الرد على شبهة نقص التاريخ الهجري وتغيّرِ ليلةِ القدرِ وشهرِ الصيامِ ونحوِهما.

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمة الله، 

في بادئِ الأمرِ لا بدّ أن يعرفَ السّائلُ وبقيّةُ الأخوةِ المؤمنينَ أنّ المسلمينَ وإن افترقوا وانقسموا فرقاً كثيرةً وتنازعوا فيما بينَهم في أمورٍ كثيرةٍ كانَت ولـمّا تزل، لكنّهم معَ هذا الافتراقِ والتحزّبِ كانوا مُتّفقينَ على بعضِ الأمورِ بعنوانِها العامِّ كوجوبِ الصلاةِ ووجوبِ الصومِ والزكاةِ وحجِّ البيت ونحوِها، ومِن تلكَ الأمورِ التي اتّفقوا عليها هيَ الشهورُ الهجريّة، وذلكَ بداهةً أنّها كانَت معروفةً فيما بينَهم ويتسلّمُها جيلٌ مِن بعدِ جيلٍ منَ العلماءِ وغيرُهم بغيرِ نكيرٍ أو تردّدٍ خصوصاً مع تواجدِ إمامٍ معصومٍ مِن أئمّةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) في كلِّ فترةٍ مِن فتراتِ المسلمينَ التي تردُ على مسامعِه وبصرِه كثيرٌ منَ القضايا التي تهمُّ شأنَ المسلمينَ كصيامِ رمضان أو حجِّ البيتِ ونحوِ ذلك، فلو لم تكُن الأشهرُ القمريّةُ صحيحةً لنبّهَ على ذلكَ إمامُ ذلكَ الزمان، كما كانوا ينبّهونَ على الصغيرةِ والكبيرةِ التي هيَ مِن مُقتضياتِ الحياةِ اليوميّةِ لعامّةِ المُسلمين، وعبارةُ علمائنا في مثلِ هذهِ الأمورِ واضحةٌ، وهيَ: (لو كانَ لبان). فحينئذٍ: لمّا لم يكُن هناكَ زيادةٌ في الأشهرِ القمريّةِ ولا نقصٌ، علمنا بأنّ الأمورَ في الأشهرِ القمريّةِ والتاريخِ الهجريّ تسيرُ سيراً طبيعيّاً لا شكّ فيهِ ولا ريب.  

 

على أنّ كثيراً مِن أهلِ العلمِ ردّوا هذهِ الشبهةَ بعد أن بيّنوا مقصودَها ومفادَها، وهيَ إجمالاً تُؤيّدُ ما بينّاه آنفاً. 

 

فالآنَ لننظُر في الشبهةِ، والتي أسماها صاحبُها (كارثةُ التأريخِ الهجري)، إذ استنتجَ مِن خلالِها أنَّ ثلاثاً وأربعينَ (٤٣) سنةً من التأريخِ مفقودةٌ، وأنَّ معَ هذا الفقدِ اختلالٌ في ميزانِ الأشهرِ وما يرتبطُ بها مِن ممارساتٍ تعبديّةٍ موقوتة. 

 

إذ منَ المعلومِ والثابتِ أنَّ أساسَ الحسابِ في التاريخِ الميلادي هوَ حركةُ الشمس، وهيَ حركةٌ ثابتة، تقطعُ الشمسُ الفلكَ في سنةٍ كاملةٍ مقدارَ أيّامِها ٣٦٥ يوماً في السنةِ البسيطةِ و٣٦٦ يوماً في السنةِ الكبيسة، إذ تمكثُ في كلِّ بُرجٍ بحسبِ الفلكيّينَ شهراً كاملاً. 

 

أمّا التقويمُ الهجري، فمبدأ حسابِه حركةُ القمر. والقمرُ يقطعُ الفلكَ في شهرٍ واحدٍ مقدارُ أيّامِه تسعةٌ وعشرونَ ونصف، حيثُ يمكثُ في كلِّ برجٍ يومين ونصف تقريباً. 

 

فما اعتمدُه  صاحب الشبهة مِن معادلةٍ حسابيّةٍ كانَ على النحوِ التالي: 

 

الخطوةُ الأولى: طرحُ التاريخِ الهجري منَ الميلادي (٢٠١٦-١٤٣٧) فكانَ الناتجُ ٥٧٩ سنة. 

 

الخطوةُ الثانية: جمعُ الفارقِ مع السنواتِ الميلاديّة (٥٩٧+٢٠١٦) فكانَ الناتج ٢٥٩٥ (أي أنَّ ما يقابلُ السنةَ الهجريّة في معادلتِه هو سنة ٢٥٩٥ ميلادية. 

 

الخطوةُ الثالثة: طرحُ فارقِ التاريخينِ الهجري والميلادي وهو (٥٧٩) منَ السنةِ الميلاديّة المُقابلةِ للسّنةِ الأولى منَ الهجرة، وهيَ (٦٢٢) فكانَ الناتجُ ٤٣ سنة. 

 

الاستنتاجُ (بحسبِ المُتحدّث) أنَّ ثلاثاً وأربعين (٤٣) سنةً مفقودةً منَ التاريخِ الهجري.. 

