ما هيَ حقيقةُ تأخّرِ الصّحابةِ في دفنِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله؟

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

الأمرُ المُسلّمُ به أنَّ الرّسولَ (صلّى اللهُ عليه وآله) لم يُدفَن إلّا بعدَ ثلاثةِ أيّام، ومنَ الواضحِ عندَ الجميعِ أنَّ السّببَ في ذلكَ هو انشغالُ الصّحابةِ بأمرِ خلافتِه، حيثُ كانَ اجتماعُهم في سقيفةِ بني ساعدة يومَ الإثنين وهوَ ذاته اليومُ الذي إنتقلَ فيهِ الرّسولُ إلى الرّفيقِ الأعلى، ولم يلتفتوا لموضوعِ الدّفنِ إلّا بعدَ أخذِ البيعةِ لأبي بكرٍ مِن عامّةِ المُسلمينَ يومَ الثلاثاء وبالتالي لم يُدفَن الرّسولُ إلّا مساءَ يومِ الأربعاء، ومعَ وضوحِ الحيثيّاتِ التاريخيّةِ والملابساتِ التي رافقَت دفنَ الرّسولِ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلّا أنَّ هناكَ محاولاتٍ لتبريرِ هذا الفعلِ غيرِ اللائقِ مِن قبلِ مدرسةِ الخلفاءِ، حيثُ كانَ كلُّ ما يشغلُهم هوَ إيجادُ الأعذارِ لفعلِ الصّحابةِ، يقولُ الدّكتور محمود محمّد: (ومن تتبُّعِ السيرة نجدُ أنَّ الصّحابةَ رضوانُ اللهِ عليهم، قد انشغلوا عَن تجهيزِ الرسولِ -صلّى اللهُ عليه وسلم- ودفنِه بمسألةٍ مهمّةٍ، ألا وهيَ تنصيبُ خليفةٍ لرسولِ الله -صلّى اللهُ عليه وسلم-، فقد وردَ عنهم أنّهم (كرهوا أن يبقوا بعضَ يومٍ وليسوا في جماعةٍ).. ثمَّ يقول: ونحنُ إذ نذكرُ هذه المسألةَ لا نريدُ بها انتقادَ الصّحابةِ الكرام البتّة، معاذَ الله، بل لنُظهرَ أهميّةَ القضيّةِ التي دفعَتهم للتصرّفِ على هذا النّحو) وهذا غيرُ مقبولٍ وبخاصّةٍ أنّهُ لا يتّفقُ مع النسقِ الفكريّ لأهلِ السنّةِ، فإذا كانَ موضوعُ تعيينِ خليفةٍ بعدَ رسولِ الله (ص) بهذا المقدارِ منَ الأهميّةِ حيثُ يجعلُ الصّحابةَ يتنافسونَ في خلافتِه في سقيفةِ بني ساعدة حتّى ذهلوا عَن واجبِهم تجاهَ دفنِ رسولِ الله (ص) فلماذا لم يلتفِت رسولُ اللهِ لهذا الأمرِ ويقُم بتعيينِ مَن يكونُ خليفتَه مِن بعدِه؟ وعليهِ فإنَّ النظرةَ الموضوعيّةَ والتحليلَ التاريخيَّ بشكلٍ مُحايدٍ يقودُ حتماً إلى أنَّ ما قامَ به بعضُ الصّحابةِ هو مخالفةٌ واضحةٌ لأمرِ الرّسولِ بتنصيبِ الإمامِ عليّ (عليهِ السّلام)، وبالتّالي فإنَّ السّقيفةَ لم تكُن إلّا عنواناً للانقلابِ على خطِّ الإمامةِ وارتداداً على أهلِ البيت (عليهم السّلام)، حيثُ بدأت بوادرُ الانقلابِ عندَما سارعَ الأنصارُ للاجتماعِ في السّقيفةِ - وهيَ مظلّةٌ مصنوعةٌ مِن جريدِ النّخيلِ يستظلُّ بها الزرّاعُ والرّعاةُ خارجَ المنطقةِ السّكنيّةِ للمدينةِ المنوّرة - الأمرُ الذي يدعونا للتساؤلِ عن اختيارِ هذا المنطقةِ النائيةِ والبعيدةِ عَن أعينِ النّاسِ في حينِ إنَّ المسجدَ النبويَّ يعدُّ المكانَ المناسبَ لمثلِ هذه الاجتماعاتِ، كما أنَّ السقيفةَ مهما إتّسعَت لا تتّسعُ لأعدادٍ كبيرة؛ لأنّها غيرُ مُعدّةٍ لمثلِ هذا الحدثِ الجللِ، ممّا يعني أنَّ وقوعَها كانَ مُعدّاً له سلفاً وقد تمَّ اختيارُ الحضورِ بعنايةٍ ولم يُترَك الأمرُ للصّدفةِ ولم يفتَح البابُ لجميعِ الأنصارِ، الأمرُ الذي يؤكّدُ أنَّ الزّعامةَ السياسيّةَ بعدَ رسولِ اللهِ كانَت تمثّلُ هاجساً عندَ زعماءِ الأنصارِ ممّا جعلَ كبراءهم يبادرونَ لهذا الاجتماعِ ورسولُ اللهِ مُسجّىً لم يُدفَن بعد، واختيارُ هذا الزّمانِ وهوَ يومُ وفاةِ رسولِ اللهِ الذي يُمثّلُ الحدثَ العظيمَ الذي منَ المُفترضِ أن يهزَّ كيانَ المُجتمعِ، يؤكّدُ وجودَ نيّةٍ مُبيّتةٍ تعملُ على اغتنامِ الفُرصةِ وإبعادِ المُهاجرينَ عن المُنافسة.  

