يعتقدُ كثيرونَ أنّ (حوّاء) قد خُلقَت مِن ضلعٍ مِن أضلاعِ (آدم)، بل منَ الضلعِ الأيسرِ لآدم، فهل هذا صحيح؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

 الرّأيُ الرّاجحُ عندَ شيعةِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) هوَ أنَّ حوّاءَ خُلقَت مِن طينةِ آدم (عليه السّلام) وقد رَووا عن أئمّتِهم الكثيرَ منَ الرّواياتِ التي تثبتُ ذلك، وقد خالفَهم في ذلكَ أهلُ السنّةِ حيثُ أطبقَت أحاديثُهم على خلقِ حوّاءَ مِن ضلعِ آدم (عليه السّلام)، والذي سبّبَ إشكالاً عندَ بعضِ الشيعةِ هو وجودُ بعضِ المرويّاتِ عن أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) تتّفقُ مع مرويّاتِ أهلِ السنّة، ممّا يؤكّدُ وجودَ تعارضٍ بينَ الرواياتِ المُثبتةِ والرواياتِ النافية، ومِن هُنا نحنُ نؤكّدُ وجودَ طائفتين منَ الرّوايات.  

الطائفةُ الأولى: هيَ الرّواياتُ التي تؤكّدُ على أنَّ أمّنا حوّاء خُلقَت منَ الطينةِ التي خُلقَ منها أبونا آدم (عليه السّلام) وتمتازُ هذهِ الطائفةُ منَ الرواياتِ بعدةِ ميّزات:  

1- كثرةُ مرويّاتِها، فهيَ أكثرُ منَ المرويّاتِ المُخالفةِ لها، وأكثرُ اعتباراً منها.  

2-  في هذه الرّواياتِ الأخبارُ الصّحيحةُ والعاليةُ المضامين.   

3- هذه الرّواياتُ ناظرةٌ في بعضِها لتكذيبِ ما جاءَ في الرّواياتِ المُثبتة.  

ومِن أخبارِ هذه الطائفة، ما رواهُ العيّاشي عَن عَمرو بنِ أَبِي المِقدَامِ عَن أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلتُ أَبَا جَعفَرٍ (ع): مِن أَيِّ شَي‏ءٍ خَلَقَ اللَّهُ حَوَّاء؟ فَقَالَ: أَيُّ شَي‏ءٍ يَقُولُ هَذَا الخَلقُ؟ قُلتُ: يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا مِن ضِلعٍ من أَضلاعِ آدَمَ، فَقَالَ: كَذَبُوا، كَانَ يُعجِزُهُ أَن يَخلُقَهَا مِن غَيرِ ضِلعِهِ؟! فَقُلتُ: جُعِلتُ فِدَاكَ يَا ابنَ رَسُولِ اللَّهِ، مِن أَيِّ شَي‏ءٍ خَلَقَهَا؟ فَقَالَ أَخبَرَنِي أَبِي عَن آبَائِهِ (ع) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ تبَارَكَ وَتَعَالَى قَبَضَ قَبضَةً مِن طِينٍ فَخَلَطَهَا بِيَمِينِهِ، وَكِلتَا يَدَيهِ يَمِينٌ، فَخَلَقَ مِنهَا آدَمَ، وَفَضَلَت فَضلَةٌ مِنَ الطِّينِ فَخَلَقَ مِنهَا حَوَّاءَ.  

وفي روايةِ مَن لا يحضرُه الفقيه عَن زُرَارَةَ بنِ أَعيَنَ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ أَبُو عَبدِ اللَّهِ (ع) عَن خَلقِ حَوَّاءَ، وَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أُنَاساً عِندَنَا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ حَوَّاءَ مِن ضِلعِ آدَمَ الأَيسَرِ الأَقصَى، فَقَالَ: سُبحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَن ذَلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً، أَيَقُولُ مَن يَقُولُ هَذَا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَم يَكُن لَهُ مِنَ القُدرَةِ مَا يَخلُقُ لآِدَمَ زَوجَةً مِن غَيرِ ضِلعِهِ..  