 

والحالُ أنّنا لو حسبنا الفارقَ بينَ السنةِ الميلاديّةِ والهجريّة فسنجدُها أحدَ عشر (١١) يوماً تقريباً، وهوَ ما أشارَ إليه  صاحب الشبهة في حديثِه. فإذا ما ضربنا هذا الفارقَ في عددِ السنواتِ الهجريّةِ حتّى الآن (١٤٣٧)، فإنّ الناتجَ هو ١٥٨٠٧ أيام. وبقسمةِ الناتجِ على عددِ أيّامِ السنةِ الهجريّةِ وهو ٣٦٠ يوماً، فإنّ الناتجَ هوَ ثلاثةٌ وأربعونَ سنةً وتسعةَ أعشارِ السنةِ (١٥٨٠٧ / ٣٦٠ = ٤٣.٩ سنة). وهذا هو الفارقُ الطبيعيّ بينَ التاريخين والذي زعمَ  صاحب الشبهة أنّه سنواتٌ مفقودة. 

 

والذي أوقعَ  صاحب الشبهة فيما ذهبَ إليه أنّه افترضَ مُسبقاً أنَّ عددَ أيّامِ السنتينِ الشمسيّة والقمريّة متساويةٌ، وهيَ فرضيّةٌ باطلةٌ، ذلكَ بأنّ أيّامَ السنةِ الميلاديّة هو ٣٦٥ يوماً، في حينِ أنّ السنةَ القمريّة تحوي ٣٦٠ يوماً، وعليهِ فإنَّ الفارقَ بينَهما فارقٌ رقميٌّ طبيعي لا أيّاماً مفقودة. والحالُ أنّنا لو أجرينا المعادلةَ الحسابيّة بطرحِ السنواتِ الشمسيّة (الميلاديّة) منَ التقويمِ الفارسيّ، فسنجدُ أنَّ لا فرقَ في التاريخ، والسببُ هو اعتمادُ التقويمِ الفارسيّ (الهجري الشمسي) لا (الهجري القمري).

 

ولو كانَ  صاحب الشبهة قد ناقشَ بدايةَ السنةِ الهجريّة مِن أيّ شهرٍ تكون، لكانَ ذلكَ أجدى وأنفع، إذ إنّ السنةَ كانَت قبلَ الهجرةِ الشريفةِ وفقَ العُرفِ الجاهلي تبدأ في شهرِ مُحرّمٍ الحرام، في حينِ اعتُمدَ شهرُ ربيعٍ الأوّل أوّلُ أشهرِ السنةِ الهجريّة لكونِ هجرةِ الرسولِ عليهِ وآله أفضلُ الصلاةِ وأزكى السلام فيه، وإلى الهجرةِ نُسبَ التأريخ، إلّا أنَّ عُمرَ بنَ الخطّابِ في خلافتِه عدلَ عن ذلك، لاعتمادِ شهرِ مُحرّمٍ الحرام كأوّلِ شهرٍ في السنةِ الهجريّة كما كانَ سائداً لدى العربِ في الجاهليّة.

 

أمّا فيما يتعلّقُ بالنسيء، والذي استشهدَ فيهِ بالآيةِ الكريمة (النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُم سُوءُ أَعمَالِهِم وَاللَّهُ لاَ يَهدِي القَومَ الكَافِرِينَ) التوبة:٣٧، فإنّ الآيةَ الكريمةَ بإجماعِ المُفسّرينَ تُخبرُ بسلوكِ عربِ الجاهليّة في استحلالِهم للأشهرِ الحُرمِ في القتالِ والغزو وغيرِ ذلك، بالإضافةِ إلى تشريعِ تحريمٍ مِن عندِ أنفسِهم بإضافةِ شهرِ صفر للأشهرِ الحُرمِ بدلاً عن الشهرِ الذي يستحلّونه. ولذلكَ كانَ الوصفُ القرآنيّ (زيادةً في الكفر)، فبالإضافةِ إلى كفرِهم قاموا بتشريعِ تحريمٍ مِن عندِ أنفسِهم فازدادوا كفراً. وقد بيَّنت الآيةُ الكريمةُ علّةَ ذلكَ الفعلِ مِنهم بالقولِ (لِّيُوَاطِؤُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه) أي ليُحافظوا على عدّةِ الأشهرِ الحُرم وهيَ أربعةُ أشهر، فيتلاعبونَ في تحديدِ تلكَ الأشهر. ولا علاقةَ للنسيءِ بما ذهبَ إليهِ مِن طرحٍ افتراضيّ ليسَ له دعائمُ تاريخيّةٌ مُعتبرة. ولو كانَ النسيءُ كما ذكرَ  صاحب الشبهة، فلنا أن نتساءلَ بداهةً: لماذا اعتبرَه القرآنُ كُفراً؟! 

 

وختاماً نعودُ للتذكيرِ بما بينّاهُ آنفاً: إن كانَ الأمرُ كما يصفُ  صاحب الشبهة، أفلا تكونُ جميعُ العباداتِ الموقوتةِ التي أتى بها النبيُّ والأئمّةُ الأطهارُ والصّحابةُ الأبرارُ والفقهاءُ والعلماءُ وعامّةُ الناسِ مِن زمنِ الرسولِ الأكرمِ (ص) حتّى يومِنا هذا باطلةً ومُخالفةً لشرعِ اللهِ لعدمِ الإتيانِ بها في مواقيتِها الصّحيحة؟! وحاشى نبيّنا الكريمَ وآلهُ الطاهرينَ أن يُوصفوا بهذا الوصفِ الباطلِ مِن مُخالفةِ شرعِ اللهِ تعالى. 

 

يبدو أنّ  صاحب الشبهة بهذهِ الشبهةِ لم يكُن يُغرّدُ خارجَ السّربِ فحسب، بل كانَ يُغرّدُ خارجَ المنظومةِ الشمسيّةِ والقمريّة. ودمتُم سالمين.