في أيّ كتابٍ توجدُ مُناظرةُ الإمامِ موسى الكاظمِ (ع) معَ هارونَ الرشيد؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،هذهِ المُناظرةُ منَ المُناظراتِ المشهورةِ والمعروفةِ بينَ عُلماءِ الإماميّةِ (أعلى اللهُ تعالى بُرهانهم)، وقد أوردَها طائفةٌ منهم، كما في كتابِ (عيونِ أخبارِ الرّضا عليهِ السلام) (ج1/ص138) الناشرُ: مجمعُ البحوثِ الإسلاميّةِ التابعِ للعتبةِ الرضويّةِ المُقدّسة. وكتابُ (الاحتجاج) للطبرسيّ (ج 2/ ص161)، وكتابُ (بحارِ الأنوار) للعلامّةِ المجلسيّ (ج48/ص127). وقد ذكرَها كثيرٌ مِن أهلِ العلم، ودوّنوها في مُصنّفاتِهم، وهذهِ المُناظرةُ هي المذكورةُ بالإسنادِ إلى الإمامِ موسى بنِ جعفرٍ (عليهما السلام) قالَ: لمّا أُدخلتُ على الرشيدِ سلّمتُ عليه فردَّ عليَّ السلامَ ثمَّ قال: يا موسى بنَ جعفر، خليفتانِ يُجبى إليهما الخراج؟ فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين! أعيذكَ باللهِ أن تبوءَ بإثمي وإثمِك، وتقبلَ الباطلَ مِن أعدائِنا علينا، فقد علمتَ بأنّه قد كُذبَ علينا منذُ قُبضَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، كما عُلمَ ذلكَ عندك، فإن رأيتَ بقرابتِك مِن رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أن تأذنَ لي أحدّثُك بحديثٍ أخبرَني به أبي عن آبائِه عن جدّي رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)؟ فقالَ: قد أذنتُ لك. فقلتُ : أخبرَني أبي عن آبائِه عن جدّي رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله أنّه قال : ( إنَّ الرّحمَ إذا مسّتِ الرّحمَ تحرّكَت واضطربَت ) فناولنِي يدكَ جعلَني اللهُ فداك. قالَ : ادنُ منّي ! فدنوتُ منه، فأخذَ بيدي ثمَّ جذبَني إلى نفسِه وعانقَني طويلاً، ثمَّ تركني وقالَ : ( اجلُس يا موسى ! فليسَ عليكَ بأسٌ ، فنظرتُ إليه فإذا بهِ قد دمعَت عيناه ، فرجعتُ إلى نفسي . فقالَ : صدقتَ وصدقَ جدُّك صلّى اللهُ عليهِ وآله، تحرّكَ دمي واضطربَت عروقي . حتّى غلبَت عليَّ الرقّة ، وفاضَت عيناي . وأنا أريدُ أن أسألكَ عن أشياءَ تتلجلجُ في صدري منذُ حينِ لم أسأل عنها أحداً ، فإن أنتَ أجبتَني عنها خلّيتُ عنكَ ولم أقبَل قولَ أحدٍ فيك، وقد بلغني أنّك َلم تكذِب قطُّ فأصدُقني فيما أسألُك ما في قلبي . فقلتُ: ما كانَ علمُه عندي فإنّي مُخبركَ به إن أنتَ أمّنتَني . قالَ : لكَ الأمانُ إن صدّقتني وتركتَ التقيّةَ التي تُعرفونَ بها معاشرَ بني فاطمة ، قلتُ ليسأل أميرُ المؤمنينَ عمّا يشاء . قالَ : أخبِرني لمَ فُضّلتم علينا ونحنُ وأنتُم مِن شجرةٍ واحدة ، وبنو عبدِ المُطّلب ونحنُ وأنتُم واحدٌ ، إنّا بنو عبّاس وأنتُم ولدُ أبي طالب ، وهُما عمّا رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وقرابتُهما منهُ سواءٌ ؟ فقلتُ : نحنُ أقربُ . قالَ : وكيفَ ذاك ؟ قلتُ : لأنَّ عبدَ اللهِ وأبا طالبٍ لأبٍ وأم ، وأبوكم العبّاسُ ليسَ هوَ مِن أمِّ عبدِ الله ولا مِن أمِّ أبي طالب. قالَ : فلمَ ادّعيتُم أنّكم ورثتُم النبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، والعمُّ يحجبُ ابنَ العمِّ ، وقُبضَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله وقد توفّيَ أبو طالبٍ قبلَه والعبّاسُ عمُّه حيٌّ ؟ فقلتُ له : إن رأى أميرُ المؤمنينَ أن يُعفني عن هذهِ المسألةِ ، ويسألَني عَن كلِّ بابٍ سواهُ يريدُه . فقالَ: لا . أو تجيبُ. فقلتُ : فآمنّي . قاَل : آمنُتك قبلَ الكلام . فقلتُ : إنّ في قولِ عليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السلام : أنّهُ ليسَ معَ ولدِ الصُّلبِ ذكراً كانَ أو أنثى لأحدٍ سهم ، إلّا الأبوين والزوجَ والزوجةَ ، ولم يثبُت للعلمِ مع ولدِ الصُّلبِ ميراثٌ ، ولم ينطِق به الكتابُ العزيزُ والسنّةُ إلّا أنَّ تيماً وعدياً وبني أميّة قالوا : ( العمُّ والدٌ ) رأياً منهُم بلا حقيقةٍ ، ولا أثرٍ عن رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله ، ومَن قالَ بقولِ عليٍّ منَ العُلماءِ قضاياهُم خلافُ قضايا هؤلاءِ ، هذا نوحٌ بنُ دراج يقولُ في هذه المسألةِ بقولِ عليٍّ وقد حكمَ به ، وقد ولّاهُ أميرُ المؤمنينَ المصرينِ الكوفةَ والبصرة ، وقضى به، فأنهي إلى أميرِ المؤمنينَ فأمرَ بإحضارِه وإحضارِ مَن يقولُ بخلافِ قولِه ، منهم : سفيانُ الثوري ، وإبراهيمُ المازني ، والفضيلُ بنُ عيّاض ، فشهدوا أنّهُ قولُ عليٍّ عليهِ السلام في هذهِ المسألة . فقالَ لهم فيما بلّغني بعضُ العلماءِ مِن أهلِ الحِجاز : لم لا تفتونَ وقد قضى نوحٌ بنُ دراج ؟ فقالوا : جسرَ وجبُنّا . وقد أمضى أميرُ المؤمنينَ قضيّتَه بقولِ قُدماءِ العامّةِ عن النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أنّه قالَ : ( أقضاكُم عليٌّ ) وكذلكَ عمرُ بنُ الخطّابِ قالَ : ( عليٌّ أقضانا ) وهوَ اسمٌ جامعٌ ، لأنَّ جميعَ ما مدحَ به النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله أصحابَه منَ القرابةِ والفرائضِ والعلمِ داخلٌ في القضاءِ. قالَ : زِدني يا موسى ! قلتُ : المجالسُ بالأماناتِ وخاصّةً مجلسُك . فقالَ : لا بأسَ به . فقلتُ : إنَّ النبيَّ لم يورّث مَن لم يُهاجر ، ولا أثبتَ له ولايةً حتّى يُهاجرَ . فقالَ: ما حُجّتُك فيه .قلتُ : قولُ اللهِ تباركَ وتعالى : ( والذينَ آمنوا ولم يُهاجروا ما لكُم مِن ولايتِهم مِن شيءٍ حتّى يُهاجروا ) ( 1 ) وإنَّ عمّي العبّاس لم يُهاجر . فقالَ لي : إنّي أسألُكَ يا موسى هل أفتيتَ بذلكَ أحداً مِن أعدائِنا ، أو أخبرتَ أحداً منَ الفُقهاءِ في هذهِ المسألةِ بشئٍ ؟ فقلتُ : اللهمَّ لا . وما سألَني عنها إلّا أميرُ المؤمنينَ .ثمَّ قالَ لي : جوّزتُم للعامّةِ والخاصّةِ أن ينسبوكُم إلى رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، ويقولوا لكُم : يا بني رسولِ الله ، وأنتُم بنو عليٍّ ، وإنّما يُنسَبُ المرءُ إلى أبيه ، وفاطمةُ إنّما هيَ وعاءٌ ، والنبيُّ جدُّكم مِن قبلِ أمّكم؟ فقلتُ : يا أميرَ المؤمنين لو أنّ النبيَّ نشرَ فخطبَ إليكَ كريمتَك ، هل كنتَ تُجيبهُ ؟ قالَ : سُبحانَ الله ! ولمَ لا أجيبُه ، بل أفتخرُ على العربِ والعجم ِوقريشٍ بذلك ؟ فقلتُ له : لكنّه لا يخطبُ إليَّ ولا أزوّجُه . فقالَ : ولمَ ؟ فقلتُ : لأنّهُ ولدَني ولم يلِدك . فقالَ : أحسنتَ يا موسى ! ثمَّ قال : كيفَ قلتُم أنّا ذريّةُ النبيّ والنبيُّ لم يعقّب ، وإنّما العقبُ الذكرُ لا الأنثى ، وأنتُم ولدُ الأبنةِ ولا يكونُ ولدُها عقباً له . فقلتُ : أسألُكَ بحقِّ القرابةِ والقبرِ ومَن فيه ، إلّا أعفيتَني عَن هذهِ المسألةِ . فقالَ : لا أو تخبرُني بحُجّتِكم فيهِ يا ولدَ عليٍّ ! وأنتَ يا موسى يعسوبُهم ، وإمامُ زمانِهم ، كذا أنهي إلي ، ولستُ أعفيكَ في كلِّ ما أسألُكَ عنه ، حتّى تأتينِي فيهِ بحُجّةٍ مِن كتابِ الله ، وأنتُم تدعونَ معشرَ ولدِ عليٍّ أنّه لا يسقطُ عنكُم منهُ شيءٌ ألفٌ ولا واو إلّا تأويله عندَكم ، واحتججتُم بقولِه عزَّ وجل: (ما فرّطنا في الكتابِ مِن شيءٍ )، واستغنيتُم عن رأي العُلماءِ وقياسِهم . فقلتُ : تأذنُ لي في الجوابِ ؟ قالَ : هاتِ . فقلتُ : أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيمِ بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم : (ومِن ذُريّته داودُ وسليمانُ وأيّوبُ ويوسفُ وموسى وهارونَ وكذلكَ نجزي المُحسنين ، وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس كلٌّ منَ الصالحين )، مَن أبو عيسى يا أميرَ المؤمنين ؟ فقالَ : ليسَ لعيسى أبٌ . فقلتُ : إنّما ألحقناهُ بذراري الأنبياءِ عليهم السلام مِن طريقِ مريمَ عليها السلام وكذلكَ ألحقنا بذراري النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله مِن قِبلِ أُمّنا فاطمة ، أزيدُكَ يا أميرَ المؤمنين ؟ قلتُ : قولُ اللهِ عزَّ وجل : ( فمَن حاجّكَ فيهِ مِن بعدِ ما جاءك منَ العلم، فقُل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمَّ نبتهِل، فنجعلَ لعنةَ اللهِ على الكاذبين)، ولم يدّعِ أحدٌ أنّه أدخلَه النبيُّ صلّى اللهُ عليهِ وآله تحتَ الكساءِ عندَ مُباهلةِ النصارى إلّا عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام وفاطمةُ ، والحسنُ والحُسين أبناءنا الحسنُ والحُسينُ ونساءنا فاطمة ، وأنفسُنا عليٌّ بنُ أبي طالب عليهِ السلام . على أنَّ العُلماءَ قد أجمعوا على أنَّ جبرئيلَ قالَ يومَ أحدٍ : (يا محمّدُ إنَّ هذهِ لهيَ المواساةُ مِن عليٍّ) قالَ : (لأنّهُ منّي وأنا مِنه) . فقالَ جبرئيل : (وأنا مِنكُما يا رسولَ الله )، ثمَّ قال : لا سيفَ إلّا ذو الفقارِ ولا فتى إلّا عليٌّ ، فكانَ كما مدحَ اللهُ عزَّ وجلَّ بهِ خليلهُ عليهِ السلام إذ يقولُ: (قالوا سمِعنا فتىً يذكرُهم يقالُ له إبراهيم)، إنّا نفتخرُ بقولِ جبرئيل أنّه منّا فقالَ : أحسنتَ يا موسى ! إرفَع إلينا حوائجَك. فقلتُ له: إنَّ أوّلَ حاجةٍ لي أن تأذنَ لابنِ عمِّك أن يرجعَ إلى حرمِ جدِّه وإلى عيالِه. فقالَ : ننظرُ إن شاءَ الله. ودمتُم سالِمين.