرِ والإبداع، ومِن هذا البُعدِ نفهمُ توصياتِ القرآنِ بضرورةِ التدبّرِ في آياتِ القرآنِ كما نفهمُ توصياتِه بضرورةِ التفكّرِ في آياتِ الكون، قالَ تعالى: (سَنُرِيهِم آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ الحَقُّ ۗ أَوَلَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ)   معَ أنَّ القرآنَ ليسَ كتاباً في الفلكِ إلّا أنَّ الكثيرَ مِن آياتِه تحدّثَت عَن الكونِ وما فيهِ مِن أفلاك، وقد شكّلَ ذلكَ دافِعاً لكثيرٍ مِن عُلماءِ المُسلمينَ للاهتمامِ بعلومِ الفلك، فكتبوا المخطوطاتِ حولَ تكوّنِ العالم، ورسموا الخرائطَ الملوّنةَ للكواكِب، وتحدّثوا عن دورانِ الكواكبِ حولَ الشمس، وبنوا المراصدَ العِملاقةَ لرصدِ حركةِ النجومِ والكواكِب، ولكِن ظلَّ السؤالُ عن بدايةِ الكونِ هو الذي يشغلُ المُهتمّينَ سواءٌ منَ الفلاسفةِ أو علماءِ الطبيعةِ والفلك، وقد كثرَت المحاولاتُ للإجابةِ على هذا السؤالِ إلى أن جاءَ العالمُ الروسيُّ ألكسندر فريدمان والعالمُ البلجيكيّ جورج لوميتر في عامِ 1927 بنظريّةِ الانفجارِ العظيم، وأصبحَت هي النظريّةَ السائدةَ في تفسيرِ نشأةِ الكون، وبعيداً عن الشروحاتِ المُعقّدةِ لهذهِ النظريِّة فما يهمُّنا هوَ أنَّ هذهِ النظريّةَ أصبحَت المُعتمدةَ في الدوائرِ العلميّةِ ذاتِ الصِلة، وفي سنةِ 1989م أكّدَت وكالةُ الفضاءِ الأميركيّةُ ناسا هذهِ النظريّة، وبذلكَ اعتبرَت النظريّةُ هيَ أهمّ اكتشافاتِ القرنِ العشرين. وليسَ مِن وظيفتِنا هُنا أن نُصادرَ جهودَ هؤلاءِ العلماءِ بالقولِ أنَّ لهذهِ النظريّةِ إشاراتٍ واضحةٍ في القرآنِ الكريم، فالقرآنُ شجّعَ الإنسانَ بما هو إنسانٌ على التعقّلِ وإعمالِ الفكرِ والبحثِ عن المعرفة، فمِنَ المُفترضِ أن يسبقَ المُسلمونَ غيرَهم في ميادينِ البحثِ العلمي؛ وذلكَ لأنَّ القرآنَ مهّدَ لهُم الطريقَ مِن خلالِ الإشارةِ للكثيرِ منَ الحقائقِ العلميّة، إلّا أنَّ ذلكَ لا يمنعُ مِن تعزيزِ الثقةِ في القرآنِ الكريم والإيمانِ بأنّه مِن عندِ اللهِ تعالى، ولا يخفى أنَّ هناكَ الكثيرَ منَ الباحثينَ الذينَ استدلّوا على هذهِ النظريّةِ بآياتِ القرآنِ الكريم، أو أنّهم اعتبروها دليلاً على الإعجازِ العلميّ في القرآنِ الكريم، فمثلاً الدكتورُ حسني حمدان الدسوقي أستاذُ الجيولوجيا وعلومِ الأرضِ في جامعةِ المنصورةِ المصريّة يقولُ أنَّ مِن روائعِ الإعجازِ العلميّ في القرآنِ الكريمِ أن نجدَ تاريخِ الكونِ منذُ مولدِه وحتّى نهايتِه مُسطراً في ثماني آياتٍ في الكتابِ المكنون. ويضيفُ: ستظلُّ إشاراتُ القرآنِ حولَ حقائقِ خلقِ السماواتِ والأرض مناراتٍ تهدي العلماءَ إلى التأريخِ الكونيّ فهماً صحيحاً وتضمُّ تلكَ هذهِ الآيات، آيةً تتحدّثُ عن مولدِ السماواتِ والأرضِ أو الكونِ وهيَ قوله تعالى: (أولم يرَ الذينَ كفروا أنَّ السماواتِ والأرض كانتا رتقاً ففتقناهُما وجعلنا منَ الماءِ كلَّ شيءٍ حيّ أفلا يؤمنون). كما تشيرُ آيةٌ أخرى إلى اتّساعِ السماءِ وهيَ قوله تعالى: (والسماءُ بنيناها بأيدٍ وإنّا لمُوسعون)، بينَما فصّلت أربعُ آياتٍ ثلاثَ مراحلٍ لتطوّرِ السماواتِ والأرض وهيَ قوله تعالى : (قُل أئنّكم لتكفرونَ بالذي خلقَ الأرضَ في يومينَ وتجعلونَ له أنداداً ذلكَ ربُّ العالمين وجعلَ فيها رواسيَ مِن فوقِها وباركَ فيها وقدّرَ فيها أقواتها في أربعةِ أيّام سواءٌ للسائلين ثمَّ استوى إلى السماءِ وهيَ دخان فقالَ لها وللأرضِ ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعينَ فقضاهنَّ سبعَ سماواتٍ في يومين وأوحى في كلِّ سماءٍ أمرها وزيّنّا السماءَ الدّنيا بمصابيحِ وحِفظاً ذلكَ تقديرُ العزيزِ العليم). وأخيراً آيتانِ تصفانِ نهايةَ الأرضِ بالقبضِ والسماواتِ بالطيّ هُما قوله تعالى: (وما قدّروا اللهَ حقَّ قدرِه والأرضُ جميعاً قبضتُه يومَ القيامةِ والسماواتُ مطويّاتٌ بيمينِه سبحانَه وتعالى عمّا يشركون)، وقوله سبحانَه (يومَ نطوي السماءَ كطيّ السجلِّ للكتبِ كما بدأنا أوّلَ خلقٍ نعيدُه وعداً علينا إنّا كنّا فاعلين).وتمثّلُ تلكَ الآياتِ الثماني دُرراً يجبُ أن تتحلّى بها علومُ الفلكِ والكون، وغايةُ سعي العلماءِ أن يكتشفوا سرَّ تلكَ الآياتِ ولذلكَ يجبُ أن تتصدّرَ هذه الآياتُ المُباركاتُ أيَّ حديثٍ عن الكونِ وتاريخِه، ولو فطنَ علماءُ الكونِ لجعلوا مِنها مُرشداً لهُم في أبحاثِهم.