هل الاسلام هو منشأ الارهاب والعنف؟

يعتقدُ البعضُ بوجودِ مناشئ للعُنفِ والإرهابِ في تراثِ المُسلمين، وسؤالي مِن شقّين: الأوّلُ: هل هذهِ الدّعوة صحيحةٌ ، فهل في الكتابِ أو السنّةِ مثلُ هذهِ المناشئ، والثاني: هل هناكَ مثلُ هذهِ المناشئ في تاريخِ المُسلمين؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

لابدَّ أن نُفرّقَ بينَ الإسلامِ الذي تُعبّرُ عنهُ النّصوصُ الواردةُ منَ المُشرّعِ وهيَ القرآنُ والسنّة، وبينَ الإسلامِ كفهمٍ ومُمارسةٍ مِن خلالِ التجربةِ التاريخيّةِ للمُسلمين، فعلى مُستوى النصوصِ الدينيّةِ لا وجودَ لأيّ منشأٍ للإرهابِ والعُنف، وتفسيرُ الجهادِ في الإسلامِ بالعُنفِ والإرهابِ تفسيرٌ خاطئٌ لا يمكنُ تبريرُه، فإذا رجَعنا لمُصطلحِ العُنفِ والإرهابِ لوجدناهُ وسيلةً يستعينُ بها البعضُ في صراعاتِهم معَ مَن يختلفونَ معَهم إيدلوجيّاً أو مصلحيّاً، والإسلامُ لا يجيزُ الجهادَ بسببِ الاختلافِ العقائديّ أو الفكري، قالَ تعالى: (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَبِّكُم ۖ فَمَن شَاءَ فَليُؤمِن وَمَن شَاءَ فَليَكفُر)، وقالَ تعالى: (أنلزمكموها وأنتُم لها كارهون)، فالإسلامُ لا يلزمُ مَن خالفَه بعقائدِه وأفكارِه، وإنّما جعلَهم أحراراً مَن شاءَ منهم أن يؤمنَ ومَن شاءَ منهُم أن يكفُر.  

وكذلكَ الحالُ حيثُ لم يُجِز الإسلامُ الجهادَ بسببِ مُصادرةِ مكاسبِ ومصالح الآخرين، فمعَ أنَّ طبيعةَ الحروبِ التي وقعَت بينَ البشرِ قامَت في مُعظمِها بسببِ المطامعِ والبحثِ عن المصالحِ، إلّا أنَّ الإسلامَ لا يجيزُها على هذا النحو، بل حرّمَ حتّى التعدّي على حقوقِ الحيواناتِ والحشراتِ طالما لم يكُن في وجودِها ضررٌ فعليٌّ على الإنسانِ، يقولُ الإمامُ علي (عليهِ السّلام): (واللهِ لو أعطيتُ الأقاليمَ السبعةَ بما تحتَ أفلاكِها على أن أعصيَ اللهَ في نملةٍ أسلبُها جُلبَ شعيرةٍ ما فعلت) فلو كانَ الإمامُ علي يعتبرُ التعدّي على قوتِ النملةِ معصيةً فكيفَ يجيزُ الإسلامُ التعدّي على حقوقِ البشرِ الآخرين؟   

ولذا حرّمَ الإسلامُ الظُلمَ والتعدّي أيّاً كانَ نوعُه وعلى أيّ طرفٍ كان، ودعاءُ المؤمنينَ بالدخولِ في سلامٍ دائمٍ معَ الآخرينَ، قالَ تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا ٱدخُلُوا فِى ٱلسِّلمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُم عَدُوٌّ مُّبِينٌ)، فالعنفُ والإرهابُ والتعدّي على الآخرينَ مِن عملِ الشيطانِ بوصفِ هذهِ الآية؛ لأنّهُ يقعُ في قبالِ الدخولِ في السّلم، وبذلكَ يمكنُنا أن نؤكّدَ بأنَّ الأصلَ في الإسلامِ هوَ السّلام، والشعارُ الذي أرساهُ بينَ الجميعِ هو السّلام، أمّا الجهادُ فهوَ أمرٌ عارضٌ لا يُلجأ إليهِ إلّا في حالاتٍ خاصّة، وقد حدّدَ القرآنُ ضوابطَ دقيقةً للحروبِ ولم يجعَلها إلّا ضمنَ شروطٍ وقواعدَ واضحةٍ، قالَ تعالى: (وقاتلوا في سبيلِ اللهِ الذينَ يُقاتلونَكم ولا تعتدوا إنَّ اللهَ لا يحبُّ المُعتدين) وقد حرّمَت الآيةُ بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ الاعتداءَ في حينِ سمحَت بحملِ السيفِ في وجهِ الظالم والمُعتدي، وقالَ تعالى: (وقاتلوا المُشركينَ كافّةً كما يقاتلونَكم كافّة) وتُبيّنُ هذه الآيةُ أنَّ قتالَ المُشركين ليسَ لأنّهم مُشركون وإنّما لكونِهم مُقاتلين.  

