لماذا لم يُسلِّط اللهُ عذابَه الفوريَّ مثلَ إرسالِ طيورِ أبابيل على جيش يزيد في واقعة الطف ؟

لماذا لم يُسلِّط اللهُ سبحانَه عذابَه الفوريَّ مثلَ إرسالِ طيورِ أبابيل على جيشِ ابنِ سعدٍ أو الخيول التي وطأَت جسدَ الإمامِ الحُسين عليهِ السلام كما حدثَ مع أبرهةَ الحبشي وجيشِه لمّا أقدمَ على هدمِ الكعبةِ المُشرّفة؟

: السيد عبدالهادي العلوي

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،يتّضحُ الجوابُ ببيانِ أمور:  الأمرُ الأوّلُ: التخطيطُ الإلهيُّ لفاجعةِ الطفِّ: تؤكّدُ الرواياتُ الشريفةُ على أنّ التخطيطَ لفاجعةِ الطفِّ كانَ إلهيّاً، وأنّ اللهَ تعالى قد عهدَ للإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) وأمرَه بتنفيذِ مشروعٍ لحفظِ الدينِ عن الاندراسِ ينتهي باستشهادِه واستشهادِ مَن معَه وبأسرِ نسائِه وغيرِ ذلكَ منَ الحوادثِ الفظيعةِ والشنيعةِ التي حصلَت.. روى المحدّثونَ عن الإمامِ الصادقِ (عليهِ السلام) قالَ: « إنّ اللهَ عزَّ وجلَّ أنزلَ على نبيّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كتاباً قبلَ وفاتِه، فقالَ: يا مُحمّد، هذهِ وصيّتُك إلى النجبةِ مِن أهلِك، قالَ: وما النجبةُ يا جبرئيل؟ فقالَ: عليٌّ بنُ أبي طالب وولدُه (عليهم السّلام)، وكانَ على الكتابِ خواتيمُ مِن ذهبٍ فدفعَه النبيُّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلى أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) وأمرَه أن يفكَّ خاتماً منه ويعملَ بما فيه، ففكَّ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) خاتماً وعملَ بما فيه، ثمَّ دفعَه إلى ابنِه الحسنِ (عليهِ السلام) ففكَّ خاتماً وعملَ بما فيه، ثمَّ دفعَه إلى الحُسينِ (عليهما السلام)، ففكَّ خاتماً فوجدَ فيه: أن أخرُج بقومٍ إلى الشهادةِ، فلا شهادةَ لهم إلّا معك، وأشرِ نفسَك للهِ (عزّ وجلّ)، ففعلَ، ثمَّ دفعَه إلى عليٍّ بنِ الحُسين (عليهما السلام) ففكَّ خاتماً فوجدَ فيه: أن أطرِق واصمُت والزَم منزلَك واعبُد ربّكَ حتّى يأتيكَ اليقين، ففعل...». ينظر: الكافي ج1 ص281، الإمامةُ والتبصرةُ ص38، الأماليّ للصّدوق ص487، عللُ الشرائعِ ج1 ص171، كمالُ الدين ص231، ص669، الأماليُّ للطوسيّ ص441، وغيرُها.  فيظهرُ مِن هذهِ الروايةِ وغيرِها: أنَّ خروجَ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) كانَ امتثالاً للأمرِ الإلهيّ الذي عهدَ به إليه بالوصيّةِ الشريفةِ، وذلكَ لتنفيذِ مشروعٍ عظيم لحفظِ الدينِ والملّةِ عن الاندراسِ والأفول، ويكونُ ذلكَ باستشهادِه واستشهادِ أصحابِه.  