هل حديثُ بشر النّخاس عن السّيدة نرجس صحيحٌ أم ضعيفٌ أم مكذوب؟

المخالفون يتهمون السيدة نرجس عليها السلام بالفحشاء ودليلهم حديث النخاس الا ان ليس هناك اي طعن بالرواية ولكن عدتهم دائما تغير معنى الرواية و التفسير على هواهم عموماً هل هذا الحديث صحيح ام ضعيف ومكذوب

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

ينبغي الكلامُ في أمرين:

 الأمرُ الأوّلُ: طهارةُ أمّهاتِ المعصومينَ (عليهم السلام):

 لا شكَّ ولا ريبَ أنّ آباءَ المعصومين (عليهم السلام) وأمّهاتهم مِن أكملِ البشرِ وأطهرِهم؛ إذ إنّهم (عليهم السلام) أنوارٌ، وتنقّلُهم في الأصلابِ والأرحامِ يتطلّبُ ظرفاً طاهراً مُطهّراً يكونُ مُتلائِماً معَ شرافةِ وقداسةِ نورِهم (عليهم السلام)، وهيَ تستدعي أن تكونَ بعنايةٍ إلهيّةٍ ورعايةٍ ربّانيّة، وهاكَ مثالاً لذلك.. السيّدةُ الجليلةُ الشريفةُ حميدةُ المغربيّةُ بنتُ صاعد البربريّ، وقيلَ: إنّها أندلسيّةٌ، تزوّجَها الإمامُ جعفرٌ الصادقُ (عليهِ السلام) وأنجبَت الإمامَ موسى الكاظمِ (عليهِ السلام).

 روى الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص477] بالإسنادِ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « حميدةُ مُصفّاةٌ منَ الأدناسِ كسبيكةِ الذهب، ما زالَت الأملاكُ تحرسُها حتّى أُدّيَت إليَّ كرامةٌ منَ اللهِ لي والحجّةُ مِن بعدي ».

 وروى الطبريُّ في [دلائلِ الإمامة ص308] نحوَه وفي أوّلِها: « حميدةُ سيّدةُ الإماء، مُصفّاة.. »، وروى الشيخُ الكُلينيّ أيضاً بالإسنادِ عن الإمامِ الباقرِ (عليهِ السلام) قال: « حميدةُ في الدّنيا، ومحمودةٌ في الآخرة ».

 والحديثانِ واضحا الدلالةِ على أنّ حميدةَ حازَت على كمالاتٍ شريفةٍ ومنازلَ رفيعةٍ، وأنّها كانَت بعنايةٍ إلهيّةٍ تحرسُها الملائكةُ وتعتني بها حتّى تزوّجَت بالإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) وولدَت الإمامَ الكاظمَ (عليهِ السلام)، وقد وردَ في روايةٍ عندَ الشيخِ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص477] ونحوه عندَ الطبريّ في [دلائلِ الإمامة ص308] أنّ الإمامَ الباقر (عليهِ السلام) بعدَما اشتراها « قالَ لها: ما اسمُك؟ قالت: حميدةُ، فقالَ: حميدةٌ في الدّنيا، محمودةٌ في الآخرة، أخبريني عنكِ، أبكرٌ أنتِ أم ثيب؟ قالت: بكرٌ، قالَ: وكيفَ ولا يقعُ في أيدي النخّاسينَ شيءٌ إلّا أفسدوه؟ فقالت: قد كانَ يجيئُني فيقعدُ منّي مقعدَ الرجلِ منَ المرأةِ فيسلّطُ اللهُ عليهِ رجلاً أبيضَ الرأسِ واللحيةِ، فلا يزالُ يلطمُه حتّى يقومَ عنّي، ففعلَ بي مراراً وفعلَ الشيخُ به مراراً، فقالَ: يا جعفرُ، خُذها إليك ».

 هذهِ العنايةُ الإلهيّةُ بحراسةِ أمّ الإمامِ الكاظمِ (عليهِ السلام)، ليسَت خاصّةً بها؛ إذ هذهِ العنايةُ إنّما هي عنايةٌ بالظرفِ الذي سيحملُ نورَ حُجّةِ اللهِ تعالى في الأرض، وهذا النورُ يتطلّبُ ظرفاً شريفاً قابلاً لحملِه.

