شبهة بطلان الاستدلالُ على الإمامةِ بحديثِ الغدير!

المولى في حديثِ الغديرِ يحتملُ عدّةَ معانٍ ـ كالناصرِ مثلاً ـ، فيكونُ لفظاً مُشتركاً، والمشتركُ لا يمكنُ الاستدلالُ به؛ فيبطلُ الاستدلالُ على الإمامةِ بحديثِ الغدير!

: - اللجنة العلمية

الجواب:

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه،

لا إشكالَ عندَ أهلِ الإنصافِ أنّ كلمةَ (المولى) في قولِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) الثابتِ بالتواتر: « مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه » تدلّ على أنّه الأولى بالتصرّفِ في أمورِ المُسلمين، وأنّه الخليفةُ مِن بعدِه، إلّا أنَّ أهلَ الزيغِ والضلالِ ـ كعادتِهم ـ أوردوا شبهاتٍ تعتمدُ على المُغالطاتِ لصرفِ الحديثِ الشريفِ من مدلولِه الواضحِ إلى معنىً آخر وتفريغِه عن محتواه أو لجعلِ معناه ُمُجملاً مُتشابهاً غيرَ واضحِ المعنى! ولكن سُرعان ما يتّضحُ زيفُ كلامِهم وبطلانُ شبهاتِهم عندَ الوقوفِ على أطرافِ القضيّةِ وملاحظةِ مُلابساتِها والتأمّلِ في حيثيّاتِها ووزنِها بالميزانِ العلميّ، ولإيضاحِ الحالِ ينبغي الكلامُ في عدّةِ نقاط:

النقطة الأولى: كلمة (المولى) ليسَت مُشتركاً لفظيّاً، بل موضوعةٌ لمعنى (الأولى): ولتوضيحِ هذه النقطةِ ينبغي تمهيدُ مقدّمةٍ لبيانِ معنى الترادفِ والاشتراك، فنقولُ: إنّ معنى (الترادفِ) هو أن تكونَ الألفاظُ المُتعدّدةُ موضوعةً لمعنىً واحد، كالأسدِ والسّبعِ والليثِ وغيرِها، فهذهِ الألفاظُ المُتعدّدةُ تشتركُ في معنىً واحدٍ وهو ذاكَ الحيوانُ المُفترس، وعكسُه (الاشتراك) وهو وضعُ اللفظِ الواحدِ لمعنيينِ أو أكثر، كالعينِ الموضوعِ للناظرِ وللشمسِ وللميزانِ وللنقد وغيرِها، فلفظُ العينِ وُضِعَ لكلِّ واحدٍ مِن هذه المعاني المُتعدّدة. فملاكُ الاشتراكِ اللفظيّ هو تعدّدُ المعاني الموضوعةِ لها اللفظُ الواحد، وملاكُ الترادفِ هو اتّحادُ المعنى الموضوعِ له للألفاظِ المُتعدّدة، فالأمرُ يدورُ حولَ المعنى الذي وُضعَ لهُ اللفظ. ثمّ إنّ استعمالَ لفظِ (المولى) في المعاني المُتعدّدة ـ كالأولى والناصرِ وغيرها ـ لا يلازمُه كونُ هذهِ المعاني موضوعةً؛ إذ لا ملازمةَ بينَ تعدّدِ المعاني الاستعماليّةِ وبينَ تعدّدِ المعاني الوضعيّةِ، فقد يكونُ اللفظُ موضوعاً لمعنىً واحدٍ لكنّه يُستعملُ في معانٍ مُتعدّدة، فلفظُ (الأسدِ) مثلاً موضوعٌ للحيوانِ المُفترس بينَما يجوزُ استعمالهُ لإرادةِ الرّجلِ الشجاع، كما لو قلتَ: (رأيتُ أسداً يرمي)، فيلاحظُ أنّ لفظَ (الأسدِ) موضوعٌ لمعنىً واحد بينما يُستعملُ في أكثرِ مِن معنى. وحينئذٍ يتّضح: أنّ تعدّدَ المعاني الاستعماليّةِ للفظ (المولى) لا يصيّرُه مُشتركاً لفظيّاً؛ إذ ملاكُ الاشتراكِ اللفظيّ ـ كما تقدّم ـ أن يكونَ اللفظُ موضوعاً للمعاني المُتعدّدة، فالواضعُ وضعَ لفظِ (العين) ـ مثلاً ـ للباصرةِ وللجاسوسِ وللنقدِ وغيرها.

