لماذا اللهُ تعالى لم يُعطِّل سيفَ الشمرِ عندَ ذبحِ الإمامِ الحُسين (ع) كما عطّلَ سكّينَ ابراهيم عندَ ذبحِ اسماعيل (ع)؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

في البدءِ لا بدَّ أن نُشيرَ إلى ملاحظةٍ عامّةٍ تتعلّقُ بطبيعةِ الأسئلةِ، فكثيرٌ منها يفتقدُ للشروطِ العلميّةِ للسؤال، معَ أنّنا نتفهّمُ دوافعَ بعضِها ونتفهّمُ حرصَ أصحابِها على تحقيقِ العلمِ والمعرفة، إلّا أنَّ بعضَ طرقِ التفكيرِ الخاطئة تشوّشُ الأذهانَ وتنتجُ أسئلةً لا ينبغي السؤالُ عنها.   

فمنَ الواضحِ أنَّ السؤالَ يكتسبُ تبريرَه المنطقي في حالتين.  

 الأولى: الكشفُ عن غموضِ شيءٍ بالنسبةِ للسائلِ، ويستهدفُ هذا النوعُ من الأسئلةِ تحقيقَ الفهمِ والإحاطةِ بالأشياء، سواءٌ كانَ في إطارِ التفسيرِ العلمي أو كانَ في إطارِ البحثِ عن الغاياتِ والأهداف.  

 والثاني: البحثُ عن السببِ في حالِ وقوعِ شيءٍ ما على غيرِ طبيعتِه، فالأمورُ التي تحدثُ على نحوِ الطبيعةِ والعادةِ لا يسألُ عنها، فمثلاً الذي يدخلُ في الماءِ ولا يبتلُّ به، حينَها يقالُ لماذا لم يبتل؟ أما إذا ابتلَّ بالماءِ فلا يقالُ لماذا ابتل؟ ولا نمنعُ منَ السؤالِ الذي يبحثُ عن التفسيرِ العلمي للظواهرِ الطبيعيّة، فمثلاً نقولُ ما هو السببُ في نزولِ الأمطار؟  

وعلى ذلك يكونُ منَ الطبيعي أن نسألَ لماذا لم تذبَح سكّينُ سيّدنا إبراهيم سيّدنا إسماعيل (عليهما السلام)؟ لأنّهُ أمرٌ حدثَ على خلافِ الطبيعة، ولا يصحُّ أن نسألَ لماذا ذبحَ سيفُ الشمرِ الإمامَ الحُسين (عليه السلام)؟ لأنّه أمرٌ موافقٌ لسُننِ اللهِ في الخليقة.  

ومنَ المؤكّدِ أنَّ السؤالَ لماذا لم يتعطَّل سيفُ الشمر، لا يبحثُ عن فلسفةِ الشهادةِ والتضحيةِ والأهدافِ التي ثارَ مِن أجلِها الإمامُ الحُسين؛ لأنَّ ما يفترضُه السائلُ هو قلبُ الأحداثِ رأساً على عقب، بحيثُ لا يبقى مُبرّرٌ للشهادةِ ولا معنىً للتضحية، فالحياةُ قائمةٌ على فلسفةٍ فيها تتساوى فرصُ الصّراعِ بينَ الحقِّ والباطل، فلابدَّ أن تمضي سيوفُ أهلِ الحقِّ في رقابِ أهلِ الباطل، وتمضي سيوفُ أهلِ الباطلِ في رقابِ أهلِ الحق، وإذا افترضنا أمراً غيرَ ذلك لابدَّ أن نفترضَ أيضاً فلسفةً جديدةً لحياةِ الإنسانِ في الدّنيا، بحيثُ تتبدّلُ معها كلُّ سُننِ الصّراعِ بينَ الحقِّ والباطل. قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ (2) وَلَقَد فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبلِهِم ۖ فَلَيَعلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعلَمَنَّ الكَاذِبِينَ)   

وعليهِ فإنَّ الأصلَ في الحياةِ هوَ السيرُ وفقاً للسّننِ والأسبابِ التي جعلها اللهُ تعالى، وما يكونُ مُخالفاً لهذهِ السّننِ مثلَ معاجزِ الأنبياءِ هوَ الاستثناءُ الذي يجبُ السؤالُ عنه، ولذا عرّفوا المُعجزةَ بأنّها حدوثُ شيءٍ على خلافِ السّننِ والقوانين، أو أنَّ المُعجزةَ هيَ خرقٌ للقوانينِ الطبيعيّة، ومنَ المؤكّدِ أنَّ السّؤالَ عن المعاجزِ ليسَ عن كيفيّةِ حدوثِها، وإنّما عن الغاياتِ والأهدافِ مِن حدوثِها؛ لأنَّ كيفيّةَ حدوثِ المُعجزةِ لا يمكنُ الوصولُ إليه طالما كانَ حدوثُها مخالفاً للسّننِ الطبيعيّة.  

