إذا كان الائمة يعلمونَ الشيءَ قبلَ أن يحدثَ فلماذا يحتاجونَ أن يُوحى لهُم جوابُ هذا الشّيء ؟  

421 - جاءَ في الرواياتِ الصحيحةِ أنَّ أميرَ المؤمنين عليهِ السّلام يقولُ سلوني قبلَ أن تفقدوني فواللهِ لا تسألوني عن شيءٍ يكونُ إلى يومِ القيامةِ إلّا حدّثتُكم به.    وأميرُ المؤمنينَ وارثُ علمِ رسولِ اللهِ وهكذا يورثونَ علومَهم للإمامِ الذي بعدَه.   فقلتُ: إذا كانوا يعلمونَ هذهِ العلومَ فلماذا يحتاجونَ أن يُوحى إليهم كما جاءَ في الرواياتِ الصحيحةِ ويقولونَ لو لم نزدَد لنفدنا؟   وهناكَ رواياتٌ أنّه يُوحى لهُم إذا طُرحَ عليهم شيءٌ جديدٌ لا يعلمونَ جوابَه فيُعرضُ هذا الجوابُ على رسولِ اللهِ ثمَّ إلى أميرِ المؤمنينَ وهكذا حتّى يصلَ الجوابُ إلى إمامِ الزمان.   فسؤالي بالمُختصرِ أنّه إذا كانوا يعلمونَ الشيءَ قبلَ أن يحدثَ فلماذا يحتاجونَ أن يُوحى لهُم جوابُ هذا الشّيء ؟  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنَّ علومَ أهلِ البيتِ (ع) على أنحاء:   

فما يرتبطُ بالحلالِ والحرام فيعلمونَ به ويحيطونَ بجميعِ مسائلِ الشريعة، ولا يخفى عليهم شيءٌ منها حتّى أرشَ الخدش.  

وكذلكَ العلمُ بتفسيرِ القرآنِ الكريمِ، وتأويلِه، وغيرِها منَ الأمور.  

وأمّا ما يرتبطُ بالحوادثِ الواقعةِ الماضيةِ فهُم يعلمونَ بهِ أيضاً، لوقوعِها وتحقّقِها.  

وأمّا ما يرتبطُ بالحوادثِ المُستقبليّة، أو ما يعبّرُ عنهُ بالتكوينيّات، فالقضاءُ الإلهيُّ بالنسبةِ إليه على ثلاثةِ أقسام:  

القسمُ الأوّل: القضاءُ الذي لم يُطلِع اللهُ عليهِ أحداً مِن خلقِه، حتّى نبيّنا وأئمّتَنا (صلواتُ اللهِ عليهم)، وهذا يُسمّى بالعلمِ المكنونِ المَخزون، الذي استأثرَ بهِ اللهُ لنفسِه، ويسمّى باللوحِ المحفوظِ، و أمِّ الكتاب.  

وهذا ما تدلُّ عليهِ رواياتٌ كثيرة:   

مِنها: ما رواهُ الكُليني عن عدّةٍ مِن أصحابِنا، عن أحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ عيسى، عن ابنِ أبي عُمير، عن جعفرٍ ابنِ عثمان، عن سماعةَ، عن أبي بصيرٍ، ووهيبٍ بنِ حفص، عن أبي بصيرٍ، عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام قالَ: إنَّ للهِ علمين: علمٌ مكنونٌ مخزون، لا يعلمُه إلّا هوَ، مِن ذلكَ يكونُ البداء، وعلمٌ علّمَه ملائكتَه ورسلَه وأنبياءَه فنحنُ نعلمُه. (الكافي للكُليني: 1 / 147).  وإسنادهُ مُعتبرٌ.  

وبمضمونِها رواياتٌ عديدةٌ. (لاحِظ بصائرَ الدرجاتِ للصفّار، ص129، باب 21).  

ومنها: رواياتُ أنّ الاسمَ الأعظمَ اثنانِ وسبعونَ جُزءاً، واحدةً لا يعلمُها إلّا الله:   

روى الكُليني بسندِه عن جابرٍ، عن أبي جعفرٍ عليهِ السّلام قالَ: إنَّ اسمَ اللهِ الأعظم على ثلاثةٍ وسبعينَ حرفاً، وإنّما كانَ عندَ آصف منها حرفٌ واحد، فتكلّمَ بهِ فخُسفَ بالأرضِ ما بينَه وبينَ سريرِ بلقيس حتّى تناولَ السريرَ بيدِه ثمَّ عادَت الأرضُ كما كانَت أسرعَ مِن طرفةِ عين، ونحنُ عندَنا منَ الاسمِ الأعظمِ اثنانِ وسبعونَ حرفاً، وحرفٌ واحدٌ عندَ اللهِ تعالى استأثرَ به في علمِ الغيبِ عندَه، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ العليّ العظيم. (الكافي للكُليني: 1 / 230).

 ومن رواية طويلة يرويها سدير عن الإمام الصادق، قال: أفمن عندهُ علمُ الكتابِ كله أفهم أم من عندهُ علمُ الكتاب بعضه؟ قلت: لا، بل من عندهُ علم الكتاب كله، قال: فأومأ بيده إلى صدره وقال: علمُ الكتابِ واللهِ كلهُ عندنا، علمُ الكتاب واللهِ كلهُ عندنا.