إذن: دعوى كونِ لفظِ (المولى) مُشتركاً لفظيّاً باعتبارِ استعمالِها في معانٍ متعدّدة، دعوىً غيرُ علميّةٍ ولا صحيحة؛ لعدمِ المُلازمةِ بينَ تعدّدِ المعاني الاستعماليّةِ وبينَ تعدّدِ المعاني الوضعيّة، كما تقدّم. إذا عرفتَ هذا، نقولُ: إنّ كلمةَ (المولى) موضوعةٌ لمعنى الأولويّة، وهوَ الأصلُ والعمادُ الذي ترجعُ إليه المعاني الأخرى المُستعملةُ فيها الكلمةُ ـ كمالكِ الرقِّ والمعتقِ وابنِ العمِّ والناصرِ وضامنِ الجريرةِ والحليفِ والجارِ وغيرها ـ، فإنّ بعدَ التأمّلِ يظهرُ أنّ هذه المعاني التي استعملَ فيها لفظُ (المولى) تنحدرُ عن المعنى الأصيلِ وهو (الأولى)، فلوجودِ معنى الأولويّةِ في هذه المعاني استُعملَت فيها كلمةُ (الأولى)، فمالكُ الرقّ لمّا كانَ أولى بتدبيرِ عبدِه من غيرِه كانَ مولاه، والمُعتقُ لمّا كانَ أولى بميراثِ المُعتقِ مِن غيرِه كانَ مولاه، وابنُ العمّ لمّا كانَ أولى بالميراثِ ممَّن بعُدَ عن نسبِه وأولى بنُصرتِه منَ الأجنبيّ كانَ مولاه، والناصرُ لمّا اختصّ بالنُصرةِ فصارَ بها أولى فكانَ مولاه، وضامنُ الجريرةِ لمّا ألزمَ نفسَه ما يلزمُ المُعتِقَ كانَ بذلكَ أولى ممَّن لم يقبَل الولاءَ وصارَ أولى بالميراثِ فكانَ لذلكَ مولى، والحليفُ لاحقٌ في معناه بالمتولّي فلهذا السّببِ كانَ مولىً، والجارُ لمّا كانَ أولى بنُصرةِ جاِره ممّن بعُدَ عن دارِه وأولى بالشفعةِ في عقارِه فلذا كانَ أولى، وهكذا.

فيلاحظُ أنّ سائرَ المعاني الأخرى التي استُعملَ فيها لفظُ (المولى) تنحدرُ عن معناه الموضوع له وهوَ (الأولى)، فلفظُ (المولى) ليسَ موضوعاً لسائرِ تلكَ المعاني، بل موضوعٌ لمعنىً واحدٍ ويستعملُ في معانٍ مُتعدّدة، وأمّا استعمالها في معاناها الأصليّ ـ أعني الأولويّةَ ـ فأمثلتُه بارزةٌ وواضحةٌ، مِنها:

قولُ اللهِ تعالى: {فَاليَومَ لَا يُؤخَذُ مِنكُم فِديَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَولَاكُم وَبِئسَ المَصِيرُ}[سورةُ الحديد: 14]، والمعنى: أولى بكُم على ما ذكرَه المُفسّرونَ وأهلُ اللغة.

إذن: معنى المولى هوَ الأولى بالتصرّفِ وهو معناهُ الموضوعُ له، وأمّا سائرُ المعاني الأخرى فهيَ مُنحدرةٌ عنها وراجعةٌ إليها.وعندئذٍ يظهرُ: أنَّ ما وردَ في السؤالِ مِن أنّ (المولى في حديثِ الغديرِ يحتملُ عدّةَ معانٍ ـ كالناصرِ مثلاً ـ، فيكونُ لفظاً مُشتركاً) دعوىً غيرُ صحيحةٍ، فلا الاستعمالُ في المعاني المُتعدّدةِ يوجِبُ الاشتراكَ، ولا لفظُ (المولى) مشتركٌ لفظيٌّ لأنّه ليسَ موضوعاً لمعانٍ مُتعدّدةٍ بل لمعنىً واحدٍ وهو الأولى بالتصرّفِ ومستعملٌ في المعاني الأخرى لرجوعِها إلى المعنى الأوّل.