ومِن هُنا سوفَ تكونُ الإجابةُ على السّؤال؛ لماذا تعطّلَت سكّينُ إبراهيم عن ذبحِ إسماعيل؟ فإذا توصّلنا لفهمِ الغايةِ والهدفِ ممّا جرى بينَ إبراهيم وإسماعيل (عليهم السّلام)، يمكنُ لنا أن نبحثَ عن نفسِ تلكَ الغايةِ في قضيّةِ سيفِ الشمرِ معَ الإمامِ الحُسين (عليهِ السّلام)، وهُنا إمّا أن يختلفا في الغايةِ والهدفِ وإمّا  أن يشتركا، فإن اختلفا فلا مُبرّرَ للسؤالِ طالما هناكَ غايةٌ وهنا غايةٌ أخرى، أمّا إذا اشتركا في الغايةِ والهدفِ حينَها يصحُّ السؤال، لماذا لم تتكرّر طالما اشتركا في الموضوعِ هدفاً وغاية؟  

وبشكلٍ بسيطٍ يمكنُنا أن نقولَ أنَّ اللهَ أرادَ أن يبتليَ سيّدنا إبراهيم (عليهِ السّلام) فأمرَه أن يذبحَ ولدَه إسماعيل (عليهِ السّلام) قالَ تعالى: (فلمّا بلغَ معهُ السعيَ قالَ يا بُنيَّ إنّي أرى في المنامِ أنّي أذبحُكَ فانظُر ماذا ترى قالَ يا أبتِ افعَل ما تُؤمَر ستجدُني إن شاءَ اللهُ منَ الصّابرين)   

ومنَ الواضحِ أنَّ أمرَ اللهِ لإبراهيم كانَ أمراً تشريعيّاً، والأمرُ التشريعيّ مُعلّقٌ بإرادةِ المُكلّفِ إن شاءَ فعل وإن شاءَ لم يفعل، بما أنَّ إبراهيمَ (عليهِ السلام) كانَ نبيّاً فلابدَّ أن يستجيبَ للأوامرِ التشريعيّة.

ومنَ المؤكّدِ أنَّ الإرادةَ التشريعيّة لا تتعلّقُ بنفسِ الفعلِ في الواقعِ الخارجي، وإنّما تقفُ عندَ حدودِ الحثِّ على الفعلِ أو الزجرِ عنه، وهذا هوَ الفرقُ بينَ الإرادةِ التكوينيّة والإرادةِ التشريعيّة، فالإرادةُ التكوينيّة تتعلّقُ بالشيءِ مُباشرةً، وحينَها يتحقّقُ في الخارجِ بشكلٍ حتمي قالَ تعالى: (إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، وهذا بخلافِ الإرادةِ التشريعيّة، فمثلاً أرادَ اللهُ منَ العبدِ الصّلاة، إلّا أنَّ تلكَ الإرادةَ لا تتعلّقُ بنفسِ فعلِ الصلاةِ في الخارج؛ وإلّا كانَ وقوعُها منَ المُكلّفِ أمراً حتميّاً لا خيارَ معه، وإذا اتّضحَ أنَّ الإرادةَ والأوامرَ التشريعيّةَ لا تتعلّقُ بحدوثِ الفعلِ في الخارجِ وإنّما تتعلّقُ بإرادةِ المُكلّفِ فتحثّهُ عليهِ أو تزجرُه عنه، يتّضحُ أيضاً الغرضُ مِن أمرِ اللهِ لإبراهيم بذبحِ ابنِه، بمعنى أنَّ اللهَ لا يريدُ ذبحَ إسماعيل وإنّما يريدُ اختبارَ مدى استجابةِ إبراهيم، ومدى الاستجابةِ يمكنُ تحقيقُها بمُجرّدِ القيامِ بالمُقدّماتِ الضروريّةِ للفعل، ولذلكَ عندَما انبعثَ إبراهيم ُوتحرّكَ فعليّاً ووضعَ السكّينَ على عُنقِ إسماعيل، تحقّقَ الانبعاثُ وتحقّقَ الغرضُ منَ الأمر (فَلَمَّا أَسلَمَا وَتَلَّهُ لِلجَبِينِ) جاءَ النداءُ مباشرةً (وَنَادَينَاهُ أَن يَا إِبرَاهِيمُ (104) قَد صَدَّقتَ الرُّؤيَا) أي تحقّقَ الابتلاءُ ونجحَ إبراهيم، ولم يكُن القصدُ إراقةَ دمِ إسماعيل.  

ومنَ الواضحِ أنَّ تلكَ الغايةَ غيرُ مُتحقّقةٍ في قضيّةِ الإمامِ الحُسين (عليهِ السلام) فالأمرُ التشريعيُّ للإمامِ الحُسين (عليه السّلام) هوَ مجاهدةُ الباطل، حتّى لو أدّى إلى سفكِ دمِه، وهذا ما واجهَه الإمامُ الحُسين (عليه السلام) بكلِّ عزمٍ وصبر، وإذا تعطّلَ سيفُ الشمرِ لما تمكّنَ الإمامُ الحسينُ مِن تحقيقِ غايتِه وهيَ الشهادةُ في سبيلِ الله.