 وعليهِ فإنَّ القتالَ في القرآنِ يقومُ بدورِ تنظيمِ سُنّةِ التدافعِ البشري بحيثُ يقيمُها على أساسِ الحقِّ وردِّ الظلمِ ونُصرةِ المُستضعفينَ قالَ تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصرِهِم لَقَدِيرٌ (30) الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَّهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). وقالَ تعالى: (وَمَا لَكُم لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالمُستَضعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخرِجنَا مِن هَٰذِهِ القَريَةِ الظَّالِمِ أَهلُهَا وَاجعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا)، والدليلُ على أنَّ الأصلَ في القرآنِ هوَ السلامُ وليسَ الحرب هوَ أمرُه بتركِ القتالِ فوراً في حالِ موافقةِ الطرفِ الآخرِ على وقفِ الإعتداءِ، قالَ تعالى: (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَهَا وَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ).  

وفي المُحصّلةِ لا وجودَ للعُنفِ أو الإرهابِ في النصوصِ الدينيّة، وكلُّ ما هوَ مشروعٌ منَ الحروبِ هوَ فقط مِن أجلِ دفعِ الظلمِ وإقامةِ الحقِّ وردِّ المُعتدي، وهذا مُبرَّرٌ عقلاً قبلَ أن يكونَ مُبرّراً شرعاً، ومِن هُنا فإنَّ المُحكمَ في الإسلامِ هوَ السّلام، وما يردُ إلينا مِن سيرةِ الرسولِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) فيه عنفٌ أو إرهابٌ لا يمكنُ قبوله لكونِه مُخالفاً لِما ثبتَ في الإسلامِ بالضرورةِ، ممّا يؤكّدُ على أنّها سيرةٌ مزوّرةٌ وتاريخٌ مُحرّف على رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله).

أمّا ما حدثَ في التاريخِ الإسلامي بفعلِ الخلفاءِ الذينَ حكموا الأمّةَ الإسلاميّةَ مِن حروبٍ وتعدٍّ على حقوقِ الشعوبِ المُسالمة، ليسَ له علاقةٌ بالإسلامِ ولا يمكنُ تحميلُ الإسلامِ وزرَ ما وقعَ مِن عُنفٍ وإرهابٍ وتعدٍّ مِن تلكَ الأنظمةِ، ومِن هُنا لا يكونُ الإسلامُ مسؤولاً عمّا حدثَ مِن تجاوزاتٍ في ما يُسمّى بالفتوحاتِ الإسلاميّة، معَ أنَّ البعضَ قد يحاولُ أن يُبرّرَ لتلكَ الفتوحاتِ بوصفِها ضرورةً لنشرِ الرّسالةِ وليسَ فيها تعدٍّ على الآخرينَ، إلّا أنَّ هذا النوعَ منَ التبريرِ غيرُ ضروريٍّ ولا يمتلكُ دافعاً أخلاقيّاً واضِحاً؛ لأنَّ الدّعوةَ إلى الإسلامِ في الأدبِ القرآني قائمةٌ على ركيزةِ الحوارِ والجدالِ بالتي هيَ أحسن: (ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ)، وليسَ فيها اعتداءٌ على المناطقِ الآمنةِ والسيطرةُ على مُقدّراتِها وثرواتِها واسترقاقُ رجالِها ونسائها، وحتّى لو سلّمنا بأنَّ الفتوحاتِ قد ساعدَت بالفعلِ على نشرِ الدعوةِ إلّا أنَّ الغايةَ مهما كانَت مُقدّسةً لا تُبرّرُ الوسيلةَ، فالغزو واحتلالُ أراضي الغيرِ والقتلُ والتشريدُ والسبيُ وإخراجُ الناسِ مِن بيوتِها الآمنةِ كلُّه مُحرّمٌ إسلاميّاً، وعليهِ إذا كانَ الإسلامُ في دعوتِه يعتمدُ الحوارَ والإقناعَ فما هوَ المُبرّرُ أن تُغزى أراضي الغيرِ معَ إمكانيّةِ الدّعوةِ عبرَ إرسالِ الدّعاةِ والمُبلّغينَ؟ ومِن هُنا لا نجدُ أنفُسَنا مُضطرّينَ للدّفاعِ عمّا صنعَتهُ السياساتُ التاريخيّةُ سواءٌ في عهدِ الخلفاءِ أو في عهدِ الإمبراطوريّةِ الأمويّةِ والعبّاسيّةِ، وما تقومُ به الحركاتُ الإسلاميّةُ مِن عُنفٍ وإرهابٍ يستمدُّ كثيراً مِن تبريراتِه مِن واقعِ تلكَ التجربةِ التاريخيّةِ الظالمة.