هل عبد المطلب كان وصيا من الاوصياء؟

وردَ في مرويّاتِنا أنَّ عبدَ المُطّلبِ كانَ وصيّاً منَ الأوصياءِ، واشتهرَ موقفهُ معَ أبرهةَ الحبشي عندَ مجيئِه لاحتلالِ مكّة، وأنّهُ طالبه بردِّ إبلِهِ عليه، ولم يطلب منهُ تركَ احتلالِ مدينتِه.   فهل هذا الموقفُ منهُ ينسجمُ معَ كونِه وصيّاً؟ وهل قصّتُه معَ أبرهةَ ثابتةٌ بروايةٍ صحيحة؟  

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

من المعلومِ أنَّ قريشاً هي سيّدةُ العرب، وبني هاشم هُم سادةُ قريش، وعبدَ المُطّلبِ هوَ سيّدُ بني هاشم وزعيمُها، فقد كانَ كريمَ الأصلِ طيّبَ النسبِ شريفَ القدرِ فيهِ هيبةُ الملوكِ وسيماءُ الأنبياء ففي الكافي عن زرارةَ بنِ أعين عن أبي عبدِ الله (عليه السلام) قالَ: يُحشرُ عبدُ المُطّلبِ يومَ القيامةِ أمّةَ وحدَه، عليهِ سيماءُ الأنبياء، وهيبةُ الملوك. وفي شرحِ هذا الحديثِ يقولُ المازندراني: الأمّةُ الرّجلُ المُنفردُ بدينٍ كقولِه تعالى: (إنَّ إبراهيمَ كانَ أمّةً [2] قانتاً لله) والمقصودُ أنّه إذا حُشرَ النّاسُ فوجاً فوجاً وأمّةً أمّة حُشرَ عبدُ المُطّلبِ وحدَه لأنّهُ كانَ مُنفرِداً في زمانِه بدينِ الحقِّ ولرعايةِ حقِّ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله).  

ومع ذلكَ ليسَ بينَ أيدينا ما يؤكّدُ أنّهُ كانَ وصيّاً منَ الأوصياء، ولا ندري كيفَ جزمَ السّائلُ بأنَّ الرّواياتِ صرّحَت بكونِه وصيّاً، فنحنُ لم نقِف على ما وقفَ عليهِ السّائل، ومِن هُنا لا يمكنُنا الجزمُ بأنّهُ وصيٌّ لمُجرّدِ حُبّنا له لعظيمِ مكانتِه ولقُربِه مِن رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، إلّا أنّه كانَ منَ الصّلحاءِ الموحّدينَ والعاملينَ بدينِ إبراهيم (عليهِ السّلام) ولم يذكُر التاريخُ أنّهُ كانَ يفعلُ ما يفعلهُ أهلُ الجاهليّة.   

وما وقعَ بينَه وبينَ أبرهةَ الحبشي مشهورٌ بينَ المؤرّخينَ وتسالمَ المُسلمونَ على نقلِه وقبولِه، وما قالَه عبدُ المُطّلبِ (بأنَّ للبيتِ ربٌّ يحميه) فمُضافاً إلى أنّهُ يدلُّ على إيمانِه بربِّ البيتِ يدلُّ أيضاً على مسؤوليّتِه التي يُمليها عليه واجبُه العُرفي والاجتماعي بالمُطالبةِ بحقِّه، أمّا حمايةُ البيتِ منَ الغزوِ ليسَت مسؤوليّةً فرديّةً يتبرّعُ بها عبدُ المُطّلبِ دونَ الآخرين، وبما أنَّ الجميعَ ليسَ بمقدورِهم الوقوفُ أمامَ جيشِ أبرهةَ فليسَ أمامَهم إلّا بابٌ واحدٌ وهوَ الثقةُ في كونِ اللهِ يحمي بيتَه، وعبدُ المُطّلبِ كانَ واثقاً في قُدرةِ اللهِ عندَما قالَ (للبيتِ ربٌّ يحميه) ولم يقُلها على نحوِ الدّعاءِ والرّجاء وإنّما قالها على نحوِ الثقةِ والاطمئنانِ، وهذا ما حصلَ بالفعل حيثُ أرسلَ اللهُ عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ مِن سجّيل فجعلَتهم كعصفٍ مأكول.  

فحتّى لو افترضنا أنَّ عبدَ المُطّلب كانَ وصيّاً لما صنعَ أكثرَ ممّا صنعَه، فكونُ الرّجلِ وصيّاً لا يعني امتلاكَه لقوّةٍ خارقةٍ وإنّما يعني قُربَه منَ اللهِ وارتباطهُ به في كلِّ شؤونِه، وما قالهُ عبدُ المُطّلبِ يدلُّ على ذلكَ الرّابطِ وعلى تلكَ العلاقة.