هل أبدانُ الأئمّةِ (ع) مخلوقةٌ مِن ترابِ كربلاء؟  

45 - سمعتُ مِن أحدِ الأفاضلِ يقول أنَّ منشأ تكوّنِ أبدانِ أهلِ البيتِ عليهم السلام هوَ مِن ترابِ عليّينَ [وهذا ما وقفتُ عليهِ في ثلاثةَ عشرَ مصدراً تقريباً بعدَ البحث ]    ويتابعُ الفاضلُ قولهُ: أنَّ عليّينَ هوَ أشرفُ ترابٍ في الجنّة، وأشرفُ ترابٍ في الجنّةِ هوَ ترابُ كربلاء، إذن: أبدانُهم متكوّنةٌ مِن ترابِ كربلاء ..   ومعَ البحثِ لم أقِف على المعنى الأخيرِ وهوَ [أنَّ أبدانَهم متكوّنةٌ مِن ترابِ كربلاء أي أنَّ معنى عليّينَ هوَ ترابُ كربلاء ] ..   فهل أبدانُ أهلِ البيتِ عليهم السّلام متكوّنةٌ مِن ترابِ كربلاء كما قالَ الفاضل؟ وإن كانَ كذلك فما هوَ المصدر؟  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

استدلَّ الأخُ بمُقدّمتين، الأولى منها غيرُ تامّة، ونحنُ لا ننفي النتيجةَ بضرسٍ قاطع، ولكن نقولُ: لا دليلَ عليها، قد يكونُ الأمرُ كما تفضّلَ به، ولكنّ دليلهُ لا يساعدُ عليه.  

  

أوّلاً:   

قوله في المُقدّمةِ الأولى: أنّ عليّينَ أشرفُ ترابٍ في الجنّة.  

نقولُ: لا دليلَ على ما ذكرَه، فإنّ مراتبَ الجنّةِ العاليةَ غيرُ متوقّفةٍ عندَ عليّين، فمقامُ أعلى عليّينَ مرتبةٌ فوقَ عليّين، كما في نفسِ رواياتِ الطينة.  

وإن كانَ مقامُ عليّينَ، اسمٌ جامعٌ لأعلى عليّينَ أيضاً، وعليه: يكونُ لعليّينَ مراتبُ كثيرة، أعلاها مرتبةً أعلى عليّين، فتتفاوتُ مراتبُ عليّينَ شرفاً ورتبةً فيما بينَها، فيكوُن أعلى عليّينَ أشرفَها وأعلاها رتبة.  

وعليه: فمرتبةُ عليّينَ أشرُف المراتبِ نسبةً لِما تحتَها، وأمّا نسبةً إلى نفسِ تلكَ المرتبة، فيكونُ أعلى عليّينَ أشرف مراتبِ عليّين.  

  

ثانياً:  

قولهُ في المقدّمةِ الثانية: وأشرفُ ترابٍ في الجنّةِ هوَ ترابُ كربلاء.  

نقولُ: وردَ في الرواياتِ أنّ كربلاء ترعةٌ مِن ترعِ الجنّة، وروضةٌ مِن رياضِ الجنّة، وستكونُ أفضلَ أرضٍ في الجنّة.  

وعن الإمامِ الباقر (ع): خلقَ اللهُ تباركَ وتعالى أرضَ كربلاء قبلَ أن يخلقَ الكعبةَ بأربعةٍ وعشرينَ ألفَ عام، وقدّسَها وباركَ عليها، فما زالت قبلَ خلقِ اللهِ الخلقَ مُقدّسةً مُباركة، ولا تزالُ كذلكَ حتّى يجعلَها اللهُ أفضلَ أرضٍ في الجنّة، وأفضلَ منزلٍ ومسكنٍ يُسكنُ اللهُ فيهِ أولياءهُ في الجنّة. (كاملُ الزياراتِ لابنِ قولويه، ص451).  

وعن الإمامِ زينِ العابدين (ع): اتّخذَ اللهُ أرضَ كربلاءَ حرماً آمناً مُباركاً قبلَ أن يخلقَ اللهُ أرضَ الكعبةِ ويتّخذَها حرماً بأربعةٍ وعشرينَ ألفَ عام ، وإنّه إذا زلزلَ اللهُ تباركَ وتعالى الأرضَ وسيّرَها رُفعَت كما هيَ بتربتِها نورانيّةً صافية ، فجُعلَت في أفضلِ روضةٍ من رياضِ الجنّة وأفضلِ مسكنٍ في الجنّةِ لا يسكنُها إلّا النبيّونَ والمُرسلون - أو قالَ : أولو العزمِ منَ الرّسل - وإنّها لتُزهرُ بينَ رياضِ الجنّةِ كما يزهرُ الكوكبُ الدرّي بينَ الكواكبِ لأهلِ الأرضِ، يغشي نورُها أبصارَ أهلِ الجنّة جميعاً، وهي تنادي : أنا أرضُ اللهِ المُقدّسةُ الطيّبةُ المُباركة التي تضمّنَت سيّدَ الشهداءِ وسيّدَ شبابِ أهلِ الجنّة. (المصدرُ السابق).  

وعن الإمامِ الصّادق (ع): موضعُ قبرِ الحُسينِ بنِ عليّ (عليهما السّلام) منذُ يومِ دُفنَ فيه روضةٌ مِن رياضِ الجنّة و قال : موضعُ قبرِ الحُسينِ ( عليه السّلام ) ترعةٌ مِن تُرعِ الجنّة. (المصدرُ السّابق، ص456).  

وغيرها منَ الرّوايات.  

  

إذن: المقدّمةُ الأولى غيرُ تامّة.  

  

فالنتيجةُ (أبدانُهم مُتكوّنةٌ من ترابِ كربلاء) غيرُ صحيحة.  

  

ونكرّرُ قولنا: أنّ ما ذكرَه قد يكونُ في نفسِه صحيحاً، ولكنّ دليلهُ لا يساعدُه.  

  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.