وإذا اكتملَ للأنصار ما خطّطوا له، لتغييرِ مسارِ الرّسالةِ وكانَ المُسلمونَ اليومَ يمجّدونَ سعداً بنَ عبادةَ ومِن بعدِه الحبّابَ بنَ المُنذرِ وبشيراً بنَ سعدٍ وغيرَهم منَ الأنصارِ بوصفِهم خلفاءَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) الأمرُ الذي يؤكّدُ أنَّ ما عليهِ المُسلمونَ اليوم مِن إعتقادٍ في الخلفاءِ ليسَ أكثرَ مِن نتاجٍ لفشلِ محاولةِ الأنصارِ الإنقلابيّةِ مِن أجلِ زعامةِ المُسلمين.   

ولكن لم تسرِ الرّياحُ بما يشتهي الأنصارُ فسرعانَ ما اكتشفَ أبو بكرٍ وعُمر أمرَهم وأخبروا معَهم أبو عُبيدةَ بنَ الجرّاح.

وكيفَ اكتشفَ هؤلاءِ أمرَهم دونَ غيرِهم لا نعلم؟ ومنَ المُفترضِ أنَّ هؤلاءِ آخرُ مَن يسمعُ بهذا الاجتماعِ بحسبِ ما نقلَ التّاريخُ مِن قربِهم مِن رسولِ اللهِ وشديدِ التصاقِهم به، فكيفَ جازَ لهم مفارقتُه وهوَ قد فارقَ الدّنيا لتوّه، وقد إنقلبَ الوضعُ في المدينةِ رأساً على عقبٍ بينَ باكٍ ومفجوعٍ ومصدومٍ وقد اجتمعَ النّاسُ حولَ دارِه الشّريف، فكلُّ الظروفِ تحكمُ بنجاحِ اجتماعِ الأنصارِ واستحالةِ كشفِه حتّى منَ الرّعاةِ والزرّاعِ خارجَ المدينةِ ناهيكَ عن أن يكشفَ أمرَهم أبو بكرٍ وعُمر، الأمرُ الذي يقودُنا إلى وضعِ عشراتِ الأسئلةِ التي لها علاقةٌ بمطامعِ البعضِ بخلافةِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فقد كانَ الجميعُ يتوقّعُ وفاةَ رسولِ الله وكانوا يتطلّعونَ جميعاً لخلافتِه، ولو لم يحسَّ الأنصارُ بطمعِ المُهاجرينَ في الخلافةِ لما بادروا للاجتماعِ للوقوفِ ضدَّ مطامعِ المُهاجرين، وما نقلَه لنا التاريخُ هوَ اجتماعُ الأنصارِ ولم ينقُل لنا اجتماعاً تمهيديّاً للمُهاجرينَ ومعَ ذلك لا يُستبعدُ أن يكونَ بعضُ المهاجرينَ قد عزموا أمرَهم باستلامِ السّلطةِ بعدَ رسولِ الله، الأمرُ الذي جعلَ الأنصارَ يبادرونَ للاجتماعِ في السّقيفة، ومنَ الواضحِ أنَّ الأنصارَ لم يكونوا بعيدينَ عن مراقبةِ المُهاجرينَ ولذلكَ ما إن سمعوا باجتماعِهم حتّى سارعوا لإفشالِه، وإذا ربطنا بينَ هذا النّزاعِ الذي حدثَ في السّقيفةِ وبينَ حرصِ رسولِ الله على إنفاذِ جيشِ أسامةَ وتأكيدِه على ذلكَ، ومن ثمَّ مخالفةِ أمرِه الصّريحِ في إحضارِ كتفٍ ودواةٍ ليكتُبَ لهم ما يمنعُهم منَ الاختلافِ، نتحصّلُ على نتيجةٍ مفادُها أنَّ إنفاذَ جيشِ أسامةَ وكتابةَ الوصيّةِ كلّها كانَت مِن أجلِ تحديدِ مَن يتولّى الخلافةَ بعدَ رسولِ اللهِ لقطعِ هذا النّزاعِ، وقد علمَ بعضُ الصّحابةِ بذلك ولذا عملوا بشتّى السّبلِ لمنعِ رسولِ اللهِ مِن ذلك، ولذا ما إن ماتَ رسولُ اللهِ وقبلَ دفنِه، وقعَ هذا النّزاعُ حولَ السّلطةِ ممّا تسبّبَ في تأخيرِ دفنِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله).