كيفَ يكونُ التوفيقُ بينَ عزّةِ المؤمنِ وبينَ قولِ الرسولِ (ص)"سيدخلُ الذلُّ بيتَ فاطمة"

المعلومُ أنَّ المؤمنَ عزيزٌ بعزّةِ اللهِ جلَّ وعلا (( وللهِ العزّةُ ولرسولِه وللمؤمنين)) فكيفَ يكونُ التوفيقُ أو الجمعُ بينَ عزّةِ المؤمنِ وبينَ قولِ الرسولِ ص مُخاطباً الزهراءَ ع بما معناهُ أنّهُ سيدخلُ الذلُّ بيتَ فاطمة . أو أعداء الحُسين ع عندَما أذلّوا السبايا ومِن ضمنِها زينب ع .فما هوَ المقصودُ بالذلِّ ها هُنا جزاكمُ اللهُ خيرَ الجزاء.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : العزّةُ في اللغةِ تحملُ معاني القوّةِ والشدّةِ والغلبةِ والرفعةِ والامتناعِ والعظمة، وهيَ بخلافِ الذلّةِ التي تحملُ معاني الضعفِ والخضوعِ والهوانِ والانكسارِ والمذلّة، وقد جاءَت كلمةُ عزّة في القرآنِ باستخداماتٍ مُتعدّدة، فقد تأتي بمعنى النصرِ والغلبةِ كما في قولِه تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا)، وقد تأتي بمعنى العظمةِ كما في قولِه تعالى: (فَأَلقَوا حِبَالَهُم وَعِصِيَّهُم وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرعَونَ إِنَّا لَنَحنُ الغَالِبُونَ) وكذلكَ قولِه: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ)، وقد تأتي بمعنى المِنعةِ كما في قولِه تعالى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ أَولِيَاءَ مِن دُونِ المُؤمِنِينَ أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، وقد تكونُ بمعنى ما يشقُّ على النفسِ كقولِه تعالى: (لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وكذلكَ جاءت بمعنى الحميّةِ والعصبيّة كما في قولِه تعالى: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)، وقولِه تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَادُ). أمّا الآيةُ موضعُ السؤالِ وهيَ قولهُ تعالى: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ ۚ وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمُؤمِنِينَ وَلَٰكِنَّ المُنَافِقِينَ لَا يَعلَمُونَ) فهيَ تعني الغلبةَ والمنعةَ والنصَر، أي إن كانَ هناكَ منعةٌ وغلبةٌ حقيقيّة فإنَّ الغلبةَ الحقيقيّةَ للهِ ولرسولِه وللمؤمنين، وقد ميّزَتِ الآيةُ بينَ العزّةِ المزعومةِ للمُنافقينَ وبينَ العزّةِ الحقيقيّةِ للهِ ورسولِه وللمؤمنين، وعليهِ يتّضحُ بأنَّ هناكَ عزّةً مطلوبةً وممدوحةً وهيَ العزّةُ المُتّصلةُ باللهِ والقائمةُ على الحقِّ وبتلكَ العزّةِ يحقّقُ الإنسانُ كرامتَه، وهناكَ عزّةٌ مذمومةٌ وهيَ ليسَت إلّا غروراً وتكبّراً حيثُ يرى القوّةَ والمِنعةَ في القبيلةِ والثروةِ وغيرِ ذلك، ففي الروايةِ (مَن أرادَ عزّاً بلا عشيرةٍ، وهيبةً بلا سلطان، فليخرُج مِن ذلِّ معصيةِ اللهِ إلى عزِّ طاعتِه).وعليهِ يتّضحُ أنَّ العزّةَ بالأصلِ هيَ للهِ وحده وما دونَه يكونُ عزيزاً بالعرضِ والتبع؛ وذلكَ لأنَّ المخلوقَ بطبعِه فقيرٌ ومُحتاجٌ فلا يكونُ عزيزاً بنفسِه وذاتِه، قالَ تعالى: (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ) وبالتالي يكتسبُ الإنسانُ العزّةَ مِن خلالِ ارتباطِه باللهِ واعتمادِه عليه، قالَ تعالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعًا) ومِن ذلكَ يتّضحُ أنَّ مقياسَ العزّةِ هوَ الإيمان، فمَن كانَ مؤمناً فهوَ عزيزٌ حتّى لو وقعَ عليهِ الذلُّ ظاهراً، ومَن لم يكُن مؤمِناً فهوَ ذليلٌ حتّى وإن لم يقَع عليهِ الذلُّ في الظاهر، فمثلاً مَن يكونُ عوناً للسلطانِ الجائرِ يكونُ ذليلاً حتّى لو كانَ مُنعّماً ومكرّماً عندَ السلطان، وفي المقابلِ مَن يقفُ في وجهِ السلطانِ الجائرِ يكونُ عزيزاً حتّى لو تعرّضَ للذلِّ والمهانة، ولذا قالَ الإمامُ الحُسين (عليهِ السلام): (ألا وإنَّ الدّعي ابنَ الدّعي قد ركزَ بينَ اثنتين: بينَ السِّلّةِ والذلّة، وهيهاتَ منّا الذلة)، فلو خضعَ الإمامُ الحُسين (عليهِ السلام) ليزيد – وحاشاه -  لكانَ عزيزاً عندَ يزيد وذليلاً عندَ اللهِ وعندَ نفسِه، ولذا لا يفرّطُ المؤمنُ في سيادتِه وعزّتِه حتّى وإن كانَ ثمنُ ذلكَ الذلُّ والموت، وقد كانَ ذلكَ شعارَ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) الذي قالَ: (الموتُ أولى مِن ركوبِ العار) وقالَ: (إنّي لا أرى الموتَ إلّا سعادةً والحياةَ معَ الظالمين إلّا برماً)، وقالَ: (موتٌ في عزٍّ خيرٌ مِن حياةٍ في ذل). ولا تتوقّفُ عزّةُ النفسِ فقط عندَ مواجهةِ السلطانِ الجائرِ وإنّما هيَ مطلوبةٌ في كلِّ حوائجِ الحياة، فالمؤمنُ باللهِ والواثقُ به لا يذلُّ نفسَه لمخلوقٍ، ففي الحديثِ: (اطلبوا الحوائجَ بعزّةِ الأنفس) أي لا تذلّوا ولا تحقّروا أنفسَكم أمامَ الآخرينَ لطلبِ حاجتِكم، احفظوا عزّتَكم ولا تقضوا حوائجَكم بثمنِ ذلّتِكم وذهابِ عزّتِكم.وفي المُحصّلةِ ما وقعَ على أهلِ البيتِ (عليهم السلام) مِن مظالمَ إنّما هو دليلٌ على عزّتِهم، فظاهرُها مذلّةٌ وباطنُها عزٌّ وكرامة، فعندَما رفضوا الخضوعَ لغيرِ اللهِ تعالى وآثروا عزّتَهم وكرامتَهم حاصرَهم أهلُ الباطلِ وأنزلوا عليهم أصنافَ الذلِّ والعذاب، ولكنّهم واجهوا كلَّ ذلكَ بصبرٍ وعزيمةٍ فاستقبلوا الموتَ وهُم في عزّةٍ وكرامة.