هل أنَّ السيّدةَ زينبَ والسيّدةَ أمُّ كلثوم ابنتي أميرِ المؤمنينَ (ع) هُما شخصيّةٌ واحدة؟  

قالَ العلّامةُ السيّدُ مُحسنٌ الأمينُ العاملي في (أعيانِ الشيعةِ : محسنٌ الأمين : ج ٧ ، ص ١٣٦.)  يوجدُ في قريةٍ تسمّى « راوية » على نحوِ فرسخٍ مِن دمشقَ إلى جهةِ الشرقِ قبرٌ ومشهدٌ يُسمّى : « قبرُ الستِّ » ، ووُجدَ على هذا القبرِ صخرةٌ رأيتُها وقرأتُها كُتبَ عليها : هذا قبرُ السيّدةِ زينب المكنّاةِ بأُمِّ كلثوم بنتِ سيّدنا عليٍّ ـ رضيَ اللهُ عنه ـ ، وليسَ فيها تاريخٌ وصورةٌ خطّها تدلُّ على أنّها كُتبَت بعدَ الستمائةِ منَ الهجرة »   فهل هذا يعني أنَّ السيّدةَ زينبَ والسيّدةَ أمُّ كلثوم هُما شخصيّةٌ واحدة؟  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

الرواياتُ متواترةٌ على تعدّدِ شخصيّةِ زينب وأمِّ كلثوم ابنتي أميرِ المؤمنينَ وفاطمةَ الزّهراءِ (عليهما السّلام)، وهوَ المشهورُ بينَ المؤرّخين.  

وما تفضّلتم بهِ مِن نقلِ السيّدِ الأمينِ الكتابةَ على صخرةٍ على قبرِها، فلا يدلُّ بالضرورةِ على الوحدةِ، فإنّه قد يُقال: بأنّ المدفونةَ في الشامِ هيَ أمُّ كلثومٍ بنتُ أميرِ المؤمنينَ (ع) وفاطمةَ الزهراءِ (ع)، والتي تزوّجَها الخليفةُ الثاني غصباً.  

قد تقولُ: وهل ثبتَ أنَّ أمَّ كلثومٍ اسمُها زينب؟   

نقولُ: ذهبَ بعضُ العلماءِ إلى أنّ اسمَها زينبُ الصّغرى، وكُنيتُها أمّ كلثوم، وهيَ غيرُ زينبَ الكُبرى زوجةُ عبدِ اللهِ بنِ جعفر.   

قالَ الشيخُ المُفيد: فأولادُ أميرِ المؤمنينَ (ع) سبعةٌ وعشرونَ ولداً ذكراً وأنثى، 1- الحسنُ، 2- الحُسينُ، 3- زينبُ الكُبرى، 4- زينبُ الصّغرى المُكنّاةُ بأمِّ كلثوم، أمُّهم فاطمةُ البتول سيّدةُ نساءِ العالمينَ بنتُ سيّدِ المُرسلينَ وخاتمُ النبيّينَ محمّدٍ النبي (ص). (الإرشادُ للمُفيد: 1 / 354).  

وقالَ الشيخُ المامقانيُّ: أمّ كلثومٍ بنتُ أميرِ المؤمنينَ هذهِ كُنيةٌ لزينبَ الصّغرى، وقد كانَت معَ أخيها الحُسينِ بكربلاء، وكانَت معَ السجّادِ إلى الشام، ثمَّ إلى المدينة، وهيَ جليلةُ القدِر، فهيمةٌ بليغة، وخطبتُها في مجلسِ ابنِ زيادٍ بالكوفةِ معروفةٌ، وفي الكتبُ مسطورة، وإنّي أعتبرُها منَ الثقات.  

والمشهورُ بينَ الأصحابِ أنّه تزوّجَها عمرُ بنُ الخطّابِ غصباً، كما أصرّ السيّدُ المُرتضى وصممَّ عليهِ في رسالةٍ عملَها في هذهِ المسألةِ، وهوَ الأصحُّ، للأخبارِ المُستفيضة. (تنقيحُ المقال: 3 / 73).  

