هل يمكنُ أن يكونَ الحديثُ الضعيفُ حُجّة؟

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله،نعم، يمكنُ أن يكونَ الحديثُ الضعيفُ حُجّةً إذا احتفَّ بقرائنَ تُوجبُ الوثوقَ والاطمئنانَ بصدورِه منَ المعصوم عليهِ السلام، ومِن أهمِّ تلكَ القرائن هوَ أن ترى علماءُ الطائفةِ وخصوصاً المُتقدّمينَ منهم يعملونَ بالحديثِ الضعيفِ ويتسالمونَ عليه بغيرِ نكير، فإنّ ذلكَ يكشفُ عن حُجّيّةِ ذلكَ الحديثِ وصدورِه منَ المعصوم. أو أن ترى الحديثَ في كتابٍ منَ الكُتبِ المُعتبرة التي شهدَ أصحابُها بصحّةِ الأحاديثِ التي أودعوها في كُتبِهم، كما هوَ الحالُ معَ الشيخِ الكُلينيّ (ره)، والشيخُ الصّدوق (ره) وغيرُهما، فالشيخُ الكُلينيّ مثلاً: قد ذكرَ في مُقدّمةِ كتابِه الكافي الشريف بأنّه جمعَ فيهِ مِن جميعِ علومِ الدينِ ما يكتفي بهِ المُتعلّم، ويرجعُ إليهِ المُسترشد، ويأخذُ منهُ ما يريدُ علمَ الدينِ والعملَ بالآثارِ الصحيحةِ عن الصادقينَ عليهم السلام، وهكذا الشيخُ الصدوقُ لمّا ذكرَ في مُقدّمةِ كتابِه ((مَن لا يحضرُه الفقيه) بأنّه لم يقصِد فيه قصدَ المُصنّفين َفي إيرادِ جميعِ ما رووه، وإنّما قصدَ إلى إيرادِ ما يُفتي به ويحكمُ بصحّتِه ويعتقدُ فيه أنّه حُجّةٌ فيما بينَه وبينَ ربِّه (تقدّسَ ذكرُه وتعالَت قُدرته)، وفوقَ ذلكَ فقد صرّحَ بأنّ جميعَ ما فيه مُستخرجٌ مِن كتبٍ مشهورةٍ عليها المعوّلُ وإليها المرجع. وعليه: فإذا وجَدنا حديثاً مِن أحاديثِ هذين الكتابينِ في إسنادِهما راوٍ قد حكمَ عليه بعضُ أهلِ الجرحِ والتعديلِ بأنّه ضعيفٌ، فهذا لا يعني ضعفَ الحديثِ وسقوطَه عن الاعتبارِ كما يتوهّمُ مَن لا معرفةَ له بمنهجِ العُلماء، لأنّ ضعفَ الراوي لا يعني سقوطَ حديثِه عن الاعتبارِ خصوصاً إذا احتفَّ خبرُه بقرائنَ أوجبَت الوثوقَ بصدورِه واعتبارَه مِن قبلِ عُلماء الطائفةِ خصوصاً المُتقدّمين منهم الذينَ كانوا قريبي العصرِ منَ النصوصِ الواردةِ عن المعصومينَ عليهم السلام، وهُم أعرفُ مِن غيرِهم بمخارجِ الحديثِ واعتباره. ونرجو منَ السائلِ اللبيبِ والقارئِ المُنصف أن لا يظنّ أنّ هذا المنهجَ قد تفرّدَ به عُلماءُ الإماميّةِ، بل عليهِ أن يعرفَ أنّ هذا المنهجَ موجودٌ أيضاً عند بقيّةِ المذاهبِ الإسلاميّةِ، حتّى عندَ الوهابيّة، فتراهُم يعملونَ بالأحاديثِ الضعيفةِ لقرائنَ قامَت عندَهم، ولقد ذكروا ذلكَ في كتبِهم الاستدلاليّةِ كما هوَ الحالُ عندَ الإماميّة، بل فوقَ ذلك، فقد أُلِّفت الكتبُ التي تبيّنُ حقيقةَ هذا الأمرِ مِن قبيلِ أحاديثَ ضعافٍ وعليها العملُ بغيرِ خلافٍ، أو الحديثِ الضعيفِ وقرائنِ الحالِ والمقالِ التي توجبُ اعتبارَه، وغير ذلكَ مِـمّا يعرفُه أهلُ العلم، ولقد نوّهنا في أكثرِ مِن مرّةٍ عندَ الكلامِ على حُجّيّةِ الأحاديثِ أنّ صحّةَ الأحاديثِ ليسَ بالضرورةِ أن يكونَ رواتُها ثقاتاً كما يتوهّم مَن لم يسبِر طريقةَ العُلماءِ على حقيقتِها، إذ كم مِن حديثٍ رجالهُ ثقاتٌ، لكنّه مُنكرٌ أو فيه منَ العلّةِ التي اطّلعَ عليها بعضُ نقّادِ الحديثِ المهرةِ فأوجبَت تركهَ، وذلكَ لأنّ الرّاوي الثقة وإن لم يكُن يكذب؛ لكنّه ليسَ بمعصومٍ، فيجوزُ عليه الاشتباهُ والسهو والخطأ، وهذا يقعُ منه لا محالةَ كما يعرفُ ذلكَ مَن غاصَ في الكتبِ الاستدلاليّة، أو الكتبِ الخلافيّة ونحوها. أضف إلى ذلك أنّ ضعفَ الحديث إذا تعدّدت طرقهُ واستفاضت، فهذا يقوّي بعضها بعضاً، وهو مـمّا يجعلُ الحديث بمجموع هذه الطرق معتبراً وحجّة، كما هو مقرّر في علم الحديث، وقد عملَ بهذه القاعدة علماءُ الإماميّة وغيرهم. قال السيدُ الخوئي في الرواياتِ المادحة للصحابيّ ابن عباس: نحن وإن لم نظفر بروايةٍ صحيحةٍ مادحةٍ، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف، إلا أنّ استفاضتها أغنتنا عن النظر في اسنادها، فمن المطمأن به صدور بعض الروايات عن المعصومين اجمالاً. معجم رجال الحديث 11: 250. الطبعة الخامسة 1992.وقال السّخاوي في فتح المغيث: وقد قال النوويُّ في بعض الأحاديث: وهذه وإن كانت أسانيدُ مفرداتها ضعيفة، فمجموعة يقوي بعضها بعضاً، ويصيرُ الحديث حسناً ويحتجّ به. وسبقهُ البيهقيّ في تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة. فتح المغيث، شرح ألفية الحديث: 1/94. مكتبة السنة، مصر.وقال ابن تيمية: قد يكون الرجلُ عندهم ضعيفاً؛ لكثرةِ الغلط في حديثه، فيروونَ عنه لأجلِ الاعتبار به، فإنّ تعدّد الطرق وكثرتها، يقوي بعضها بعضاً، حتى قد يحصل العلم به. مجموع الفتاوى: 18/ 26. مجمع الملك فهد.نعم، إذا اجتمعَ نُقّادُ الحديثِ وعلماءُ الطائفةِ على أنّ راوياً معيّناً كانَ يكذبُ في الحديثِ ويفتري على المعصومينَ عليهم السلام أحاديثَ لا أصلَ لها، فحينئذٍ يسقطُ حديثُه عن الاعتبارِ، وهذا الأمرُ - بحمدِ اللهِ تعالى - نكادُ نجزمُ بعدمِ وجودِه في كُتبِنا معاشرَ الإماميّة خصوصاً مع وجودِ علماءِ الطائفةِ المُحقّةِ الذينَ فيهم منَ النقّادِ المهرةِ وخرّيتي الصناعةِ جيلاً مِن بعدِ جيل ما يعجزُ القلمُ عن وصفِهم، حتّى وصلَ الأمرُ إلى ما نحنُ عليه اليوم بحمدِ اللهِ وتوفيقِه وتسديدِ إمامِنا الحُجّةِ (عج). هذا ما أرَدنا بيانهُ إجمالاً. ودمتُم سالِمين.