قبورُهم (ع) مشاعرُ إلهيّة 

السّلامُ عليكُم .. وردت روايات كثيرة في إنّ أجساد أهل البيت عليهم السّلام رُفعت إلىٰ السّماء وكذلك كثير مِن العُلماء صّرحوا بذلك ، فما الفائدة مِن زيارة تلك القبور إذا كانت فارغة ؟

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

1ـ بغضِّ النّظرِ عن الخلافِ الواقعِ في هذهِ المسألةِ مِن أنّها تُرفعُ بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ أو أربعينَ يوماً؟ أم تُرفعُ بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ ثمَّ ترجعُ إلى القبر؟ أم غيرِهما؟ (بحارُ الأنوار: 97 / 131، مرآةُ العقولِ للمجلسي: 18 / 284، الصحيحُ مِن سيرةِ النبي، للسيّدِ جعفرٍ مرتضى العاملي: 33 / 198).  

  

2ـ وهل المرادُ رفعُ البدنِ العنصريّ الجسماني؟ أم رفعُ البدنِ المثالي وبقاءُ العنصري؟ أم رفعُ العُنصري وبقاءُ المثالي؟ أم غيرُها؟ (الوافي للفيضِ الكاشاني: 14 / 1337، تفسيرُ الصّراطِ المُستقيم: 5 / 428، الأنوارُ السّاطعة في شرحِ الزيارةِ الجامعة: 1 / 375).  

إلّا أنّ المشهورَ المعروفَ بينَ علمائنا رفعُ البدنِ العُنصري الجسماني.  

  

3ـ وردَ في العديدِ منَ الرّواياتِ وجودُ أبدانِهم في قبورِهم، وبغضّ النظرِ عن كيفيّةِ الجمعِ بينَها وبينَ رواياتِ رفعِ أبدانهم.   

  

4- على القولِ برفعِ أبدانِهم العنصريّةِ وعدمِ بقائها في القبور، فتكونُ الزيارةُ لقبورِهم باعتبارِ أنّها مواضعُ ضمّت أبدانَهم مدّةً منَ الزّمان، والمكانُ الذي غُيّبَت فيه أجسادُهم الطاهرة، حيثُ رويَ عن الإمامِ الصّادقِ (ع) قال: ما مِن نبيٍّ ولا وصيّ نبيٍّ يبقى في الأرضِ أكثرَ مِن ثلاثةِ أيّام، ثمَّ تُرفعُ روحُه وعظمُه ولحمُه إلى السّماء، وإنّما يؤتى مواضعُ آثارِهم، ويبلّغونَهم من بعيدٍ السّلام، ويسمعونَهم في مواضعِ آثارِهم مِن قريب. (كاملُ الزيارات ص544).  

وقالَ الكراجكي: وليسَت زيارتُنا لمشاهدِهم على أنّهم بها، ولكن لشرفِ الموضع، فكانَت غيبةُ الأجسامِ فيها، ولعبادةٍ أيضاً نُدِبنا إليها. (بحارُ الأنوار: 97 / 131، كنزُ الفوائدِ للكراجكي ص258).   

وليسَ منَ الصّحيحِ الاعتقادُ بأنّ الزيارةَ إمّا تكونُ لبدنِ المعصومِ وإمّا لا، فمواضعُ آثارِهم وبيوتِهم أيضاً محلٌّ للزّيارةِ والتبرّكِ، لأنّها مشاعرُ إلهيّة.   

  

5- إنّ مواضعَ قبورِهم مشاعرُ إلهيّة، ومنَ البيوتِ التي أذنَ اللهُ أن تُرفعَ ويذكرَ فيها اسمُه، وينبغي زيارتُها وتعميرُها وتشييدُها والالتفافُ حولها.   

