في زيارةِ أصحابِ الحسينِ يخاطبُ الأصحابَ بقولِه: (بأبي أنتُم وأمّي) فكيفَ يفدي المعصومُ غيرَ المعصوم؟ كيفَ يمكنُ فهمُ هذه العبارة؟  

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

تُستخدمُ عبارةُ بأبي أنتَ وأمّي عندَ العربِ لإبرازِ مكانةِ المُخاطبِ وما يتمتّعُ به مِن منزلةٍ ومكانةٍ، وهيَ بلا شكُّ درجةٌ عاليةٌ مِن إظهارِ المودّةِ والإحترامِ عندَما يفديهِ بأبيهِ وأمّه، وقد وظّفَ الإسلامُ مثلَ هذه العباراتِ في مخاطبةِ ذوي الشأنِ والمنزلةِ منَ المعصومينَ وأولياءِ اللهِ الصّالحين، ووردَ في الحديثِ الشريفِ عن رسولِ الله (ص): (لا يؤمنُ أحدُكم حتّى تكونَ ذاتي أحبَّ إليه من ذاتِه وعترتي أحبَّ إليه مِن عترتِه)، وقد إختصرَ بعضُ فقهاءِ العامّةِ إستخدامَ ذلكَ في حقِّ الرّسولِ دونَ غيرِه في حينِ خالفَ آخرونَ بجوازِ ذلكَ في حقِّ العلماءِ والصّالحينَ والأخيارِ، أمّا بحسبِ رواياتِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) فقد علّقَت الأمرَ على حياةِ الوالدينِ أو موتِهما، فإن كانا حيّينِ فلا يجوزُ إستخدامُ هذه العبارةِ في غيرِ حقِّ المعصومينَ لأنَّ في ذلكَ عقوقاً لهما، كما في روايةِ الإمامِ الكاظم (عليه السّلام) في مَن لا يحضرُه الفقيهُ للصّدوقِ قوله: (سُئلَ أبو الحسنِ موسى بنُ جعفرٍ عن الرّجلِ يقولُ لإبنِه أو لابنتِه: بأبي أنتَ وأُمّي، أو بأبَويَّ أنت. أترى بذلك بأساً؟ فقالَ: إن كانَ أبواهُ حيَّينِ فأرى ذلكَ عقوقاً، وإن كانَ قد ماتا فلا بأس) (مَن لا يحضرُه الفقيه: ج1، ص187)، وما لم يقَع فيهِ خلافٌ بين الفقهاءِ هو جوازُ أن يُفتدى المعصومُ من قِبَل غيرِه، بنفسِه أو بأبويهِ، إستناداً على الكثيرِ منَ النّصوصِ التي خاطبَ فيها أصحابُ الأئمّةِ أئمّتَهم بهذهِ العبارةِ ولم ينهوهم، بل إنّ الأئمّةَ علّموا أصحابَهم زياراتٍ خاصّةً مُتضمّنةً هذه العبارةِ كما في الزيارةِ الجامعةِ: (بأبي أنتُم وأُمّي ونفسي وأهلي ومالي، مَن أرادَ اللهَ بدأ بكم... بأبي أنتُم وأُمّي ونفسي وأهلي ومالي، ذِكرُكم في الذاكرينَ... بأبي أنتُم وأُمّي ونفسي، كيفَ أصِفُ حُسنَ ثنائِكم؟!) وغير ذلكَ من الزّياراتِ المخصوصة.  

أمّا موضعُ الإشكالِ والسّؤالِ هو كيفَ يفدي المعصومُ مَن هوَ دونَه كما في زيارةِ شُهداءِ الطفِّ، والتي جاءَ فيها (السّلامُ عليكم يا أنصارَ أبي عبدِ الله، بأبي أنتُم وأُمّي، طبتُم وطابتِ الأرضُ التي فيها دُفنتم...) فمنَ المُسلّمِ به أنَّ المعصومَ والإمامَ المُفترضَ الطاعةِ لا يقاسُ بغيرِه فكيفَ قال الإمامُ الصّادقُ في حقِّ شهداءِ الطفِّ (بأبي أنتُم وأمي) فوالدُ الإمامِ الصّادقِ هو الإمامُ الباقر وهو إمامٌ معصومٌ مُفترضُ الطّاعةِ فكيفَ يفتدي به مَن هوَ دونَه في الفضل؟   