النقطةُ الثانية: الحديثُ يدلُّ على إرادةِ معنى (الأولى): لو تنزّلنا وسلّمنا ـ معَ أنّه لا نُسلِّم ـ أنّ لفظَ (المولى) موضوعٌ لعدّةِ معانٍ، وهي: الأولى والناصرُ والمحبُّ وغيرُها، أي أنّهُ مُشتركٌ لفظيّ، ولكن ذكرَ أهلُ العلم: أنّه ينبغي في استعمالِ اللفظِ المُشتركِ ذكرُ القرينةِ المُعيّنةِ لإحدى المعاني وإلّا تكونُ مُجملةً ومُبهمةً، فالقرينةُ هي التي تعيّنُ المعنى المرادَ منَ اللفظِ المُشترك، فاستعمالُ لفظِ (العين) المُشتركِ بينَ معانٍ مُتعدّدةٍ في معنى الجاسوسِ مثلاً ينبغي أن يكونَ بواسطةِ القرينةِ التي تعيّنُ إرادةَ معنى الجاسوسِ منه.

وحينئذٍ نقولُ: إنّ لفظَ (المولى) لو سلّمنا أنّه مشتركٌ لفظيٌّ بينَ معانٍ متعدّدة، ففي مثلِ حديثِ الغديرِ يُرادُ بهِ معنى الأولى بالتصرّفِ لا غير، لأمرين:

الأمرُ الأوّل: أنَّ المعاني الأخرى غيرُ الأولى غيرُ صالحةٍ لإرادتِها في حديثِ الغدير؛ إمّا في نفسِها كالمُعتقِ والابنِ وابنِ العمِّ ونحوِها، وإمّا لكونِها مِن توضيحِ الواضحاتِ الغنيّةِ عن الاهتمامِ ببيانِها كالمحبِّ والناصرِ وابنِ العمّ، فلا يبقى إلّا معنى الأولى.

الأمرُ الثاني: وجودُ القرائنِ المعيّنةِ لإرادةِ معنى الأولى بالتصرّفِ، وهيَ قرائنُ كثيرةٌ، نذكرُ بعضَها:

القرينةُ الأولى: أنَّ اللهَ تعالى أمرَ نبيَّه بهذا التبليغِ بقولِه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ}[سورةُ المائدة: 67]،

فأبلغَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) الأمّةَ بحديثِ الغدير، ومنَ الواضحِ أنّهُ لا يصحُّ حملهُ على الأمرِ بتبليغِ أنّ عليّاً محبٌّ أو ناصرٌ لمَن أحبّه النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أو ناصرُه أو غيرُ ذلك، فإنّ الذي يليقُ بهذا التهديدِ هوَ أن يكونَ المُبلَّغُ بهِ أمراً دينيّاً يلزمُ الأمّةَ الأخذَ به كالإمامةِ، لا مثلَ الحبِّ والنُّصرةِ مِن عليّ (عليهِ السلام) لهُم التي لا دخلَ لها بتكليفِهم، فهل ترى أنّ اللهَ ورسولهُ يريدانِ تسجيلَ الأمرِ على عليٍّ (عليهِ السلام) والإشهادَ عليهِ بذلكَ المَحفل؛ لئلّا يفعلَ ما يُنافي الحبَّ والنُّصرة، أو يريدانِ توضيحَ الواضحاتِ والإخبارَ بالبديهيّاتِ؟!

القرينةُ الثانية: تقريرُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) لهُم بأنّه أولى بهِم مِن أنفسِهم في قوله: « ألستُ أولى بكُم مِن أنفسِكم »، فقالوا: « بلى »، فإنّ هذا دالٌّ على أنّه مقدّمةٌ لإثباتِ أمرٍ عليهم يحتاجُ إلى مثلِ هذا التقريرِ، فإذا قالَ: « مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه » عُلِم أنّ الغرضَ إثباتُ تلكَ المنزلةِ لعليٍّ (عليهِ السلام) عليهم، وإيجابُ إمامتِه عليهم، لا الإخبارَ بأنّهُ محبٌّ لمَن أحبّه أو ناصرٌ لمَن نصرَه.

القرينةُ الثالثة: إنّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بيّنَ قُربَ موتِه ـ كما في جُملةٍ منَ الروايات، منها روايةُ مسلمٍ بنِ الحجّاجِ القشيريّ ـ في خطبةِ الغديرِ بقولِه: « فإنّما أنا بشرٌ يوشكُ أن يأتي رسولُ ربّي فأجيب »، وهذا مقتضٍ للعهدِ بالخلافةِ ومناسبٌ لها، فلا بدّ مِن حملِ قوله: « مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه » على العهدِ لأميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) بالخلافةِ، لا على بيانِ الحبِّ والنُّصرة، خصوصاً مع ذكرِه حديثَ الثقلينِ ضمنَ خُطبةِ الغدير ـ كما في جملةٍ منَ الروايات ـ: « إنّي تاركٌ فيكم الثقلينِ كتابَ اللهِ وعترتي ما إن تمسّكتُم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً »، الدالّ على الحاجةِ إلى عترتِه وكفايتِهم مع الكتابِ فيما تحتاجُ إليهِ الأمّة.