ـ عن أبي عامرٍ السّاجي واعظِ أهلِ الحجاز قالَ : أتيتُ أبا عبدِ اللهِ جعفراً بنَ محمّدٍ ( عليهما السّلام ) فقلتُ له : يا بنَ رسولِ اللهِ ما لمَن زارَ قبرَه - يعني أميرَ المؤمنين - وعمرَ تُربتَه قالَ : يا أبا عامرٍ حدّثني أبي عن أبيهِ عن جدّه الحُسينِ بنِ عليٍّ عن عليٍّ ( عليهِ السّلام ) أنَّ النبيَّ ( صلّى اللهُ عليه وآله ) قالَ له : واللهِ لتُقتلنَّ بأرضِ العراقِ وتُدفنُ بها ، قلتُ : يا رسولَ الله ما لمَن زارَ قبورَنا وعمرَها وتعاهدَها ؟ فقالَ لي : يا أبا الحسنِ إنَّ اللهَ جعلَ قبرَك وقبرَ ولدِك بقاعاً مِن بقاعِ الجنّةِ وعرصةً مِن عرصاتِها ، وإنَّ اللهَ جعلَ قلوبَ نجباءٍ مِن خلقِه وصفوتِه مِن عبادِه تحنُّ إليكم وتحتملُ المذلّةَ والأذى فيكم ، فيعمرونَ قبورَكم ويكثرونَ زيارتَها تقرّباً منهم إلى اللهِ مودّةً منهم لرسولِه ، أولئكَ يا عليُّ المخصوصونَ بشفاعتي والواردونَ حوضي ، وهُم زوّاري غداً في الجنّةِ ، يا عليّ مَن عمرَ قبورَكم وتعاهدَها فكأنّما أعانَ سليمانَ بنَ داود على بناءِ بيتِ المقدِس ، ومَن زارَ قبورَكم عدلَ ذلكَ له ثوابُ سبعينَ حجّةً بعدَ حجّةِ الإسلام ، وخرجَ مِن ذنوبِه حتّى يرجعَ مِن زيارتِكم كيومِ ولدَتهُ أمُّه ، فأبشِر وبشِّر أولياءكَ ومحبّيكَ منَ النعيمِ وقرّةِ العين بما لا عينَ رأت ولا أذنَ سمعَت ولا خطرَ على قلبِ بشر ، ولكن حثالةٌ منَ الناسِ يعيّرونَ زوّارَ قبورِكم بزيارتِكم كما تعيّرُ الزانيةُ بزِناها ، أولئكَ شرارُ أمّتي لا نالتهم شفاعتي ولا يردونَ حوضي. (تهذيبُ الأحكامِ للطوسي: 6 / 22).  

ـ ورويَ عن الإمامِ الباقر (ع) أنّ الإمامَ الحُسينَ سألَ جدَّه فقالَ : يا أبه فما لمَن يزورُ قبورَنا على تشتِّتها ، فقالَ : يا بُني أولئكَ طوائفُ مِن أمّتي يزورونَكم فيلتمسونَ بذلكَ البركة ، وحقيقٌ عليَّ أن آتيهم يومَ القيامةِ حتّى أخلّصَهم مِن أهوالِ السّاعةِ ومِن ذنوبِهم ، ويسكنُهم اللهُ الجنّة. (كاملُ الزيارات ص126).  

وفي روايةٍ: قالَ (ص): قالَ : طوائفُ مِن أمّتي يريدونَ بذلكَ برّي وصِلتي ، أتعاهدُهم في الموقفِ وآخذُ بأعضادِهم فأنجيهم مِن أهوالِه وشدائدِه. (المصدرُ السّابق ص127).  

ـ وعن الإمامِ الرّضا عليه السّلام : لا تُشدُّ الرّحالُ إلى شيءٍ منَ القبورِ إلّا إلى قبورِنا، ألا وإنّي لمقتولٌ بالسمِّ ظلماً، ومدفونٌ في موضعِ غُربةٍ، فمَن شدَّ رحلَه إلى زيارتي اُستجيبَ دعاؤه وغُفرَ لهُ ذنبُه. (الخصالُ للصّدوق ص144).  

ـ وعن مولاتِنا زينب (ع) قولها للإمامِ زينِ العابدين عليه السّلام: ولقد أخذَ اللهُ ميثاقَ أناسٍ مِن هذهِ الأمّةِ لا تعرفُهم فراعنةُ هذهِ الأمّة ، وهُم معروفونَ في أهلِ السّماواتِ أنّهم يجمعونَ هذهِ الأعضاءَ المُتفرّقةَ فيوارونها ، وهذهِ الجسومَ المُضرّجةَ وينصبونَ لهذا الطفِّ علماً لقبرِ أبيكَ سيّدِ الشهداء ، لا يدرسُ أثرُه ولا يعفو رسمُه على كرورِ الليالي والأيّام ، وليجتهدنَّ أئمّة الكُفرِ وأشياعُ الضلالةِ في محوِه وتطميسِه ، فلا يزدادُ أثرُه إلّا ظهورا ً، وأمرُه إلّا علوّاً. (هامشُ كاملِ الزّيارات ص444).

