الشيعة يزورون القبور ويقبلونها !!

هل حديثُ أبي أيّوبٍ الأنصاريّ (ره) في مُسندِ أحمد، وتقبيله قبرَ النبيّ (صلّى اللهُ عليه ِوآله) صحيح؟  

: السيد رعد المرسومي

السلامُ عليكُم ورحمة الله،  

هذا الحديثُ أخرجَه أحمدُ بنُ حنبلٍ في (مُسنده) في (5/422)، إذ قالَ: حدّثنا عبدُ الملكِ بنُ عمرو، حدّثنا كثيرٌ بنُ زيد، عن داودَ بنِ أبي صالح، قالَ: أقبلَ مروانُ يوماً فوجدَ رجلاً واضعًا وجهَه على القبر، فقالَ: أتدري ما تصنع؟ فأقبلَ عليه فإذا هوَ أبو أيّوب، فقالَ: نعَم، جئتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ولم آتِ الحجرَ، سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ يقول: «لا تبكوا على الدينِ إذا وليَهُ أهله، ولكن ابكوا عليهِ إذا وليَه غيرُ أهله».  

وأخرجَه أيضاً الحاكمُ في كتابِه ((المُستدرَكُ على الصّحيحين)) في (ج4/ص560)، رقمُ الحديثِ (8571): وصحَّحهُ ووافقَه الذهبيّ في التلخيص.  

قلتُ: وحسّنَ إسنادَه الشيخُ محمّد بنُ يوسف الصالحيّ الشاميّ في كتابِه ((سُبلُ الهُدى والرّشاد، في سيرةِ خيرِ العباد))، (ج12/ص398).  

وكذلكَ حسّنَ إسنادَه الشيخُ عليٌّ بنُ عبدِ اللهِ بنِ أحمد الحسنيّ السمهوديّ في كتابِه ((خلاصةُ الوفا بأخبارِ دارِ المُصطفى)) في (1/ص457).  

ثُمَّ إنّ لهذا الحديثِ طريقاً آخر، أخرجَه ابنُ عساكرَ الشافعيّ في ((تاريخِ دمشق)) في (ج57/ص 250) بإسنادِه إلى ابنِ أبي خيثمة قالَ: حدّثنا إبراهيمُ بنُ المُنذر، قالَ: حدّثنا سفيانُ بنُ حمزة، عَن كثيرٍ -يعني ابنَ زيد- عن المُطّلب، قالَ: جاءَ أبو أيّوبُ الأنصاريّ يريدُ أن يُسلّمَ على رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله فجاءَ مروانُ وهو كذلكَ فأخذَ برقبتِه، فقالَ: هل تدري ما تصنَع؟ فقالَ: قد دريتُ أنّي لم آتِ الخدرَ ولا الحجر- ولكنّي جئتُ رسولَ الله، سمعتُ رسولَ اللهِ عليهِ السّلام يقول: «لا تبكوا على الدينِ ما وليَه أهله، ولكن ابكوا على الدينِ إذا وليَه غيرُ أهله».  

ورواهُ الطبرانيّ من طريقِ المُطّلبِ بنِ عبدِ الله بن حنطب في ((المُعجمِ الكبير)) في (ج4/ص189)، رقمُ الحديثِ (3999)، إذ قال: حدّثنا أحمدُ بنُ رشدين المصريّ، ثنا سفيانُ بنُ بشير، ثنا حاتمُ بنُ إسماعيل، عن كثيرٍ بنِ زيد، عن المُطّلبِ بنِ عبدِ الله قالَ: جاءَ أبو أيّوب الأنصاريّ ...إلخ الخبر.  

قلتُ: وإسنادُ الطبرانيّ وإن كانَ ضعيفاً من جهةِ شيخِه أحمد بنِ رشدين، لكنَّ طريقَ ابنِ عساكر الشافعيّ إلى ابنِ أبي خيثمةَ يُعدُّ متابعةً لهُ لا بأسَ بها، إذ إنّ رجالَ الإسنادِ لا إشكالَ فيهم، فسفيانُ بنُ حمزةَ صدوقٌ، وكذلكَ كثيرٌ بنُ زيدٍ صدوقٌ، والكلامُ الذي فيهِ لا يُنزلُ حديثَه عَن مرتبةِ الحسن، والمطّلبُ بنُ عبدِالله بنِ حنطب صدوقٌ أيضاً، فراجِع ترجمتَهم في كتابِ ((تقريبُ تهذيبِ التهذيب)) لابنِ حجرٍ العسقلانيّ.  

وعليهِ: فهذان طريقان إلى الصحابيّ أبي أيّوب الأنصاريّ يُقوّي بعضُهما بعضاً، وبهما يصحُّ الخبرُ كما هوَ مُقرّرٌ في علمِ الحديث.   