 والكلامُ عينُه يجري في أمِّ النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، وغيرهم منَ المعصومينَ؛ لأنّ العلّةَ فيها مُشتركة.

 والكلامُ نفسُه يجري في أمِّ بقيّةِ اللهِ الأعظمِ الحُجّةِ ابنِ الحسنِ (عجّلَ اللهُ فرجَه)، السيّدة الجليلة العظيمة نرجس (عليها السلام)، فإنّها مِن أطهرِ النساءِ وأشرفهنَّ وأكملهنّ، اختارَها اللهُ تعالى لتحملَ نورَ بقيّةِ اللهِ وحُجّتِه الذي سيملأ الأرضَ عدلاً وقِسطاً بعدَما مُلئَت ظُلماً وجوراً.

 وروايةُ بشرٍ النخّاسِ المعروفةُ، واضحةُ الدلالةِ على أنّها كانَت شريفةً عفيفةً نقيّةً طاهرة، وعباراتُ الروايةِ جليّةٌ في ذلك، إلّا أنّ أهلَ الريبِ والزيغِ الذينَ مسخَ اللهُ عقولَهم، فسلبَ منهُم نورَ العقلِ ونعمةَ الفهم، تجدُهم يرونَ النورَ ظُلمةً والظُّلمةَ نوراً، ويرونَ الطهارةَ قذارةً والقذارةَ طهارةً، وما ذاكَ إلّا لِما يشعرونَ به منَ الخزي الذي لحقَ كبراءَهم والعارِ الذي وُصمَ بهِ أسلافُهم، ولهذا تراهُم يحسّنونَ خزيهم ويقلبونَ عارَهم ثناءً، في حينِ يقبّحونَ الطهارةَ والعفّةَ والنقاءَ والشرافةَ والقدسيّةَ في محمّدٍ وآلِ محمّد (صلواتُ اللهِ عليهم).  

الأمرُ الثاني: اعتبارُ روايةِ بشرٍ النخّاس:

 إنَّ الروايةَ يدورُ حالُها بينَ الاعتبارِ والضعفِ، حسبَ المبنى العلميّ، والمُعطياتِ العلميّةِ في المقامِ لا تسوّغُ رميُها بالوضعِ والكذب، ولا يسعُ المجالُ البسطَ في ذلكَ لطولِه ودقّتِه، لكن نذكرُ في المقامِ بعضَ النقاط:

 1ـ الروايةُ أخرجَها الشيخُ الصدوقُ في [كمالِ الدين ص454]، والشيخُ الطبريّ في [دلائلِ الإمامة ص498]، والشيخُ الطوسيّ في [الغيبةِ ص208]، بإسنادِهم عن محمّدٍ بنِ بحر الرهنيّ عن بشرٍ النخّاس.

والصدوقُ يرويها: عن محمّدٍ بنِ عليٍّ النوفليّ، عن أحمدَ بنِ عيسى الوشّاء، عن أحمدَ بنِ طاهرٍ القمّيّ، عن محمّدٍ بنِ بحرٍ الشيبانيّ.

والطوسيُّ يرويها: عن جماعةٍ، عن أبي المُفضّلِ الشيبانيّ، عن محمّدٍ بنِ بحرٍ الرهنيّ.

والطبريُّ يرويها: عن أبي المُفضّلِ الشيبانيّ، عن محمّدٍ بنِ بحرٍ الرهنيّ.

2ـ المصادرُ الثلاثةُ المُتقدّمةُ أخرجَت الروايةَ مِن مصدرين:

 أحدُهما كتابُ الرهنيّ الذي أخرجَ منهُ الشيخُ الصدوقُ الروايةَ، وما ظفرَ بإسنادٍ عالٍ إليهِ لبُعدِ البلدين، لهذا جاءَ إسنادُه نازلاً بعدّةِ وسائط، مع أنّ الرهنيّ مِن طبقةِ مشايخِه.

 والآخرُ كتابُ أبي المُفضّلِ الشيبانيّ الذي أخرجَ منه الطوسيُّ والطبريّ؛ إذ ذكرَ الشيخُ الطوسيّ في ترجمتِه أنّ له كتاباً بعنوانِ (الولادات الطاهرة)، وهذهِ الروايةُ مُناسبةٌ لهذا الكتابِ كما هوَ ظاهر.