ـ وعن الصّادقِ (ع) في دعائه في سجودِه: اللهمَّ يا مَن خصّنا بالكرامةِ ، ووعدَنا بالشفاعةِ ، وخصّنا بالوصيّةِ ، وأعطانا علمَ ما مضى وعلمَ ما بقي ، وجعلَ أفئدةً منَ النّاسِ تهوي إلينا ، اغفِر لي ولإخواني ، وزوّارِ قبرِ أبي عبدِ اللهِ الحُسين ، الذينَ أنفقوا أموالَهم ، وأشخصوا أبدانَهم ، رغبةً في بِرّنا ، ورجاءً لِما عندَك في صِلتِنا ، وسروراً أدخلوهُ على نبيِّك ، وإجابةً منهُم لأمرِنا ، وغيظاً أدخلوهُ على عدوّنا ، أرادوا بذلكَ رضوانَك . فكافِهم عنّا بالرّضوانِ ، وأكلأهم بالليلِ والنّهار ، وأخلِف على أهاليهم وأولادِهم الذينَ خلّفوا بأحسنِ الخلف ، واصحبهُم ، واكفِهم شرَّ كلِّ جبارٍ عنيد ، وكلَّ ضعيفٍ مِن خلقِك وشديد ، وشرَّ شياطينِ الإنسِ والجن ، وأعطِهم أفضلَ ما أملوا منكَ في غُربتِهم عَن أوطانِهم ، وما آثرونا به على أبنائِهم وأهاليهم وقراباتِهم .  

اللهمَّ إنَّ أعداءنا عابوا عليهم بخروجِهم ، فلم ينهَهم ذلكَ عن الشخوصِ إلينا خلافاً منهُم على مَن خالفنا ، فارحمَ تلكَ الوجوهَ التي غيّرَتها الشمسُ ، وارحَم تلكَ الخدودَ التي تتقلّبُ على حفرةِ أبي عبدِ اللهِ الحُسين عليه السلام ، وارحَم تلكَ الأعينَ التي جرَت دموعُها رحمةً لنا ، وارحَم تلكَ القلوبَ التي جزعَت واحترقَت لنا ، وارحَم تلكَ الصّرخةَ التي كانَت لنا. (كاملُ الزيارات ص228).  

والرّواياتُ متواترةٌ في كونِها منَ المشاعرِ والشعائرِ الإلهيّة.  

  

6- نحنُ مُكلّفونَ شرعاً – كما وردَ في الرواياتِ المُتواترةِ - بزيارةِ قبورِهم، سواءٌ كانَت أبدانُهم موجودةً في قبورِهم، أم مرفوعةً إلى السّماء.  

  

7- إنّ زيارةَ قبورِهم، تعني زيارتَهم، وهُم يسمعونَ كلامنا ويشهدونَ مقامنا، كما وردَ ذلكَ في الرّواياتِ المُتواترة.   

فليسَ الغرضُ مِن زيارةِ قبورِهم زيارةُ أبدانِهم فحسب، وإنّما زيارةُ نفسِ الإمامِ عليه السّلام، منَ الموضعِ الذي غابَ جسدُه منها، وهوَ القبر.   

وهذا أمرٌ لا ينبغي الشكُّ فيه، فجميعُ الزّياراتِ الواردةِ نرى الخطابَ فيها معَ نفسِ الإمامِ عليهِ السلّام، وليسَ معَ بدنه.   

ومنَ المعلومِ أنّ الإمامَ (ع) له حضورٌ وشهود، فهوَ يسمعُ الكلامَ، ويشهدُ المقامَ، ويردُّ جوابَ سلامنا، ويباركُ علينا، ويستغفرُ لنا، ويكتبُ أسماءنا في سجلِّ الزّوار و...  

وزيارةُ الإمامِ (ع) مِن موضعِ قبرِه لها خصوصيّةٌ غيرُ موجودةٍ في زيارتِه عَن بُعد.  

  

8- تترتّبُ آثارٌ عظيمةٌ وكبيرةٌ على زيارةِ قبورِهم:  

بعضُ فوائدِ زيارةِ قبورِ المعصومين (ع):  

1ـ أنّها مواطنُ استجابةِ الدّعاء، يحبُّ اللهُ أن يُذكرَ فيها، وهيَ حرمُ اللهِ وحرمُ رسولِه، رويَ عن الكاظمِ (ع): أنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) كانَ يطوفُ بالبيتِ ويُقبّلُ الحجرَ وحرمةُ النبيّ والمؤمنِ أعظمُ مِن حُرمةِ البيت، وأمرَه اللهُ عزَّ وجلَّ أن يقفَ بعرفةَ، وإنّما هيَ مواطنُ يحبُّ اللهُ أن يُذكرَ فيها، فأنا أحبُّ أن يدعي لي حيثُ يحبُّ اللهُ أن يُدعى فيها. (الكافي للكُليني: 4 / 568).  