ثُمَّ إنّ في هذا الخبرِ فوائدَ مِن جهةِ إسنادِه ومِن جهةِ متنِه: فأمّا مِن جهةِ إسنادِه فوجودُ الخبرِ في مُسندِ أحمَد يجعله منَ الأخبارِ المشهورةِ والمعروفةِ بينَ أهلِ العلم، ولذا أدخلَه أحمدُ بنُ حنبل في مُسندِه، بناءً على شرطِه المعروفِ الذي بيّنَه أصحابُ أحمد كابنِ الجوزيّ في كتابِه ((صيدُ الخاطر)) وابنُ قيمٍ الجوزيّة في كتابِه ((الفروسيّة)). قلـتُ: ولعلّه مِن أجلِ ذلكَ أفتى أحمدُ بنُ حنبل بجوازِ التبرّكِ وتقبيلِ قبرِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، إذ وردَ في كتابِ ((العللِ ومعرفةِ الرّجال)) لأحمدَ بنِ حنبل، رقمُ السّؤالِ (3243)، أنّ عبدَ اللهِ سألَ أباهُ أحمدَ بنَ حنبل عن الرجلِ يمسُّ منبرَ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، ويتبرّكُ بمسِّه ويقبّله ويفعلُ بالقبرِ مثلَ ذلكَ أو نحوَ هذا يريدُ بذلكَ التقرّبَ إلى اللهِ عزَّ وجلّ ؟ فقالَ أحمد: لا بأسَ بذلك.  

وأمّا مِن جهةِ متنِه، فنصُّ الحديثِ فيه تنبيهٌ خطيرٌ لِـمَن يلي أمورَ المُسلمين، إذ تصبحُ أمورُ المُسلمينَ جيّدةً ودينُهم لا يُخافُ عليهِ ما دامَ السلطانُ الذي يلي أمورَهم مُستحقّاً لمنصبِه ومِن أهله، وإلّا فليبكوا على دينِهم إذا وليَهم مَن ليسَ أهلاً للمنصبِ والولاية. وهذا الحديثُ مُؤيّدٌ بشواهدَ كثيرةٍ منَ الواقعِ الإسلاميّ قديماً وحديثاً.

فإذا عرفتَ ما تقدّم، تعرفُ أنّ الشيخَ الألبانيّ لم يكُن مُصيباً لـمّا ضعّفَ هذا الحديثَ في كتابِه ((سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفة)) (1/552)، رقمُ الحديثِ (373)، إذ مَن يُدقّقُ في كلامِه سَيَبِينُ له أنّ الألبانيّ لم يكُن قد حرّرَ هذهِ المسألةَ طبقاً لـما تقتضيهِ الدراسةُ والتحقيقُ في مثلِ هذهِ المسائلِ الخطيرة، فضلاً عَن عدمِ معرفتِه لرجالِ بعضِ الإسناد، وكذلكَ قد غابَ عنهُ طريقُ ابنِ أبي خيثمة الذي يعدُّ متابعةً جيّدةً لطريقِ الطبرانيّ، فلذا تراهُ في هذا الموضعِ قد خبطَ خبطَ عشواء، فطفقَ يطلقُ الاحتمالاتِ مِن هُنا وهناك على طرقِ الحديثِ لأجلِ تضعيفِه وردِّه بكلِّ وسيلةٍ، مُدّعياً أنّ بعضَ الرواةِ ربّما وهمَ حينَ جعلَ الرّاوي عن أبي أيّوب الأنصاريّ في الإسنادِ هو المُطّلبُ بنُ عبدِ الله بنِ حنطب، وليسَ  داود بن أبي صالح كما في روايةِ أحمد، ولم يُبيّن لنا مِن أينَ جاءَ بهذا الاحتمالِ الواهي وما هوَ مُستندُه، هذا فضلاً عَن عدمِ معرفتِه بفتوى أحمد في مسألةِ جوازِ التبرّكِ وتقبيلِ قبرِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فلذا تراهُ يحشدُ الكلماتِ لمُجرّدِ ردِّ الروايةِ وعدمِ قبولِها، وذلكَ لأنّهُ يُعدُّ واحداً مِن رؤوسِ الوهابيّةِ الذينَ لا يُجوّزونَ التبرّكَ وتقبيلَ قبرِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، كما هوَ معروفٌ بينَ أهلِ العلم، وهكذا الحالُ فيمَن قلّدَ الألبانيّ منَ المُعاصرينَ كشعيبٍ الأرنؤوط وتلاميذِه لـمّا ضعّفوا هذا الخبرَ، إذ جميعُهم قد زلَّت بهم أقدامُهم في هذهِ المسألةِ التي خالفوا فيها جماهيرَ أهلِ العلمِ مِن جميعِ الفرقِ الإسلاميّة. ودمتُم سالمين.