هندُ زوجةُ يزيد   

هل صحيحٌ أنَّ هند زوجةَ يزيد كانَت مواليةً لآلِ البيتِ و كانَت ممَّن تشرّفوا بخدمةِ بناتِ الرّسالة ؟   

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

يظهرُ من بعضِ النّصوصِ التاريخيّةِ أنّها كانَت مُحبّةً لأهلِ بيتِ رسولِ الله (ص)، فإنّها قد أنكرَت على يزيد قتلَه ريحانةَ رسولِ اللهِ (ص)، وتعليقَ رأسِه على بابِ دارِه! وأنّ أمّها كانَت زوجةً للإمامِ الحسن (ع).  

ـ روى الخوارزميُّ في مقتلِه قالَ: وذكرَ أبو مخنف وغيرُه: أنّ يزيد أمرَ أن يُصلبَ الرّأسُ الشريفُ على بابِ دارِه، وأمَر أن يُدخلوا أهلَ بيتِ الحسينِ دارَه، فلمّا دخلتِ النسوةُ دارَ يزيد لم تبقَ إمرأةٌ مِن آلِ معاويةَ إلاّ إستقبلتهنَّ بالبكاءِ والصّراخِ والنياحةِ والصّياحِ على الحُسين، وألقينَ ما عليهنَّ منَ الحليّ و الحللِ وأقمنَ المأتمَ عليهِ ثلاثةَ أيّام، وخرجَت هندُ بنتُ عبدِ اللّهِ بنِ عامر بنِ كريز إمرأةُ يزيد، وكانَت قبلَ ذلكَ تحتَ الحسينِ بنِ عليّ عليهما السّلام فشقَّت السترَ وهيَ حاسرةٌ، فوثبَت على يزيد، و قالت: أرأسُ إبنِ فاطمةَ مصلوبٌ على بابِ داري؟ فغطّاها يزيدُ وقالَ: نعم، فاعوِلي عليهِ يا هندُ وابكي على إبنِ بنتِ رسولِ اللهِ وصريخةِ قُريش، عجّلَ عليه إبنَ زياد فقتلهُ قتله الله. (مقتلُ الحسين للخوارزمي: 2 / 74، وتسليةُ المجالسِ لمحمّد بنِ أبي طالب: 2 / 399).  

ونقلهُ الطبريُّ وغيرُه باختلاف يسير، وليسَ فيه أنّ هند كانَت زوجةً للحُسين (ع). (تاريخُ الطبري: 4 / 356).  

  

نعم، وردَ أنّ هند بنتَ سهيل بنِ عمرو، زوجةُ عبدِ اللهِ بنِ عامر بنِ كريز الملقّبة بأمّ أبيها، كانَت زوجةً للإمامِ الحسنِ (ع) – على المشهورِ – أو كانَت زوجةً للإمامِ الحُسين (ع) – على بعضِ الرّوايات –  حيثُ روى المؤرّخونَ أنّ عبدَ اللهِ بنَ عامر – والدَ هند زوجةَ يزيد - طلّقَ زوجتَه هند بنتَ سهيل بنِ عمرو – في حادثة ذكرَها الخوارزميُّ وغيرُه – فأرسلَ معاويةُ أبا هريرةَ ليخطبَها لابنِه يزيد، فعلمَ الإمامُ (ع) بذلك، فقالَ له: أذكُرني عندَها، فوافقَت على الزّواجِ منَ الإمام (ع)، فتزوّجَها وبقيَت فترةً منَ الزّمنِ عندَه.  