ونُقلَ عن الدميري: أعظمُ صداقٍ بلغنا خبرَه صداقُ عُمرَ لمّا تزوّجَ زينبَ بنتَ عليٍّ، فإنّه أصدقَها أربعينَ ألفَ دينار. (التراتيبُ الإداريّةُ للكتّاني: 2 / 405، عن المُختارِ الكنتي في الأجوبةِ المُهمّة).  

ومنَ المعلومِ أنَّ الذي تزوّجَها عمرُ ليسَت زينبَ الكُبرى زوجةَ عبدِ اللهِ بنِ جعفر، وإنّما هيَ أمُّ كلثوم، وهذا النصُّ يدلُّ أنَّ اسمَ أمِّ كلثوم زينب.  

  

قد يُقالُ: إنَّ أمَّ كلثومٍ توفّيَت قبلَ أحداثِ كربلاء، فكيفَ يقالُ بأنّها بقيَت إلى ما بعدَ كربلاء، وهاجرَت إلى دمشقَ، وتوفّيَت هناك؟  

نقولُ: وفاتُها قبلَ أحداثِ كربلاء قولٌ في المسألةِ، وهناكَ أقوالٌ أخرى مفادُ بعضِها تأخّرُ وفاتِها إلى زمنِ عبدِ الملكِ بنِ مروان، الذي دسَّ السمَّ لها ولابنِها زيد ! ( المُصنّفُ لعبدِ الرزّاقِ الصنعاني: 6 / 164 رقمُ 10354).  

والمشهورُ في كُتبِنا التاريخيّةِ والمقاتلِ وجودُ أمِّ كلثوم في قافلةِ السبي، قد يقالُ: أنَّ أمَّ كلثوم مُنصرفٌ إلى ابنةِ عليٍّ وفاطمة (ع).  

  

ونحنُ لا نتبنّى مبدئيّاً شيئاً مِن ذلك، ولكن الذي نقولهُ أنّه لا إجماعَ على تقدّمِ وفاتِها على أحداثِ كربلاء.  

  

قد يقالُ: أنّ زينبَ الكُبرى أيضاً تُكنّى بأمِّ كلثوم ! (نزهةُ أهلِ الحرمينِ في عمارةِ المشهدين، للسيّدِ حسن الصدر، ص72).  

وقد يقالُ: أنّ الكتابةَ تنصُّ على أنّها زينبُ (ع)، ولكن كونُ كُنيتِها أمُّ كلثوم، فهذا مِن اجتهادِ الكاتبِ، إذ ظنّها أنّ كُنيتَها أمُّ كلثوم!  

  

وبناءً على ذلكَ: فلا تدلُّ الكتابةُ التي نقلَها السيّدُ الأمينُ – في ظلِّ هذه الاحتمالاتِ - على أنَّ زينبَ وأمّ كلثوم شخصيّةٌ واحدةٌ.  

والرواياتُ الكثيرةُ وأقوالُ المؤرّخينَ دالّةٌ على تعدّدِ شخصيّةِ زينبَ وأمِّ كلثوم ابنتي أميرِ المؤمنينَ وفاطمة الزّهراء (ع).  

ونحنُ لا نتبنّى القولَ بأنّ المدفونةَ في الشامِ هيَ أمُّ كلثوم وأنّها زينبُ الصّغرى، ولا نتبنّى القولَ بأنّ زينبَ الكُبرى تُكنّى بأمِّ كلثوم.  

ونذهبُ إلى ما يذهبُ إليه المشهورُ مِن عُلمائِنا، وكثيرٌ مِن علماءِ العامّةِ أنَّ المدفونةَ في الشامِ هيَ زينبُ الكُبرى بنتُ أميرِ المؤمنينَ وفاطمةُ الزّهراءِ (صلواتُ اللهِ عليهم جميعاً)، وزوجةُ السيّدِ عبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ الطيّار.  

ولتحقيقِ هذهِ المسألةِ نحيلُكم إلى كتابِ مرقدِ العقيلةِ زينب للمُحقّقِ الشيخِ محمّد حسنين السّابقي.  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.