وروى الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص261] عن ضريسٍ الكناسيّ، عن الإمامِ الباقرِ (عليهِ السلام)، قالَ: «  فقالَ له حمرانُ: جُعلتُ فداك، أرأيتَ ما كانَ مِن أمرِ قيامِ عليٍّ بنِ أبي طالب والحسنِ والحُسين (عليهم السّلام) وخروجِهم وقيامِهم بدينِ الله (عزَّ ذكرُه)، وما أصيبوا مِن قتلِ الطواغيتِ إيّاهم والظفرِ بهم حتّى قُتلوا وغلبوا؟ فقالَ أبو جعفرٍ (عليهِ السلام): يا حمران، إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى قد كانَ قدّرَ ذلكَ عليهم وقضاهُ وأمضاه وحتمَه على سبيلِ الاختيارِ ثمَّ أجراه، فبتقدّمِ علمٍ إليهم مِن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) قامَ عليٌّ والحسنُ والحُسين (عليهم السّلام)، وبعلمٍ صمتَ مَن صمتَ منّا، ولو أنّهم ـ يا حمران ـ حيثُ نزلَ بهم ما نزلَ بهم ما نزلَ مِن أمرِ اللهِ (عزَّ وجل) وإظهارِ الطواغيتِ عليهم سألوا اللهَ (عزَّ وجل) أن يدفعَ عنهم ذلكَ وألحّوا عليهِ في طلبِ إزالةِ مُلكِ الطواغيتِ وذهابِ مُلكِهم إذن لأجابَهم ودفعَ ذلكَ عنهم، ثمَّ كانَ انقضاءُ مُدّةِ الطواغيتِ وذهابِ مُلكِهم أسرعَ مِن سلكٍ منظومٍ انقطعَ فتبدّد، وما كانَ ذلكَ الذي أصابَهم ـ يا حمرانُ ـ لذنبٍ اقترفوه، ولا لعقوبةِ معصيةٍ خالفوا الله فيها، ولكن لمنازلَ وكرامةٍ منَ الله، أرادَ أن يبلغوها، فلا تذهبنّ بكَ المذاهبُ فيهم ».قالَ الشيخُ الصدوقُ في [الاعتقاداتِ ص7]: « فهذا اعتقادُنا في الإرادةِ والمشيئةِ، ومخالفونا يشنّعونَ علينا في ذلك، ويقولونَ أنّا نقولُ: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أرادَ المعاصي، وأرادَ قتلَ الحُسين (عليهِ السلام). وليسَ هكذا نقولُ، ولكنّا نقول: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أرادَ أن تكونَ معصيةُ العاصينَ خلافُ طاعةِ المُطيعين، وأرادَ أن تكونَ المعاصي غير منسوبةٍ إليه مِن جهةِ الفعل، وأرادَ أن يكونَ موصوفاً بالعلمِ بها قبلَ كونِها، ونقولُ: أرادَ اللهُ أن يكونَ قتلُ الحُسينِ (عليهِ السلام) معصيةً له خلافَ الطاعة، ونقولُ: أرادَ اللهُ أن يكوَن قتلهُ منهيّاً عنه غيرُ مأمورٍ به، ونقولُ: أرادَ اللهُ (عزّ وجلّ) أن يكونَ قتلهُ مُستقبحاً غيرَ مُستحسن، ونقولُ: أرادَ اللهُ تعالى أن يكونَ قتلهُ سخطاً للهِ غير رضىً، ونقولُ: أرادَ اللهُ (عزّ وجلّ) أن لا يمنعَ مِن قتلِه بالجبرِ والقُدرة، كما منعَ منهُ بالنهي والقول، ولو منعَ مِن قتلِه بالجبرِ والقُدرة كما منعَ منهُ بالنهي والقول، لاندفعَ القتلُ عنه (عليهِ السلام) كما اندفعَ الحرقُ عن إبراهيم، حينَ قالَ الله (عزّ وجلّ) للنارِ التي أُلقيَ فيها: {يا نارُ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم}، ونقولُ: لم يزَل اللهُ (عزّ وجلّ) عالماً بأنّ الحُسينَ (عليهِ السلام) سيقتلُ ويدركُ بقتلِه سعادةَ الأبد، ويشقى قاتلهُ شقاوةَ الأبد، ونقولُ: ما شاءَ اللهُ كانَ، وما لم يشأ لم يكُن ».  الأمرُ الثاني: لا يُسألُ اللهُ تعالى عَن فعلِه:إنّ السؤالَ عن علّةِ عدمِ إرسالِ اللهِ تعالى العذابَ الفوريَّ على جيشِ عُمرَ بنِ سعد (لعنَهم الله)، هوَ سؤالٌ سيّالٌ يُطرحُ في كثيرٍ منَ المواردِ التي تسلّطَ فيها الظالمونَ على أنبياءِ اللهِ ورسلِه وأوليائِه، لماذا لم يُهلِك اللهُ تعالى بني إسرائيلَ عندما قتلوا الكثيرَ منَ الأنبياءِ حتّى أنّهم كانوا يقتلونَ في اليومِ سبعينَ نبيّاً؟ ولماذا لم يُهلك اللهُ تعالى كفّارَ قريشٍ إذ هتكوا حُرمةَ خاتمِ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) مرّاتٍ كثيرةً بالسبِّ والشتمِ والضربِ والإهانةِ وغيرِ ذلك؟ ولماذا لم يُهلِك اللهُ جيشَ يزيد بنِ معاوية لمّا ضربَ الكعبةَ بالمنجنيق؟ ولماذا لم يُهلِك اللهُ تعالى الغاصبينَ إذ هجموا على بيتِ السيّدةِ الزهراءِ (عليها السّلام) وفعلوا ما فعلوا؟ ولماذا ولماذا؟!  والجوابُ عن جميعِها: لا شكَّ بوجودِ علّةٍ داعيةٍ لذلك؛ إذ أفعالُ اللهُ تعالى معلّلة بالأغراضِ والغايات، ولا تصدرُ عنه الأفعالُ بلا غايةٍ، ولكنَّ الإنسانَ غيرُ مُكلّفٍ بمعرفةِ علّةِ فعلِ اللهِ تعالى، قالَ اللهُ تباركَ وتعالى: {لَا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ}، وحينئذٍ لو جاءَت النصوصُ ـ القرآنيّةُ والقُدسيّةُ والمعصوميّةُ ـ في بيانِ العلّةِ والحكمةِ فنُسلّم لها، وإن لم ترِدنا نصوصٌ فيها فنسلّمُ لها أيضاً ونذعنُ بوجودِ علّةٍ خافيةٍ عنّا.  الأمرُ الثالث: نزولُ العذابِ موقوفٌ على إرادةِ المعصوم:  لا يخفى أنّ الملائكةَ والجنَّ والحيوانَ وسائرَ ما خلقَه اللهُ مأمورونَ باتّباعِ الإمامِ (عليهِ السلام) ومُنقادونَ لإرادتِه، والإمامُ هوَ الحُجّةُ عليهم، كما دلّت عليهِ البراهين. والملائكةُ الموكّلونَ بالعذابِ هُم مِن جُملةِ المخلوقاتِ التي تأتمُّ بالمعصومِ، وترجعُ إليه، وتأتمرُ بأمرِه وتنزجرُ بنواهيه كما هوَ واضحٌ، فلا يسعُها إنزالُ العذابِ دونَ إذنِه وإرادتِه وطلبِه، وهُم معصومونَ لا يفعلونَ إلّا وفقَ ما يمليهِ عليهم تكليفُهم منَ الانصياعِ لحُجّةِ اللهِ تعالى؛ لأنّ اللهَ تعالى أمرَ خلقَه بالانصياعِ لأوامرِ حُجّتِه.  وقد جاءَت جملةٌ منَ الرواياتِ أنّ الملائكةَ عرضَت النصرَ على سيّدِ الشهداءِ (عليهِ السلام)، وطلبَت الإذنَ لقطعِ دابرِ القومِ الظالمين، وكذلكَ جاءَت الجنُّ وعرضَت النُّصرة، ولكِن لم يأذَن الإمامُ (عليهِ السلام) لهم، كما أنّ النصرَ رفرفَ فوقَ رأسِه الشريفِ وخُيّرَ بينَ النصرِ والشهادةِ فاختارَ الشهادة..  نقلَ السيّدُ ابنُ طاوس في [اللهوفِ ص41] عن الشيخِ المُفيد بإسنادِه عن أبي عبدِ اللهِ جعفرٍ بنِ مُحمّدٍ الصّادقِ (عليهم السلام) قالَ: « لمّا سارَ أبو عبدِ اللهِ الحُسين بنِ عليّ (عليهما السلام) مِن مكّةَ ليدخُلَ المدينةَ لقيَه أفواجٌ منَ الملائكةِ المسوّمينَ والمُردفينَ في أيديهم الحرابُ على نُجبٍ مِن نجبِ الجنّة، فسلّموا عليه وقالوا: يا حُجّةَ الله على خلقِه بعدَ جدِّه وأبيه وأخيه، إنَّ اللهَ (عزّ وجلّ) أمدَّ جدَّك رسولَ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) بنا في مواطنَ كثيرة، وإنّ اللهَ أمدّكَ بنا، فقالَ لهم: الموعدُ حُفرتي وبُقعتي التي أستشهدُ فيها وهيَ كربلاء، فإذا وردتُها فأتوني، فقالوا: يا حُجّة الله، إنَّ اللهَ أمرَنا أن نسمعَ لكَ ونُطيع، فهل تخشى مِن عدوٍّ يلقاكَ فنكونُ معك؟ فقالَ: لا سبيلَ لهم عليَّ ولا يلقوني بكريهةٍ أو أصلُ إلى بُقعتي، وأتَتهُ أفواجٌ مِن مؤمنِي الجنّ، فقالوا له: يا مولانا، نحنُ شيعتُك وأنصارُك فمُرنا بما تشاء، فلو أمرتَنا بقتلِ كلِّ عدوٍّ لكَ وأنتَ بمكانِك لكفيناكَ ذلك، فجزاهُم خيراً، وقالَ لهم: أما قرأتُم كتابَ الله... فقالَت الجنّ: واللهِ يا حبيبَ الله ِوابنَ حبيبِه، لولا أنَّ أمرَك طاعةٌ وأنّه لا يجوزُ لنا مُخالفتُك لخالفناكَ وقتلنا جميعَ أعدائِك قبلَ أن يصلوا إليك، فقالَ لهم (عليهِ السلام): نحنُ واللهِ أقدرُ عليهم منكُم، ولكِن ليهلكَ مَن هلكَ عن بيّنةٍ ويحيى مَن حييَّ عن بيّنة ». وروى ابنُ قولويه في [كاملِ الزياراتِ ص171] والشيخُ الصدوقُ في [الأمالي ص737، وكمالِ الدين ص672] والشيخُ النعمانيّ في [الغيبةِ ص322] بالإسنادِ عن أبانَ بنِ تغلب، قالَ: قالَ أبو عبدِ الله (عليهِ السلام): « إنّ أربعةَ آلافِ ملكٍ هبطوا يريدونَ القتالَ معَ الحُسينِ بنِ عليّ (عليهما السلام)، لم يُؤذَن لهُم في القتالِ، فرجعوا في الاستئذانِ، فهبطوا وقد قُتلَ الحُسين ( عليهِ السلام) .. ».وروى الشيخُ الكُلينيّ في [الكافي ج1 ص260] بالإسنادِ عن عبدِ الملكِ بنِ أعين، عن أبي جعفرٍ (عليهِ السلام) قالَ: « أنزلَ اللهُ تعالى النصرَ على الحُسينِ (عليهِ السلام) حتّى كانَ بينَ السماءِ والأرض، ثمّ خُيِّر النصرَ أو لقاءَ الله، فاختارَ لقاءَ اللهِ تعالى ». ونقلَ السيّدُ ابنُ طاووس في [اللهوفِ ص61] عن معالمِ الدينِ للنرسيّ أنّه « روى عن مولانا الصادقِ (عليهِ السلام) أنّه قالَ: سمعتُ أبي يقول: لمّا التقى الحُسينُ (عليهِ السلام) وعمرُ بنُ سعد (لعنَه الله) وقامَت الحربُ، أنزلَ اللهُ تعالى النصرَ حتّى رفرفَ على رأسِ الحُسينِ (عليهِ السلام)، ثمّ خُيّرَ بينَ النصرِ على أعدائِه وبينَ لقاءِ الله، فاختارَ لقاءَ الله ». والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.