الوضوءُ غسلتانٍ ومسحتان

بس عندي سؤال عن نص من نبي او أمام معصوم يثبت أن الوضوء غسل الوجه مرتين (مستحبة و واجبه) وكذالك اليمنى أما غسل اليسرى فنكتفي بلوجوب ونترك الأستحباب

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمةُ الله، إنّ مَن يتتبّعُ كلماتِ علمائِنا الأعلامِ في كتبِهم الاستدلاليّةِ الخاصّةِ بمسألةِ الوضوءِ الشرعيّ، سيرى أنّ جمهورَهم على أنّ الفرضَ الواجبَ في الوضوءِ إنّما هوَ غسلتانِ ومسحتان، طبقاً لنصِّ الآيةِ الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمتُم إِلَى الصَّلَاةِ فَاغسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيدِيَكُم إِلَى المَرَافِقِ وَامسَحُوا بِرُءُوسِكُم وَأَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ} [المائدةُ: 6]، ولبعضِ النصوصِ الصحيحةِ الواردةِ عن أئمّةِ أهلِ البيت عليهم السلام، التي تؤيّدُ ذلك، والتي جاءَ في كثيرٍ منها تفصيلُ عمليّةِ الوضوء بالنسبةِ لعددِ الغسلاتِ وكذلكَ للمسح، إذ في كتابِ (مداركِ الأحكام) للسيّدِ العامليّ، في(ج ١/ص ٢٧٩ وما بعدَها) عندَ تعليقِه على كلامِ صاحبِ شرائعِ الإسلام لـمّا قال: (الفرضُ في الغسلاتِ مرّةٌ واحدة، والثانيةُ سنّة)، قالَ السيّدُ العامليّ: ما اختارَه المُصنّفُ مِن أنَّ الفرضَ في غسلِ الأعضاءِ المغسولةِ المرّةُ الواحدة، والثانيةُ سُنّةٌ قولُ مُعظمِ الأصحاب. [منهم السيّدُ المُرتضى في جُملِ العلمِ والعمل : ( 50 ) ، والراوندي في فقهِ القرآن ( 1 : 24 ) ، والمُحقّقُ الحلّيّ في المُختصرِ النافع : ( 6 ) ]، ونقلَ عليه ابنُ إدريس الاجماعَ في السرائر. أمّا الاجتزاءُ بالمرّة، فلإطلاقِ الآيةِ الشريفة ، والأخبارِ الصحيحةِ المُستفيضةِ الواردةِ في صفةِ وضوءِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ، كصحيحةِ زُرارةَ بنِ أعين أنّه قال: حكى لنا أبو جعفرٍ عليهِ السلام وضوءَ رسولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآله فدعا بقدحٍ مِن ماء ، فأدخلَ يدَه اليُمنى فأخذَ كفّاً مِن ماء فأسدلَها على وجهِه مِن أعلى الوجه ، ثمَّ مسحَ بيدِه الجانبين جميعاً ، ثمَّ أعادَ اليُسرى في الإناءِ فأسدلَها على اليُمنى ثمَّ مسحَ جوانبَها ، ثمَّ أعادَ اليُمنى في الإناءِ ثمَّ صبّها على اليُسرى فصنعَ بها كما صنعَ في اليُمنى ، ثمَّ مسحَ ببقيّةِ ما بقيَ في يديهِ رأسَه ورجليه ([المصدرُ: الكافي ( 3 : 24 / 1 ) ، والتهذيبُ ( 1 : 55 / 157 ) ، والاستبصار ( 1 : 58 / 171) ، الوسائلُ ( 1 : 275 )]. وصحيحةُ أبي عُبيدةَ الحذّاء ، قالَ : وضأتُ أبا