الطائفةُ الثانية: وهي الرّواياتُ التي تثبتُ خلقَ حوّاء مِن ضلعِ آدمَ (عليه السّلام)، وأخبارُ هذه الطائفةِ أقلُّ مِن أخبارِ الطائفةِ الأولى، وإن كانَ بعضُها صحيحاً وبعضُها الآخرُ مُرسلاً وضعيفاً، ومِن رواياتِ هذا الباب، ما رواهُ الشيخُ الصّدوقُ في مَن لا يحضرُه الفقيه عن السَّكُونِيُّ عَن جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عَن أَبِيهِ (ع) ، أَنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ (ع) كَانَ يُوَرِّثُ الخُنثَى فَيَعُدُّ أَضلاعَهُ ؛ فَإِن كَانَت أَضلاعُهُ نَاقِصَةً مِن أَضلاعِ النِّسَاءِ بِضِلعٍ ، وَرَّثَ مِيرَاثَ الرَّجُلِ ؛ لأَنَّ الرَّجُلَ تَنقُصُ أَضلاعُهُ عَن ضِلعِ النِّسَاءِ بِضِلعٍ ؛ لأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَت مِن ضِلعِ آدَمَ (ع) القُصوَى اليُسرَى فَنَقَصَ مِن أَضلاعِهِ ضِلعٌ وَاحِد.  

ومنَ المعروفِ في حالةِ التعارضِ بينَ المرويّاتِ يُعملُ على جمعِها ما أمكنَ وإلّا تمَّ ترجيحُ أحدِها على الأخرى، وقد حملَ العلماءُ الرواياتِ المُثبتةَ لخلقِ حواء مِن ضلعِ آدم على التقيّةِ لكونِها موافقةً لرواياتِ المُخالفين، وما يشهدُ على ذلكَ قولُ الإمامِ الصّادق (عليه السلام) في صحيحةِ زُرارة قال سُئلَ أبو عبدِ الله عليهِ السّلام عن خلقِ حوّاء، وقيلَ له: إنَّ أناساً عندنا يقولونَ أنَّ اللهَ تعالى خلقَ حوّاء مِن ضلعِ آدمَ الأيسر الأقصى... فقالَ (عليه السلام): إذن آدمُ كانَ ينكحُ بعضُه بعضاً إذا كانَت مِن ضلعِه ما لهؤلاءِ حكمَ اللهُ بينَنا وبينهم.. ففي الرّوايةِ تعريضٌ بمَن يقولُ أنَّ حوّاءَ خُلقَت مِن ضلعِ آدم، ومِن هُنا تُحمَلُ الرّواياتُ الموافقةُ لهم على التقيّة.  

 وقالَ العلّامةُ المجلسي بعدَ ذكرِه للرّواياتِ المُثبتة: فالأخبارُ السابقةُ إمَّا محمولةٌ على التقيَّة، أو على أنَّها خُلقَت من طينةِ ضلعٍ مِن أضلاعه. وما ذهبَ إليهِ العلامةُ المجلسي مِن توجيهٍ أخذَه عن نصِّ الرّوايةِ الواردةِ في عللِ الشرائعِ التي تقول: مِنَ الطِّينَةِ الَّتِي فَضَلَت مِن ضِلعِهِ الأَيسَر، وعليهِ تكونُ حوّاء قد خُلقَت من طينةِ الضلعِ وليسَ مِن ذاتِ الضلع.  

وقالَ السيِّدُ نعمةُ اللهِ الجزائري في قصصِ الأنبياء، وما وردَ من أنّه خُلقَ مِن ضلعٍ مِن أضلاعِه وهو الضلعُ الأيسر القصير، محمولٌ على التقيّة، أو على التأويل، أو بأن يُرادَ أنَّ الطينةَ التي قرّرها اللهُ سبحانَه لذلك الضلع، خلقَ منها حوّاء لأنَّها خُلقَت منه بعدَ خلقِه.

وقالَ الشيخُ الصّدوق: إِنَّ حَوَّاءَ خُلِقَت مِن فَضلَةِ الطِّينَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنهَا آدَمُ (ع)، وَكَانَت تِلكَ الطِّينَةُ مُبقَاةً مِن طِينَةِ أَضلَاعِهِ، لا أَنَّهَا خُلِقَت مِن ضِلعِهِ بَعدَ مَا أُكمِلَ خَلقُهُ فَأُخِذَ ضِلعٌ مِن أَضلاعِهِ اليُسرَى فَخُلِقَت مِنهَا.  

وفي المُحصّلةِ هناكَ ترجيحٌ للرواياتِ التي تنفي خلقَ حوّاء مِن ضلعِ آدم، لكونِها أكثرَ وأقوى ومخالفةً لمرويّاتِ المُخالفين.