القرينةُ الرابعة: إنّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) دعا لعليٍّ (عليهِ السلام) بما يناسبُ الدعاءَ لولاةِ العهدِ بعدَ نصبِهم للزعامةِ العامّة، فقالَ: « اللهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصُر مَن نصره، واخذُل مَن خذله، وأدرِ الحقَّ معَه حيثُ دار »

ونحو ذلكَ، فكيفَ يصحُّ حملُ المولى على المُحبِّ أو الناصر؟!

القرينةُ الخامسة: قرائنُ الحالِ الدالّةُ على أنّ ما أرادَ النبيّ (صلّى اللهُ عليه وآله) بيانَه هو أهمُّ الأمورِ وأعظمُها، كأمرِه بالصلاةِ جامعةً في السفرِ بالمنزلِ الوعر، بحرِّ الحجازِ وقتَ الظهيرة، مع إقامةِ منبرٍ منَ الأحداجِ له، وقيامِه خطيباً بينَ جماهيرِ المسلمين، الذين يبلغُ عددُهم مائةَ ألفٍ أو يزيدون. فلا بدّ معَ هذا كلّه أن يكونَ مرادُ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بيانَ إمامةِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) التي يلزمُ إيضاحُ حالِها، والاهتمامُ بشأنِها، وإعلامُ كلِّ مسلمٍ بها، لا مجرّدَ بيانِ أنّ عليّاً محبٌّ لمَن أحببتُه وناصرٌ لمَن نصرتُه، وهو لا أمرَ ولا إمرةَ له!

وبهذا البيانِ يتّضحُ أنّ ما وردَ في السؤالِ مِن أنّ (المشتركَ لا يمكنُ الاستدلالُ به؛ فيبطلُ الاستدلالُ على الإمامةِ بحديثِ الغدير) غيرُ صحيحٍ؛ إذ اللفظُ المُشتركُ يصحُّ الاستدلالُ به عندَ معرفةِ معناهُ بالقرينة، ولا يسقطُ عن الاستدلالِ البتّة؛ لأنّه معَ وجودِ القرينةِ يكونُ معناهُ واضحاً، وشأنُه شأنُ سائرِ الكلماتِ الظاهرةِ في معانيها التي يصحُّ الاستدلالُ بها.

النقطةُ الثالثة: فهمُ الصحابةِ وغيرُهم الإمامةَ منَ الحديثثمَّ سواءٌ كانَت كلمةُ (المولى) موضوعاً لمعنى (الأولى) ـ كما هوَ الصحيحُ ـ، أو موضوعاً لعدّةِ معانٍ ودلّت القرائنُ على إرادةِ معنى (الأولى)، أو كانتَ مجملةً عريّةً عن القرائن، لكنّها في المقامِ تدلُّ على معنى الإمامةِ والخلافة؛ لأنّ الذينَ حضروا ذلكَ المحفلَ العظيم، ومَن بلغَه النبأ بعدَ ذلك ممّن يُحتجّ بقولِه في اللغةِ، فهموا معنى الخلافةِ مِن حديثِ الغدير، وتتابعَ هذا الفهمُ فيمَن بعدَهم منَ الشعراءِ والأدباءِ حتّى عصرِنا هذا، وهذه حجّةٌ قاطعةٌ في المعنى المُراد، والنصوصُ على ذلكَ كثيرةٌ جداً، نقلها العلّامة الأمينيّ في موسوعتِه الفخمةِ الضخمة [الغدير]، نذكرُ في المقامِ بعضَها:

1ـ أبو بكرٍ بنُ أبي قحافةَ وعمرُ بنُ الخطّاب، إذ قالا لأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) مُهنّئينِ له: « بخٍ بخ لك يا ابنَ أبي طالب، أمسيتَ مولى كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة »، فأيّ معنىً مِن معاني المولى المُمكنةِ تطبيقُه في المقامِ لم يكُن قبلَ ذلكَ اليومِ حتّى يوجبَ تهنئتَه لأجلِه ويُصارِحانه بأنّه تلبّس به؟! أهوَ معنى النُّصرةِ والمحبّةِ اللتينِ لم يزَل أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام) مُتّصفاً بهما منذُ رضعَ ثديَ الإيمان؟ أم غيرُهما ممّا لا يمكنُ أن يُرادَ في خصوصِ المقام؟! لا شكَّ أنّها الإمرةُ والخلافة.