(الكافي للكليني:275/1)

وبمضمونِها رواياتٌ كثيرةٌ جدّاً، ولا يبعدُ تواترُها، وهيَ بمجموعِها مقطوعةُ الصدورِ عنهم. (لاحِظ بصائرَ الدرجاتِ للصفّار، ص228، باب 12).   

  

القسمُ الثاني: القضاءُ الذي أخبرَ نبيَّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وملائكتَه بأنّه سيقعُ على نحوِ الحتم.   

روى الكُلينيّ عن محمّدٍ بنِ إسماعيل، عن الفضلِ بنِ شاذان، عن حمّادَ بنِ عيسى، عن ربعي بنِ عبدِ الله، عن الفُضيلِ بنِ يسار قال: سمعتُ أبا جعفرٍ عليهِ السّلام يقول: العلمُ علمان: فعلمٌ عندَ اللهِ مخزونٌ لم يُطلِع عليهِ أحداً مِن خلقه، وعلمٌ علّمَه ملائكتَه ورسلَه، فما علّمَه ملائكتَه ورسلَه فإنّهُ سيكونُ، لا يكذّبُ نفسَه ولا ملائكتَه ولا رسلَه، وعلمٌ عندَه مخزونٌ يُقدّمُ منهُ ما يشاء، ويؤخّرُ منهُ ما يشاء، ويثبتُ ما يشاء. (الكافي للكُليني: 1 / 147).  

فقسمٌ مِن علومِهم منَ القضاءِ المحتوم، وقد أطلعَ اللهُ نبيَّه وأهلَ بيتِه على بعضِ قضائِه المحتوم.   

  

القسمُ الثالث: القضاءُ الذي أخبرَ نبيَّه (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وملائكتَه بوقوعِه في الخارجِ على نحوِ التعليقِ، لا على نحوِ الحتم.   

وهذا النحو منَ العلمِ يقعُ فيه البداءُ والتغييرُ والتبديلُ، وهذا العلمُ مُتعلّقٌ بلوحِ المحوِ والإثبات، روى الحميريّ عن أحمدَ الأشعري، عن البزنطي، عن الإمامِ الرّضا عليهِ السّلام قالَ: قالَ أبو عبدِ اللهِ وأبو جعفرٍ وعليٌّ بنُ الحسين والحسينُ بنُ علي والحسنُ بنُ علي وعليٌّ بنُ أبي طالب عليهم السّلام: واللهِ لولا آيةٌ في كتابِ اللهِ لحدّثناكم بما يكونُ إلى أن تقومَ الساعةُ : { يمحو اللهُ ما يشاءُ ويثبتُ وعندَه أمّ الكتاب.}. (قربُ الإسنادِ للحميري، ص353).  

وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وبمضمونِه رواياتٌ كثيرة.  

وروى الكلينيُّ بسندِه عن أبي عبدِ اللهِ عليهِ السّلام قالَ: إنَّ اللهَ عزَّ وجل أخبرَ محمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآله بما كانَ منذُ كانَت الدّنيا، وبما يكونُ إلى انقضاءِ

الدّنيا، وأخبرَه بالمحتومِ مِن ذلكَ، واستثنى عليهِ فيما سواه. (الكافي للكُليني: 1 / 148).  

فإنّه تعالى: {يَمحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتابِ} [الرّعد: ٣٩] وقالَ تعالى: {وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ غُلَّت أَيديهِم وَلُعِنوا بِما قالوا بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ } [المائدةُ: ٦٤]، وقالَ تعالى: {يَسأَلُهُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ كُلَّ يَومٍ هُوَ في شَأنٍ} [الرّحمن: ٢٩]، وقالَ تعالى: {وَالسَّماءَ بَنَيناها بِأَيدٍ وَإِنّا لَموسِعونَ} [الذاريات: ٤٧].

وقالَ تعالى: {الحَمدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأَرضِ جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلًا أُولي أَجنِحَةٍ مَثنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزيدُ فِي الخَلقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ} [فاطِر: ١]. وقولُه تعالى: {وَلا تَقولَنَّ لِشَيءٍ إِنّي فاعِلٌ ذلِكَ غَدً، إِلّا أَن يَشاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣-٢٤]  

  

وعليهِ: بما أنّ بعضَ علمِ المعصومِ بالحوادثِ التكوينيّةِ تعليقيّةٌ وقابلةٌ للبداءِ (يعني: قابلٌ للتغييرِ والتبديل)، لذا يحتاجونَ إلى علومٍ جديدةٍ حادثة، يُفاضُ عليهم ليلاً ونهاراً، وهوَ العلمُ بالمحتومِ مِن تلكَ الحوادثِ المُعلّقة، فما يُحتّمُه اللهُ منَ القضايا لتلكَ الحوادثِ التي كانَت مُعلّقةً (تحتيمُ المُعلّق)، يُطلعُ اللهُ الأئمّةَ عليها ليلاً ونهاراً أو آناً فآن.   

  

لاحِظ كتابَ: علمِ المعصومِ بينَ الحتمِ والتعليقِ للشيخِ باسِم الحلّي، ص211 و 383 و 427.  

وفيما يتعلّقُ بأصلِ التقسيمِ إلى ثلاثةِ أقسام لاحِظ كتابَ: المُحاضراتِ للسيّدِ الخوئي: 5 / 331، بحثُ البداء.  

  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.