لماذا رفعَ اللهُ تعالى النبوّةَ وجعلَ الإمامة؟ فهل وصلَت الإنسانيّةُ إلى مرحلةِ الاستغناءِ عن دورِ النبوّة؟

777ـ لماذا رفعَ اللهُ تعالى النبوّةَ وجعلَ الإمامة؟ فهل وصلَت الإنسانيّةُ إلى مرحلةِ الاستغناءِ عن دورِ النبوّة، فإذا كانَ كذلكَ فلِمَ الإمامة؟ وإذا كانَ الجوابُ بـ«لا» فلماذا رُفعَت النبوّةُ وأُبدلت بالإمامةِ مع أنّ النبوّةَ أكثرُ نفعاً منَ الإمامةِ؛ لأنّ الوحيَ محجوبٌ عن الإمامِ (صلواتُ اللهِ عليه)؟

: السيد عبدالهادي العلوي

 

السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاته، 

بدايةً ينبغي التنبيهُ على أنّ مُقتضى البراهينِ العقليّةِ والنقليّةِ ـ القرآنيّةِ والحديثيّة ـ هو ضرورةُ وجودِ الحُجّةِ الإلهيّةِ في الخلق، فلا يخلو الخلقُ ولا الأرضُ منَ الحُجّةِ في زمنٍ منَ الأزمنة، ففي كلِّ زمانٍ يجبُ أن تكونَ حُجّةُ اللهِ موجودةً، إمّا ظاهراً مشهوراً وإمّا غائباً مستوراً، وفي الروايةِ: « لولا الحجّةُ لساخَت الأرضُ بأهلِها »، والحجّةُ هي الواسطةُ بينَ الخلقِ والخالقِ، يبلّغُ لهم رسالةَ السّماءِ، ويهديهم نحوَ طريقِ الرشاد، وينذرُهم عن طريقِ الضلالِ، وإنّما الأنبياءُ والرّسلُ والأوصياءُ مصاديقُ للحُجّةِ الإلهيّة، ولكلِّ واحدٍ مِن هذهِ العناوين ـ أعني النبوّةَ والرسالةَ والوصاية ـ مقامٌ خاصٌّ يغايرُ المقامَ الآخرَ في خصوصيّاتِه وتكاليفِه وإن أمكنَ اجتماعهما في واحدٍ بأن يكونَ شخصٌ نبيّاً رسولاً وصيّاً.   

أمّا قولك (أنّ النبوّةَ أكثرُ نفعاً منَ الإمامةِ) يعترضهُ أنّ الإمامة منزلةٌ أرفع من النبوّة فهناك أنبياء مرسلونَ نالوا منزلة الإمامة، والدليلُ القرآنيّ في جعل إبراهيم (عليه السلام) إماماً بعد إعطائه منزلة النبوّة والرسالة والخلة دليلٌ على عظمةِ منزلةِ الإمامةِ عند الله عز وجل، فضلاً عن أنّ قياسَ الأئمّة من بعد رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم بسائرِ الأنبياء والأوصياء باستثناء خاتمهم أمرٌ منهيٌّ عنهُ بتصريحهم: 

 رسول الله (صلى الله عليه وآله): نحن أهلُ بيتٍ لا يقاسُ بنا أحد. 

الإمام الرضا (عليه السلام): بنا فتحَ الله الدين، وبنا يختمه.  

 الإمام الهادي (عليه السلام) - في الزيارة الجامعةِ التي يزارُ بها الأئمةُ (عليهم السلام) -: بكم فتح الله، وبكم يختم.  

 المصدر: أهل البيت في الكتاب والسنة - محمد الريشهري – الصفحة١٦٨ 

 

ثمّ إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى شاءَ أن يختمَ منصبَ النبوّةِ والرسالةِ بإرسالِ خاتمِ الأنبياءِ محمّدٍ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، قالَ اللهُ تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُم وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا}[الأحزاب: 40]، وجعلَ رسالتَه السماويّةَ هيَ خاتمة الرسالاتِ والشرائعِ وأكملها وأتمّها، فأوصدَ بابَ النبوّةِ والرسالةِ بهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فهو خاتمُ الأنبياء والمرسلين كما أنّهُ صلى الله عليهِ وآله وسلم إمامُ الأئمّة.   

ومنَ الواضحِ أنّ إغلاقَ بابَ النبوّةِ والرسالةِ لا يعني إغلاقَ بابِ الوصايةِ والإمامة؛ إذ أنّ الإمامةَ منصبٌ إلهيٌّ مُغايرٌ بطبيعتِه لمنصبيّ النبوّةِ والرسالة، وهذا ليسَ استبدالاً للنبوّةِ بالإمامة؛ إذ الإمامةُ والوصايةُ كانَت مِن قبل، فإنّ الوصايةَ مُمتدّةٌ مِن لدنِ النبيّ شيث بنِ آدم (عليهما السلام) إلى نبيّنا خاتمِ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ثمَّ إلى أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السلام) إلى خاتمِ الأوصياءِ الحُجّةِ ابنِ الحسنِ المهديّ (عجّلَ اللهُ فرجَه)، فالوصايةُ كانَت موجودةً مِن قبلُ، ولم تحدُث فجأةً برحيلِ خاتمِ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) حتّى يُقالَ بأنّ النبوّةَ استُبدلَت بالإمامةِ، وإنّما خُتمَ بابُ النبوّةِ بإرسالِ خاتمِ الأنبياءِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) الذي جاءَ بأكملِ الشرائعِ وأتمِّها وأكثرِها شمولاً، فهيَ شريعةٌ عالميّةٌ لها قابليّةُ الانبساطِ على كلِّ بقاعِ الأرض، كما لها صلاحيّةُ الاستمراريّةِ إلى يومِ القيامة، ولهذا خُتمَت النبوّة.    

ثمّ إنّ الخاتميّةَ نفسَها تقتضي ضرورةَ استمراريّةِ منصبِ الوصايةِ والإمامةِ إلى يومِ القيامة؛ باعتبارِ أنّ النبوّةَ والرّسالةَ خُتمَت، فلن يأتي نبيٌّ ولا رسولٌ ليقومَ بدورِ حفظِ الدّينِ وهدايةِ النّاس، فلابدَّ مِن وجودِ إمامٍ يكونُ هوَ المرجعَ في الشّؤونِ الدّينيّةِ والعلميّةِ، في العقيدةِ والأحكامِ والتّفسيرِ ونحوِها، فالإمامُ هوَ الذي ترجعُ إليهِ الأمّةُ للحصولِ على التّفسيرِ الصّحيحِ والبتِّ في حالاتِ الاختلافِ بينَ الأمّةِ وكشفِ الغثِّ منَ السّمينِ وتمييزِ الحقِّ منَ الباطلِ، فإذا لم يكُن هناكَ إمامٌ يخلفُ الخاتمَ (صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ) سيتعرّضُ الدّينُ إلى التّحريفِ حتّى لا يبقى منهُ شيءٌ، وهذا يعني أنّ أصلَ الخاتميّةِ يقتضي ضرورةَ وجودِ الإمامِ المعصومِ ليكونَ حافِظاً للدّينِ عَن تأويلِ الجاهلينَ وانتحالِ المُبطلينَ وتزييفِ المُضلّينَ، وقد وردَ بهذا المعنى أخبارٌ كثيرةٌ.  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.