ثمَّ بعدَ مدّة طلبَ عبدُ اللهِ بنُ عامر بنِ كريز منَ الإمامِ (ع) أن يلتقي بطليقتِه ويراها لأنّهُ تركَ عندَها ودائعَ، فوافقَ الإمامُ (ع)، ثمَّ عرضَ الإمامُ على عبدِ اللهِ بنِ عامر إن أحبّ أن يُطلّقها، ويرجعانِ إلى بعضِهما حيثُ قالَ له الإمام: أنا نعمَ المُحلّلِ لكُما. أكثرُ الرّواياتِ تشيرُ إلى أنّه وافقَ، فطلّقها الإمامُ (ع)، ورجعَت لزوجِها عبدِ اللهِ بنِ عامر. وبعضُ الرّواياتِ تشيرُ إلى أنّهُ لم يرجِع إليها مباشرةً، وطلبَت زوجتُه هند أن يرسلَ إليها إبنتَها، فوافقَ طليقُها على ذلك، وبقيَت إبنتُها عندَ أمِّها في بيتِ الإمام (ع).  

والظاهرُ أنّ إبنتَها هيَ هندُ بنتُ عبدِ اللهِ بنِ عامر والتي زوّجَها أباها مِن يزيد بنِ معاوية (لع).  

ـ روى إبنُ سعد ( ت 230 هـ ) وغيرُه بالإسنادِ عن إبنِ سيرين ، قالَ : كانَت هندُ بنتُ سهيل بنِ عمرو عندَ عبدِ الرّحمنِ بنِ عتاب بنِ أسيد وكانَ أبا عذرتها فطلّقها ، فتزوّجَها عبدُ اللهِ بنُ عامر بنِ كريز ثمَّ طلّقها ، فكتبَ معاويةُ إلى أبي هريرةَ أن يخطبَها على يزيد بنِ معاوية ، فلقيَهُ الحسنُ بنُ عليّ فقالَ : أينَ تريد ؟  

قالَ : أخطبُ هندَ بنتَ سهيل بنِ عمرو على يزيد بنِ معاوية ، قالَ : إذكُرني لها ، فأتاها أبو هريرةَ فأخبرَها الخبرَ ، فقالَت : خِر لي ، قالَ : أختارُ لكِ الحسنَ ، فتزوّجَها ، فقدمَ عبدُ اللهِ بنُ عامر المدينةَ فقالَ للحسنِ : إنَّ لي عندَها وديعةً ، فدخلَ إليها والحسنُ معه وجلسَت بينَ [ يديه ] فرقّ إبنُ عامر ، فقالَ الحسنُ : ألا أنزلُ لكَ عنها ؟ فلا أراكَ تجدُ مُحلِّلاً خيراً لكما منّي ، فقالَ : وديعتي ، فأخرجَت سِفطينِ فيهما جوهرٌ ففتحَهُما فأخذَ من واحد قبضةً وتركَ الباقي. (الطبقاتُ الكُبرى لابنِ سعد: 6 / 375، أنسابُ الأشرافِ للبلاذري: 3 / 21).  

ـ وروى إبنُ حمدون (ت 562 هـ): قالَ معاويةُ لابنِه يزيد: هل بقيَ في نفسِك منَ النّساءِ شيءٌ؟ قالَ نعم، هندُ بنتُ سهيل بنِ عمرو، وكانَت يومئذ عندَ عبدِ اللَّه بنِ عامر. فكتبَ معاويةُ إلى عبدِ اللَّه: إنّكَ إن طلَّقتَها زوّجتُكَ بنتي هنداً. قالَ: فطلَّقها ابنُ عامر، فقدمَت المدينةَ، فأرسلَ معاويةُ بأبي هريرةَ يخطبُها على يزيد ابنِه ويتلطَّفُ لها في ذلكَ. قالَ: فلقيَهُ الحسنُ فقالَ: لأمرِ ما قدمتَ له يا أبا هريرة، لا وقتُ حجّ ولا غيره! قال: بعثَني معاويةُ أخطبُ هند بنتَ سهيل بن عمرو على ابنه يزيد. قالَ: فإذا ذكرَت يزيد فاذكُرني لها بعدَه. قالَ: فدخلَ عليها أبو هريرةَ فأبلغها عنِ الحسنِ بنِ عليّ. فقالت: ما ترى لي يا أبا هُريرة؟ قال: أرى أن تتزوّجي الحسنَ، وإن استطعتِ أن تضعي فاكِ حيثُ رأيتِ رسولَ اللَّهِ (ص) وضعَ فاه، فافعلي، فتزوّجَت الحسن.  

فمكثَت عندَه، ثمَّ قدمَ إبنُ عامر المدينةَ، فاستأذنَ الحسنُ بنُ عليّ في الدخولِ عليها وقالَ: إنّ لي عندَها ودائعَ؛ فأذنَ له، فدخلَ عليها فكلَّمها، فدمعَت عينُه وعيناها! فقالَ لهُ الحسن: إن شئتُما كنتُ لكما خيرَ مُحلَّل؛ قالَ إبنُ عامر: لا واللَّه، ما لذاكَ بكائي. وطلبَت إلى إبنِ عامر أن يدع ابنتَه منها عندَها. وكلَّمهُ الحسنُ فأجابه، وقالَ: واللَّه لو غيرُك يا أبا محمّد منَ الناسِ كلَّمني ما فعلت. (التذكرةُ الحمدونية: 9 / 269).  

وهذه الرّوايةُ تنصّ على أنّ ابنتها – الظاهرُ أنّها هند زوجةُ يزيد لاحقاً – بقيَت في بيتِ الإمامِ الحسنِ (ع) مع أمّها هند.

وهذه الرّوايةُ بهذهِ الكيفيّة وبإختلاف يسير رواها الخوارزميُّ مُسنداً في مقتلِه: 1 / 149 – 150، تارةً عنِ الإمامِ الحسُين (ع) وأخرى عن الإمام ِالحسن (ع).   

ـ ونقلوا عن هند بنتِ سهيل بنِ عمرو، والدةِ هند زوجةِ يزيد، حادثةً على نقل، روى ابنُ سعد بالإسنادِ عن ابنِ أبي مليكة ، قالَ : تزوّجَ الحسنُ بنُ عليّ خولةَ بنتَ منظور ، فباتَ ليلة ًعلى سطح أجم ، فشدّت خمارَها برجلِه والطرفُ الآخرُ بخلخالِها ، فقامَ منَ الليلِ فقالَ : ما هذا ؟ قالت : خفتُ أن تقومَ منَ الليلِ بوسنِك فتسقطَ فأكونُ أشأمَ سخلة على العربِ ، فأحبّها فأقامَ عندَها سبعةَ أيّام .  

فقالَ ابنُ عمر : لم نرَ أبا محمّد منذُ أيّام ، فانطلقوا بنا إليه ، فأتوه ، فقالت لهُ خولة : احتبسهُم حتّى نهيئَ لهم غذاءً ، قالَ : نعم ، قالَ ابنُ عمر : فابتدأ الحسنُ حديثاً ألهانا بالإستماعِ إعجاباً بهِ حتّى جاءنا الطّعام .  

قالَ عليٌّ بنُ محمّد : وقالَ قومٌ : التي شدَّت خمارَها برجلِه هندُ بنتُ سهيل ابن عمرو. (الطبقاتُ الكُبرى لابنِ سعد: 6 / 377، تاريخُ دمشقَ لابن عساكر: 13 / 248).  

ـ ونقلَ عمادُ الدينِ الطبري ( ق 7 هـ ) قائلاً: و جاءَ في الحاويِة: أنّ يزيدَ شرب خمراً، وسكبَ فضلتَه على رأسِ الحُسين (عليه السّلام)، فغسلَت زوجةُ يزيد الرّأسَ الشريفَ بالماءِ و ماءِ الورد، فرأت فاطمةَ بالليلِ بعالمِ الرّؤيا وهيَ تعتذرُ إليها، ثمّ أمرَ يزيدُ أن يُحمَلَ رأسُ الحسينِ ورؤوسَ أهلِ بيته إلى أبوابِ المدينةِ فتُنصبَ عليها. (كاملُ البهائي: 2 / 234).  

ويبدو أنّها هند المُحبّةُ لأهلِ بيتِ النبي (ص).  

ـ وروى العلّامةُ المجلسي وغيرُه قالَ: رويَ في بعضِ مؤلّفاتِ أصحابنا مُرسلاً: ..... قال : ونقلَ عن هند زوجةِ يزيد قالت : كنتُ أخذتُ مضجعي فرأيتُ باباً منَ السّماءِ وقد فُتحَت ، والملائكةُ ينزلونَ كتائبَ كتائب إلى رأسِ الحُسين ، وهُم يقولونَ : السّلامُ عليكَ يا أبا عبدِ الله ، السّلام عليكَ يا ابنَ رسولِ الله ، فبينَما أنا كذلكَ إذ نظرتُ إلى سحابة قد نزلَت منَ السّماء ، وفيها رجالٌ كثيرون ، وفيهم رجلٌ دريُّ اللونِ قمريُّ الوجه ، فأقبلَ يسعى حتّى إنكبَّ على ثنايا الحسينِ يقبلهما وهوَ يقول : يا ولدي قتلوكَ ، أتراهم ما عرفوكَ ، ومِن شُربِ الماءِ منعوك ، يا ولدي أنا جدُّكَ رسولُ الله ، وهذا أبوكَ عليٌّ المُرتضى ، وهذا أخوكَ الحسن ، وهذا عمُّكَ جعفرٌ وهذا عقيل ، وهذانِ حمزةُ والعبّاس ، ثمَّ جعلَ يُعدّدُ أهلَ بيتِه واحداً بعدَ واحد.  

قالت هندُ : فانتبهتُ مِن نومي فزعةً مرعوبةً ، وإذا بنور قد إنتشرَ على رأسِ الحُسين فجعلتُ أطلبُ يزيد ، وهو قد دخلَ إلى بيت مُظلم ، وقد دار وجههُ إلى الحائطِ وهوَ يقول : مالي وللحُسينِ ؟ وقد وقعَت عليهِ الهموماتُ ، فقصصتُ عليهِ المنامَ وهو منكّسُ الرّأس.  

قالَ : فلما أصبحَ استدعى بحرمِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله فقالَ لهنَّ : أيما أحبُّ إليكنَّ : المقامُ عندي أو الرّجوعُ إلى المدينةِ ؟ ولكم الجائزةُ السنيّةُ ، قالوا : نحبُّ أوّلاً أن ننوحَ على الحُسين ، قال : افعلوا ما بدا لكم ثمَّ أُخليَت لهنَّ الحُجرُ والبيوتُ في دمشق ولم تبقَ هاشميّةٌ ولا قرشيّةٌ إلّا ولبسَت السّوادَ على الحُسين ، وندبوهُ على ما نُقلَ سبعةَ أيّام ، فلمّا كانَ اليومُ الثامنُ دعاهنَّ يزيد ، وأعرضَ عليهنَّ المقامَ فأبينَ وأرادوا الرّجوعَ إلى المدينةِ ، فأحضرَ لهم المحاملَ وزيّنَها وأمرَ بالأنطاعِ الإبريسم ، وصبَّ عليها الأموالَ وقال : يا أمَّ كلثوم خذوا هذا المالَ عوضَ ما أصابَكم.  

فقالت أمُّ كلثوم : يا يزيد ما أقلَّ حياءَك وأصلبَ وجهَك ؟ تقتلُ أخي وأهلَ بيتي وتُعطيني عوضَهم؟ (بحارُ الأنوار: 45 / 196، المنتخبُ للطريحي ص452، مدينةُ المعاجز للبحراني: 4 / 137).  

  

ـ وهندُ هذه هي فاختة بنتُ عبدِ اللهِ بنِ عامر، وتلقّبُ بأمِّ كلثوم.  

قالَ ابن عساكر: فاختةُ بنتُ عبدِ الله بنِ عامر بنِ كريز بنِ ربيعة بن حبيب بنِ عبدِ شمس، أمُّ كلثوم العبشمية، زوجُ يزيد بنِ معاوية كانَت عندَه بدمشقَ ولهُ فيها شعرٌ ولمّا قُتلَ الحسينُ بنُ عليّ أكبرَت قتلهُ وأقامَت عليه المناحةَ. (تاريخُ دمشق: 70 / 4).  

وقالَ أيضاً: هندُ بنتُ عبدِ اللهِ بنِ عامر بنِ كريز ابنِ ربيعةَ بنِ حبيب بنِ عبدِ شمس العبشمية القرشية.

 زوجُ يزيد بنِ معاوية، لها ذكرٌ في حديثِ مقتلِ الحسينِ ذكرتُه في ترجمةِ أبي برزةَ نضلة بنِ عبيد. (تاريخُ دمشق: 70 / 166).  

وقالَ أيضاً: أمُّ كلثوم بنتُ عبدِ اللهِ بنِ عامر بنِ كريز بنِ حبيب إبنِ عبد شمس بنِ عبدِ مناف بنِ قصي بنِ كلاب.  

زوجُ يزيد بنِ معاوية امرأةٌ عاقلة لها ذكرٌ. (تاريخُ دمشق: 70 / 259).  

  

ويظهرُ من جميعِ ذلكَ أنّ ابنةَ عبدِ اللهِ بنِ عامر بنِ كريز، زوجةُ يزيد، هيَ هند، واسمُها الآخرُ فاختة، وتُكنّى بأمِّ كلثوم.  

وهي صاحبةُ الموقفِ التاريخي والتي إستنكرَت فيها على يزيد قتلَ ريحانةِ رسولِ الله (ص).  

  

وعليه:  

1ـ إنّ هند بنتَ سهيل، زوجةَ عبدِ اللهِ بنِ عامر، كانَت زوجةً للإمامِ الحسنِ أو الحسين (ع) لفترة من الزّمن.  

2ـ إنّ هندَ بنتَ عبدِ اللهِ بنِ عامر زوجةَ يزيد كانَت تعيشُ مع أمّها هند زوجةِ الإمامِ (ع) في بيتِ الإمامِ – الحسنِ أو الحسين - لفترة من الزّمن. فهيَ ربيبةُ بيتِ النبوّةِ لفترة من الزّمنِ، ثمَّ زوّجَها أبوها مِن يزيد، ومحبّتُها لعترةِ رسولِ الله (ص) جاءَت من تلكَ المدّةِ التي عاشَتها مع أمّها في بيتِ الإمامِ الحسن (ع)، وبها تعرّفَت على بناتِ رسولِ الله (ص).

3ـ إنفردَ الخوارزميُّ في النقلِ أنّ هندَ بنتَ عبدِ اللهِ بنِ عامرٍ بنِ كريز كانَت زوجةً للإمامِ الحُسين (ع)، ولا شاهدَ تاريخيّ عليه، ولعلَّ الرّاوي إشتبهَ بينَها وبينَ أمّها، إذ المرويُّ – عندَ الخوارزمي نفسِه في روايةٍ – أنّ هندَ بنتَ سهيل – كانَت زوجةً للإمامِ الحُسين (ع)، فكيفَ تكونُ إبنتُها هند زوجتَه؟! هذا مضافاً إلى أنّ عبدَ اللهِ بنَ عامرٍ بنِ كريزٍ كانَ من عمّالِ معاوية، وتزويجُ إبنتِه للإمامِ الحُسين (ع) سيُغضِبُ معاوية، ولذا لن يقومَ به.  

اللهمَّ إلّا إذا قُلنا بأنّ المرادَ مِن روايةِ الخوارزمي: (( وكانَت قبلَ ذلكَ تحتَ الحُسينِ بنِ علي عليهما السّلام)) يقصدُ أنّها كانَت ربيبتَه، لا زوجتَه، أو هُنا سقطٌ، فتكونُ الجملةُ هكذا: وكانَت أمُّها قبلَ ذلكَ تحت الحسينِ بنِ علي عليهما السّلام.  

4- إنّ هند زوجةَ يزيد لها موقفٌ مُشرّفٌ، حيثُ قامَت وأنكرَت على زوجِها قتلَ ريحانةِ رسولِ الله (ص)، وقامَت بغسلِ رأسِ أبي عبدِ الله الحُسين (ع)، والرؤيا التي رأتها رؤيا حسنة.  

  

ـ وأمّا والدُها: عبدُ اللهِ بنُ عامرٍ بنِ كريز فهو:   

1ـ ناصبيٌّ خبيثٌ، مِن أهمِّ رجالِ بني أميّة، وسيفُهم الضّاربةُ، ووالدُه عامرٌ مِن مُسلمةِ الفتح.  

2- وُلدَ عبدُ اللهِ بنُ عامرٍ سنةَ 4 بعد الهجرةِ في مكّة، ولمّا توفيَ سنةَ 59 هج، أبّنَه معاويةُ بقولِه: يرحمُ اللهُ أبا عبدِ الرّحمنِ بمَن نُفاخرُ وبمَن نُباهي. (الطبقاتُ الكُبرى لابنِ سعد: 5 / 49).  

3ـ هوَ إبنُ خالِ عثمانَ بنِ عفان، ولّاهُ البصرةَ وكانَ عمره 25 سنةَ، ثمَّ ولّاه فارس، فافتتحَت خراسانُ كلّها في زمنِه. (المستدركُ على الصّحيحين: 3 / 639).   

4- وهو أحدُ مَن كاتبَه عثمانُ بنُ عفّان بأنّ المدينةَ خرجَت عليه، فأرسلَ إليه جيشاً من البصرةِ، لفكِّ الحصارِ عنه، ولكن لمّا وصلَ الجيشُ إلى أعتابِ الحجاز، بلغَهم مقتلُ عثمان، فرجعوا وأخبروا إبنَ عامرٍ بمقتلِه، فذهبَ وأخلى بيتَ مالِ البصرةِ منَ الأموال. (تاريخُ دمشق: 29 / 262).   

5ـ وهو أوّلُ مَن رفعَ شعارَ الطلبِ بدمِ عُثمان! (الثقاتُ لابنِ حبان: 2 / 274 - 277)  

6ـ وكان له دورٌ كبيرٌ في التحريضِ على أميرِ المؤمنيَن (ع) ومُحاربتِه، لأنّ الإمامَ (ع) عزلهُ عن ولايةِ البصرة، وأرسلَ مكانَه عثمانَ بنَ حنيف، وهو الذي شجّعَ طلحةَ والزّبير على نكثِ البيعة! وأخرجَ طلحةَ والزّبيرَ وعائشة إلى البصرةِ، فقاتلوا أميرَ المؤمنين (ع)، وقُتلَ إبنُه عبدُ الرّحمن في معركةِ الجمل، فولّى وجهَه صوبَ معاوية، وبقيَ في الشّام. (خصائصُ الأئمّةِ للشريفِ الرّضي ص61، مناقبُ إبنِ شهرِ آشوب: 2 / 335، بحارُ الأنوارِ: 32 / 168، المصنّفُ لعبدِ الرزّاق: 5 / 456، تاريخُ دمشق: 29 / 262).  

7- لمّا قُتلَ أميرُ المؤمنين (ع) أرسلَ معاويةُ عبدَ اللهِ بنَ عامرٍ بنِ كريز لمحاربةِ الإمامِ الحسن (ع)، فخرجَ الإمامُ لمُحاربتِه، وخطبَ إبنُ عامر بجيشِ العراقِ وثبّطهم عن نُصرةِ الإمام، فكرهوا القتالَ، وخذلوا الإمامَ، فانصرفَ الإمامُ الى المدائنِ، فحاصرَه عبدُ اللهِ بنُ عامر بها، وكانَ هو الوسيط بينَ الإمامِ الحسنِ ومعاوية وهو حاملُ رسالةِ وشروطِ الإمام، والشاهدَ على مُعاهدةِ معاوية وموافقتِه على شروطِ الإمام الحسن(ع). (الأخبارُ الطوالُ للدينوري ص216).  

8ـ ولا زالَ مع معاوية، حتّى ولّاهُ معاويةُ البصرةَ، ثمَّ عزلَه عنها، بسببِ شكايةِ النّاسِ عليه، وولّى مكانَه زيادَ بنَ أبيه. (الإستيعابُ لابنِ عبدِ البر: 3 / 933 وما بعدُ، تاريخُ دمشقَ لابنِ عساكر: 28 / 12 و: 29 / 265).  

9ـ زوّجَ معاويةُ إبنتَه هند وعمرُها تسعَ سنوات، لعبدِ اللهِ بنِ عامرٍ بن كريز، الذي تجاوزَ الخمسينَ عاماً، فامتنعَت عليهِ ليلةَ زفافِها فضربَها، فأخبروا معاويةَ، فجاءَ ولامَه، ثمَّ أقنعَها بالعيشِ معه، فلانَت له ودخلَ بها! ولكنّ عبدَ اللهِ بنَ عامر، بعدَ فترةٍ قصيرةٍ ردّها إلى بيتِ أبيها معاوية، وتعلّلَ أنّهُ شيخٌ، وهيَ صغيرةٌ، ووددَت أن تزوّجَها فتىً يليقُ بها. (تاريخُ دمشق: 70 / 187، وما بعد، المستدركُ على الصّحيحين: 3 / 639).  

ولعلّهُ ندمَ من تطليقِ زوجتِه هند بنتِ سهيلٍ بنِ عمرو، وعلمَ بأنّها إختارَت الإمامَ الحسنَ (ع)، فصارَ يأملُ إرجاعَها، ولا يمكنُ ذلكَ وبنتُ معاوية في بيتِه.  

10- ولدَ عبدُ اللهِ بنُ عامر سنةَ أربعةٍ بعدَ الهجرة، كما نقلَه إبنُ سعدٍ في الطبقاتِ، ولا يصحُّ ما نقلَه المتأخّرونَ أنّ عمرَه كانَ ثلاثةَ عشرَ سنة، عندَ وفاةِ النبي (ص). فإنّهم كبّروا سِنّهُ، وقدّموا تاريخَ ولادتِه، لكي يحشروه في الصّحابةِ، ويثبتوا له الرّؤيةَ، ويصحّحوا له حديثَ: مَن قُتلَ دونَ ماله فهوَ شهيد! كي تُعطى له حصانةُ عدالةِ الصّحابة، معَ أنّهُ كانَ سيفاً من سيوفِ بني أمية، ناصبيّاً أمويّاً خبيثاً، كلّ ذلكَ تقديراً لطلبِه بدمِ عثمان، ووقوفِه معَ معاوية!   

ومنَ الشواهدِ أنّهم نقلوا أنّ عثمانَ ولّاه البصرةَ سنة 29 هج ، وعمرُه آنذاك 24 أو 25 سنة، وهذا يعني أنّهُ ولدَ سنةَ أربعة ٍللهجرة. (تاريخُ دمشق: 29 / 256).  

11ـ ما ذُكرَ له منَ المناقبِ أنّ النبيَّ (ص) حنّكَه وتفلَ فيه، ورجا بركتَه، وأنّهُ أشبهُ النّاسِ به، فهيَ أكاذيبُ أمويّة،ٌ فإنّهم ذكروا الحادثةَ في عُمرةِ القضاءِ التي كانَت سنة 7 هجرية، مع أنّ والدَه مِن مُسلمةِ الفتحِ يعني سنةَ 8 هجرية، فكيفَ يلتئمُ هذا معَ ذاك؟! (انظُر: تاريخُ دمشق: 29 / 249).

وإن قيلَ بأنّ الحادثةَ حصلَت في فتحِ مكّة، فهل يعقلُ أن يتحوّلَ مُشركوا مكّة، بينَ ليلةٍ وضُحاها إلى طالبي البركةِ والتحنيكِ لأولادِهم مِن رسولِ الله (ص)؟! وهُم أشدُّ النّاسِ بُغضاً وعداوةً له!   

أكاذيبُ لا يصدّقُها إلّا ضعافُ العقول.