3ـ مدارُ الروايةِ على محمّدٍ بنِ بحرٍ الرهنيّ، ويرويها عنهُ أبو المفضّلِ الشيبانيّ وأحمدُ بنُ طاهرٍ القُميّ.. والشيبانيُّ وإن كانَ ثبتاً في أوّلِ أمرِه ثمَّ صارَ ضعيفاً إلّا أنّهُ مُتابَعٌ بالقمّيّ، والروايةُ يرويها الشيخُ الطوسيّ عن جماعةٍ من مشايخِه عن الشيبانيّ، وهؤلاءِ الجماعةُ مِن أكابرِ المُحدّثين، ومِن جُملتِهم الحسينُ بنُ عبيدِ الله الغضائريّ وهوَ ناقدٌ مرموقٌ معروف.

 4ـ محمّدٌ بنُ بحرٍ الرهنيّ ـ وهوَ مدارُ الرواية ـ مُختلفٌ فيه، فذكرَ الكشيُّ في [اختيارِ معرفةِ الرّجال ج1 ص362] وابنُ الغضائريّ في [الرّجالِ ص98] أنّهُ كانَ مُغالياً، وقالَ الشيخُ الطوسيُّ في [الفهرست ص208]: مُتّهمٌ بالغلو، بينَما قالَ النجاشيُّ في [الفهرست ص384]: « قالَ بعضُ أصحابنا: إنّه كانَ في مذهبِه ارتفاعٌ. وحديثُه قريبٌ منَ السلامةِ، ولا أدري مِن أينَ قيلَ ذلك ».

ومعلومٌ أنّ الطوسيَّ يتأمّلُ في نسبةِ الغلوِ له، في حينِ يصرّحُ النجاشيُّ بأنّ أحاديثَه سليمةٌ خاليةٌ مِن أماراتِ الغلوِّ منَ الارتفاعِ والتخليطِ والكذبِ ونحوِ ذلك، ولهذا يتعجّبُ قائلاً: « ولا أدري مِن أينَ قيلَ ذلك »، فلعلَّ المُرادَ منَ الغلوّ في الموردِ معنىً لا يتنافى معَ الوثاقةِ والضبط.

وقد ترضّى عليهِ الشيخُ الصدوقُ في [عللِ الشرائع ج1 ص211]؛ إذ قالَ: « قد ذكرَ محمّدٌ بنُ بحرٍ الشيبانيّ (رضيَ اللهُ عنه) في كتابِه المعروفِ بكتابِ (الفروقِ بينَ الأباطيلِ والحقوق) في معنى.. إلخ »، وهيَ آيةُ الجلالةِ التي هيَ فوقَ الوثاقة.

 5ـ الروايةُ رواها الشيخُ الصدوقُ وأدرجَها في بابِ (ما رويَ في نرجسَ أمِّ القائمِ (عليهِ السلام)، واسمُها مليكةُ بنتُ يشوعا بنِ قيصر الملك) ولم يخرُج في البابِ غيرها، وأخرجَها الشيخُ الطوسيّ ضمنَ مُعجزاتِ الإمامِ العسكريّ (عليهِ السلام)، وهوَ يرويها عن جماعةٍ مِن أشياخِه ومنهُم الحسينُ بنُ عُبيدِ اللهِ الغضائريّ، فهؤلاءِ ثلاثةٌ منَ النقّادِ المهرةِ رووها بلا غمزٍ ولمز، ثمّ هيَ روايةٌ معروفةٌ لدى الأصحابِ، ذكرَها كثيرٌ منَ المُحدّثينَ والعُلماءِ في كتبِهم حولَ الحُجّةِ (عجّلَ اللهُ فرجَه)، دونَ طعنٍ وجرح، وهذا يعطيها مسحةً منَ الشهرةِ والاعتبار. 

الحاصلُ: الإسنادُ وإن كانَ فيهِ ضعفٌ كما تقدّمَ بيانُه، لكنّهُ خالٍ منَ الكذّابينَ، بل عليهِ أماراتُ الوثوق، فالأمرُ ـ حينئذٍ ـ يدورُ بينَ كونِ الروايةِ مُعتبرةً أو ضعيفًة، وأمّا رميُها بالوضعِ والكذبِ فمُشكلٌ؛ إذ ليسَ سندُها ضعيفاً ولا متنُها مُنكراً لحدٍّ يسوّغُ رميها بالكذبِ والوضع، فقُصارى الأمِر أن يُنعتَ بالضعف. 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.