هناكَ عدّةُ توجيهاتٍ وكلُّها تصلحُ لرفعِ الغموضِ والإشكالِ، وأظهرُ تلكَ التوجيهاتِ أنَّ الإمامَ في مقامِ تعليمِ كيفيّةِ زيارةِ الشهداءِ لعامّةِ الشّيعة والموالين، ويتّضحُ هذا الأمرُ بالرّجوعِ لتمامِ الرّواية التي جاءَ فيها عن أبي عبدِ الله محمّدٍ بنِ أحمد بنِ عبدِ الله بنِ قضاعة بنِ صفوانَ بنِ مهران الجمّال، عن أبيه، عن جدِّه صفوان، قالَ: استأذنتُ الصّادقَ عليه السّلام  لزيارةِ مولانا الحسينِ عليه السّلام ، فسألتُه أن يُعرِّفني ما أعملُ عليه، فقالَ: يا صفوان، صُم ثلاثةَ أيّامٍ قبلَ خروجِك، واغتسِل في اليومِ الثالث، ثمّ إجمَع إليكَ أهلَك... ثمّ توجَّه إلى الشهداءِ، وقُل: السلامُ عليكم يا أولياءَ الله وأحبّاءَه... السلامُ عليكم يا أنصارَ أبي عبدِ الله، بأبي أنتُم وأُمّي، طبتُم وطابَت الأرضُ التي فيها دُفنتم...) (مصباحُ المُتهجّد: ص717ـ 723) فقولُ الرّاوي (فسألتُه أن يُعرِّفني ما أعمل) ظاهرٌ في طلبِ تعلّمِ كيفيّةِ الزيارة، وبذلكَ يكونُ ما جاء على لسانِ الإمامِ الصّادق (عليه السّلام) هو في مقامِ البيانِ والتعليم، أي عليكَ أن تقولَ في زيارةِ الشّهداء كذا وكذا.  

وقد يجابُ أيضاً بأنّهُ ليس بالضّرورةِ أن يكونَ المُفدَّى أفضلَ منَ المفدي، وإنّما تستخدمُ العبارةُ لبيانِ منزلةٍ خاصّةٍ ومكانةٍ ساميةٍ للمُخاطبِ دونَ أن يكونَ له فضلٌ عليه، ومِن هذا القبيلِ قولُ الإمامِ الحُسينِ عليهِ السّلام  لأبي الفضلِ العبّاس، عندَما ركبَ جوادَه: (إركَب بنفسي أنت) فظاهرُ العبارةِ أنَّ الإمامَ إفتدى بنفسِه أخاهُ العبّاسَ مع أنَّ الحُسينَ (عليه السّلام) أفضلُ منه، وعليه فإنَّ الإمامَ أرادَ بيان َما عليه الشهداءُ من منزلةٍ ومقامٍ ولذا قالَ مباشرةً بعد تلكَ العبارة (طبتُم وطابت الأرضُ التي فيها دُفنتم) إظهاراً لمنزلتِهم وبياناً لكرامتِهم، وعليه ليسَ الإمامُ في مقامِ المُقارنةِ أو بيانِ الأفضليّة وإنّما في مقامِ بيانِ ما عليه الشّهداءُ من فضلٍ ومنزلة. وقد يقالُ أيضاً أنّها لا تُحمَلُ على الحقيقةِ وبخاصّةٍ إذا لم يكُن الوالدانِ على قيد الحياة إذ كيفَ يفتدي بهم وهُم أمواتٌ، ممّا يدلُّ على أنَّ المقصودَ هو المواساةُ وإظهارُ الحزنِ والجزعِ كما يقولُ المازندراني في شرحِ أصولِ الكافي: (.. أنّه ليسُ المرادُ الحقيقةَ، وإنّما هيَ على معنى الحنانةِ والبرّ؛ ولذلكَ يقولُ ذلك أيضاً مَن ليسَ لهُ أبٌ وأُمٌّ موجودان) (شرحُ أصول الكافي: ج5، ص330)