جعفرٍ بجمعٍ وقد بالَ فناولتُه ماءاً فاستنجى ، ثمَّ صببتُ عليه كفّاً فغسلَ بهِ وجهَه ، وكفاً غسلَ به ذراعَه الأيمن ، وكفّاً غسلَ به ذراعَه الأيسر ، ثمَّ مسحَ بفضلةِ الندى رأسَه ورجليه [المصدرُ: التهذيبُ ( 1 : 79 / 204 ) ، الاستبصارُ ( 1 : 58 / 172 ) ، الوسائلُ ( 1 : 275 ) أبوابُ الوضوء ب ( 15 )]. وصحيحةُ حمّادَ بنِ عثمان ، قالَ : كنتُ قاعداً عندَ أبي عبدِ اللهِ عليه السلام فدعا بماءٍ فملأ به كفّه فعمَّ بهِ وجهَه ، ثمَّ ملأ كفّه فعمَّ بهِ يدَه اليُمنى ، ثمَّ ملأ كفّه فعمَّ به يدهَ اليُسرى ثمَّ مسحَ على رأسِه ورجليه وقالَ : " هذا وضوءُ مَن لم يُحدِث حدثاً" يعني بهِ التعدّي في الوضوء. [ الكافي ( 3 : 27 / 8 ) ، الوسائلُ ( 1 : 308 ) أبوابُ الوضوء ب ( 31 ) ح ( 8 ) ]. وموثّقةُ عبدِ الكريم : قالَ : سألتُ أبا عبدِ الله عليهِ السلام عن الوضوءِ فقالَ : " ما كانَ وضوءُ عليٍّ عليهِ السلام إلّا مرّةً مرّة " ( [المصدرُ: الكافي ( 3 : 27 / 9 ) ، التهذيبُ ( 1 : 80 / 207 ) ، الاستبصارُ ( 1 70 / 212 ) ، السرائرُ : ( 473، الوسائلُ ( 1 : 307 ) أبوابُ الوضوء ب ( 31 ) ح ( 7 )].) . وما رواهُ ابنُ بابويه - رحمَه اللهُ - في مَن لا يحضرُه الفقيه ، عن الصادقِ عليهِ السلام أنّه قال : " واللهِ ما كانَ وضوءُ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله إلّا مرّةً مرّة. [الفقيهُ ( 1 : 25 / 76 ) ، الوسائلُ ( 1 : 308 ) أبوابُ الوضوء ب ( 31 )ح (10)].  وأمّا استحبابُ الثانية، فلِما رواهُ الشيخُ في الصحيحِ عن معاويةَ بنِ وهب ، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام : قالَ : سألتُه عن الوضوءِ فقالَ : مثنىً مثنى . [التهذيبُ ( 1 : 80 / 208 ) ، الاستبصارُ ( 1 : 70 / 213 ) ، الوسائل ( 1 : 310 ) أبوابُ الوضوء ب ( 31 )]. وفي الصحيحِ عن صفوان ، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السلام : قالَ : الوضوءُ مثنىً مثنى. [التهذيبُ ( 1 : 80 / 209 ) ، الاستبصارُ ( 1 : 70 / 214 ) ، الوسائلُ ( 1 : 310 ) أبوابُ الوضوء ب ( 31 )].  ونقلَ ابنُ إدريس في السرائرِ (473) عن أحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ أبي نصر البزنطي أنّهُ قالَ في نوادرِه : واعلَم أنَّ الفضلَ في واحدةٍ واحدة ، ومَن زادَ على اثنين لم يُؤجر.وقالَ الكُليني - رحمَه اللهُ - في الكافي ( 3 : 27 ) بعدَ أن أوردَ روايةَ عبدِ الكريمِ المُتقدّمة: هذا دليلٌ على أنَّ الوضوءَ إنّما هوَ مرّةٌ ، لأنّه صلّى اللهُ عليهِ وآله كانَ إذا وردَ عليه أمرانِ كلاهُما طاعةٌ للهِ تعالى أخذَ بأحوطِهما وأشدّهما على بدنِه ، وإنَّ الذي جاءَ عنهم أنّه قالَ : الوضوءُ مرّتان إنّما هوَ لمَن لم يُقنعه مرّةً فاستزادَه فقالَ : مرّتانِ ثمَّ قالَ : ومَن زادَ على مرّتين : لم يُؤجر ، وهوَ أقصى غايةِ الحدِّ في الوضوءِ الذي مَن تجاوزَه أثمَ ولم يكُن لهُ وضوء. وقالَ الصدوقُ في مَن لا يحضرُه الفقيه (1/29): الوضوءُ مرّةً مرّة ، ومَن توضّأ مرّتين مرّتين لم يُؤجَر، ومَن توضّأ ثلاثاً فقد أبدعَ. [أي منَ البِدعةِ المُحرّمة]. ومُقتضى كلامِ المشايخِ الثلاثة - رضوانُ الله عليهم- أفضليّةُ المرّةِ الواحدةِ وهوالظاهرُ منَ النصوص ، وعلى هذا فيمكنُ حملُ الأخبارِ المُتضمّنةِ للمرّتين، على أنَّ المُرادَ بها بيانُ نهايةِ الجواز ، ويشهدُ له صحيحةُ زُرارة وبكيرٌ المُتقدّمة ، عن أبي جعفرٍ عليهِ السلام : قالا : قُلنا له : أصلحكَ اللهُ فالغَرفةُ تُجزئ للوجهِ وغَرفةٌ للذراع ؟ فقالَ : نعم، إذا بالغتَ فيها ، والاثنتانِ تأتيانِ على ذلكَ كلّه. [المصدرُ: الكافي ( 3 : 25 / 5 ) ، التهذيبُ ( 1 : 81 / 211 ) ، الاستبصارُ ( 1 : 71 / 216 ) ، الوسائلُ ( 1 : 272 )، أبوابُ الوضوءِ ب ( 15 ) ح ( 3 ) ]. واعلم : أنَّ المُستفادَ مِن كلامِ الأصحابِ أنَّ المُستحبَّ هوَ الغُسلُ الثاني الواقعُ بعدَ إكمالِ الغُسلِ الواجب ، وأنّه لو وقعَ الغسلُ الواجبُ بغرفاتٍ مُتعدّدةٍ لم يُوصَف باستحبابٍ ولا تحريم. تنبيه: لا توجدُ روايةٌ عن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، تبيّنُ وتفصّلُ في أنّ الغسلَ مرّتانِ للوجهِ ومرّتانِ لليدِ اليُمنى، ومرّةٌ واحدةٌ لليدِ اليُسرى، كما وردَ في منطوقِ سؤالِك، ولكن الذي جعلَ الغُسلَ مرّةً واحدةً لليدِ اليُسرى، إنّما هوَ مستفادٌ منَ القواعدِ العامّةِ التي درجَ عليها علماؤنا في استدلالِهم المعهودِ على كثيرٍ مِن مسائلِ الفقهِ عموماً وهذهِ المسألةِ خصوصاً، إذ إنّهم نبّهوا على أنّ اليدَ اليُسرى تغسلُ مرّةً واحدة، وليسَ مرّتين، لأجلِ المسحِ الواجبِ على مُقدّمِ الرأسِ وعلى ظاهرِ القدمين، إذ إنّ المسحَ عليهما لا بُدَّ أن يكونَ ببلّةِ الماءِ المُتبقّي مِن غسلِ اليدِ اليُسرى الذي هو واجبٌ في الغسلةِ الأولى، حتّى تُصبحَ بلّةُ المُتبقّي مِن غسلِ اليُسرى واجباً، فيصحُّ حينئذٍ أن يُمسحَ بها على مقدّمِ الرأسِ وظاهرِ القدمين. ولكن إذا قُلنا بالغسلةِ الثانيةِ على اليدِ اليُسرى، لأصبحَت بلّةُ اليدِ اليُسرى مُستحبّة، وحينئذٍ لا يصحُّ أن يمسحَ بالمُستحبِّ على العضوِ الواجب. وقد أشارَ إلى ذلكَ علماؤنا في كتبِهم وكذلكَ رسائلِهم العمليّة. ودمتُم سالِمين.