2ـ حسّانٌ بنُ ثابت، الذي كانَ حاضِراً في مشهدِ الغدير، وقد استأذنَ النبيَّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) أن ينظمَ الحديثَ في أبياتٍ، فكانَ منها قوله: (فقالَ له: قُم يا عليُّ فإنّني * رضيتُك مِن بعدي إماماً وهادياً).

3ـ قيسٌ بنُ سعدٍ بنِ عبادةَ الأنصاريّ، الذي يقول: (وعليٌّ إمامُنا وإمامٌ * لسوانا، أتى به التنزيلُ) (يومَ قالَ النبيُّ: مَن كنتُ مولاه * فهذا مولاه خطبٌ جليلُ).

4ـ محمّدٌ بنُ عبدِ الله الحميريّ، الذي قال: (تناسوا نصبَه في يومِ خمِّ * منَ البادي ومِن خيرِ الأنامِ).

5ـ عمرو بنُ العاص، الصحابي القائلُ في قصيدتِه لمعاوية: (وكم قد سمِعنا منَ المُصطفى * وصايا مُخصّصةً في عليّ) (وفي يوم خمِ رقى منبراً * وبلّغ والصحبُ لم ترحلِ) (فأمنحَه إمرةَ المؤمنينَ * منَ اللهِ مُستخلفَ المنحلِ) (وفي كفِّه كفُّه معلِناً * ينادي بأمرِ العزيزِ العليّ) (وقالَ: فمَن كنتُ مولىً له * عليٌّ له اليومَ نعمَ الولي).

6ـ 1ـ أميرُ المؤمنينَ (عليهِ السلام)، فقد كتبَ إلى معاويةَ في جوابِ كتابٍ له مِن أبياتٍ ما نصّه: (وأوجبَ لي ولايتَه عليكم * رسولُ اللهِ يومَ غدير خمِّ). وقبلَ ذلكَ مناشدةُ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) واحتجاجُه به يومَ الرحبةِ في الكوفةِ في مجتمعِ الناسِ ومناشدتُه لهم بحديثِ الغدير، ردّاً على مَن نازعَه في خلافتِه وبلغَه اتّهامُ الناسِ له فيما كانَ يرويه مِن تفضيلِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وتقديمِه إيّاه على غيرِه، وهذه المناشدةُ التي وقعت موردُ اهتمامِ العلماء، وأخرجوها عن كثيرٍ منَ الصّحابةِ والتابعين، أفترى والحالةُ هذه معنىً معقولاً للمولى غيرَ ما نرتأيه وفهمَه هوَ (عليه السلام) ومَن شهدَ له منَ الصّحابةِ ومَن كتمَ الشهادةَ إخفاءً لفضلِه حتّى رُميَ ببلاءٍ فاضح؟! وإلّا فأيُّ شاهدٍ له في المنازعةِ بالخلافةِ في معنى الحبِّ والنصرةِ وهُما يعمّانِ سائرَ المُسلمين؟! نكتفي في المقامِ بهذا المقدارِ وفيه الكفايةُ إن شاءَ الله، ومَن رامَ التفصيلَ فليراجِع موسوعةَ الغديرِ للعلّامةِ الأميني، ودلائلُ الصّدقِ للشيخِ المُظفّر، وغيرُها.

الحاصلُ: إنّ لفظَ (المولى) موضوعٌ لمعنى (الأولى) وهوَ دالٌّ على الخلافةِ والإمامة، ولو تنزّلنا وقُلنا بأنّه مشتركٌ فإنّ هناكَ قرائنَ كثيرةً معيّنةً لإرادةِ معنى الأولويّةِ، ولو تنزّلنا فهناكَ شواهدُ كثيرةٌ تدلّ على أنّ الصّدرَ الأوّلَ والذي يليهِ إلى يومِنا مِن رجالاتِ اللغةِ والأدبِ فهموا منهُ معنى الخلافةِ، ومَن يقفُ على الأحداثِ التاريخيّةِ وكلماتِ الأدباءِ وأهلِ اللغةِ وغيرِها سيتبيّنُ له أنّ الحديثَ يدلّ بوضوحٍ على الخلافةِ والإمامة.