2ـ أنّها مواطنُ غفرانِ الذّنوب، قالَ تعالى: { وَلَو أَنَّهُم إِذ ظَلَموا أَنفُسَهُم جاءوكَ فَاستَغفَرُوا اللَّهَ وَاستَغفَرَ لَهُمُ الرَّسولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوّابًا رَحيمًا } [النّساء: ٦٤].  

ـ عن معلّى بنِ خنيس قالَ : سمعتُ أبا عبدِ اللهِ ( عليهِ السّلام ) يقول : . ما مِن رجلٍ يزورُنا أو يزورُ قبورَنا ، إلّا غشيَته الرّحمةُ ، وغفرَت لهُ ذنوبَه . (بحارُ الأنوار: 10 / 351).  

3- أنّها وفاءٌ للعهدِ الذي في عُنقِ الشيعة، عن الوشّاء قالَ: سمعتُ الرّضا (عليه السّلام) يقولُ: إنَّ لكلِّ إمامٍ عهداً في عنقِ أوليائِه وشيعتِه، وإنَّ مِن تمامِ الوفاءِ بالعهدِ وحُسنِ الأداء، زيارةُ قبورِهم، فمَن زارَهم رغبةً في زيارتهِم، وتصديقاً بما رغّبوا فيه، كانَ أئمّتُهم شفعاءَهم يومَ القيامة. (الكافي للكليني: 4 / 567).  

4- أنّها أبوابٌ للوفودِ إلى اللهِ تعالى والتقرّبِ والدنوّ منه، كما وردَ ذلكَ في الرّواياتِ المُستفيضةِ.  

عن الصّادقِ (ع) في زيارةِ الحُسين (ع): فإذا أتيتَ الفُراتَ فقُل قبلَ أن تعبُرَه : اللهمَّ أنتَ خيرُ مَن وفدَ إليهِ الرّحال ، وأنتَ يا سيّدي أكرمُ مأتيٍّ وأكرمُ مزورٍ ، وقد جعلتَ لكلِّ زائرٍ كرامةً ، ولكلِّ وافدٍ تحفة .  

وقد أتيتُكَ زائراً قبرَ ابنِ نبيّكَ صلواتُك عليهِ ، فاجعَل تُحفتَك إيّايَ فكاكَ رقبتي منَ النار ، وتقبَّل منّي عملي ، واشكُر سعيي ، وارحَم مسيري إليكَ بغيرِ مَنٍّ منّي ، بل لكَ المنُّ عليَّ إذ جعلتَ لي السبيلَ إلى زيارتِه ، وعرّفتني فضلَه ، وحفظتَني حتّى بلّغتَني قبرَ ابنِ وليّك .  

وقد رجوتُك فصلِّ على محمّدٍ وآلِ محمّد ولا تقطَع رجائي ، وقد أتيتُك فلا تُخيّب أملي ، واجعَل هذا كفّارةً لما كانَ قبلَه مِن ذنوبي ، واجعلني مِن أنصارِه يا أرحمَ الرّاحمين. (كاملُ الزّيارات ص396).  

وهذا المضمونُ مُستفيضٌ في الرّواياتِ، إن لم يكُن متواتراً.

5- زيارتُهم توجبُ شفاعتَهم للزائرِ، كما وردَ في بعضِ الرّواياتِ المُتقدّمة وغيرِها.  

6ـ زيارةُ قبورِهم مِن أبرزِ وأعظمِ مصاديقِ إحياءِ أمرِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام، فلولا زيارةُ الشيعةِ لقبورِهم لاندرسَ الدّينُ وطُمسَت معالمُه واندثرَ أثره.  

7- زيارتُهم تزيدُ في الرّزق، وتمدُّ في العُمر، وتدفعُ مواضعَ السّوء، وتوجبُ السّعادةَ الدنيويّة والأخرويّة.  

  

وغيرُها منَ الفوائدِ التي ينالُها الإنسانُ في دُنياهُ وأخراه.  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.