ما أهمّيّةُ الأصلِ الثّاني مِن أصولِ الدّين؟  

: السيد رعد المرسومي

 

السّلامُ عليكم ورحمة الله،  

المقصودُ بالأصلِ الثاني مِن أصولِ الدّين هوَ بعثةُ الأنبياءِ عليهم السّلام بعدَ بيانِ الأصلِ الأوّلِ وهو توحيدُ اللهِ تعالى، وقد بيّنَ العلماءُ أهمّيةَ الأصلِ الثاني مِن أصولِ الدّين، إذ ذكروا أنّ بعثةَ الأنبياءِ عليهم السّلام ضرورةٌ لا بُدَّ منها، وأنّ البشرَ لا يمكنُهم الإستغناءُ عن الأنبياءِ عليهم السّلام مهما بلغوا منَ العلمِ والحضارةِ والرّقي، وهذا ما عبّروا عنهُ بقولِهم: إنّ بعثَ الأنبياءِ لطفٌ منَ اللهِ تعالى، بمعنى أنّها رحمةٌ للبشرِ لا يمكنُ الإستغناءُ عنها. وأهمُّ الوجوهِ التي ذكروها لإثباتِ ذلك ما يلي:  

الوجه الأوّلُ: معونةُ العقلِ في التعرّفِ على اللهِ تعالى ثمّ عبادتِه، وتوضيحِ ذلك: إنّ الإنسانَ وإن كانَ قادراً على التعرّفِ على اللهِ تعالى وتوحيدِه مِن خلالِ البراهينِ العقليّةِ، إلّا أنّ العقلَ كثيراً ما تختلطُ عليه الشبهاتُ والملابساتُ ويفقدُ حسّهُ الفطريّ حتّى نجدَه أحياناً يشكّ في كثيرٍ منَ الحقائقِ، فمِن هُنا كانَ العقلُ بحاجةٍ إلى منبّهٍ ومساعدٍ يُنبّهه على الآياتِ الكونيّةِ ويزيلُ عنهُ الغشاوةَ ويوقظُ الفطرةَ الإنسانيّةَ، ومِن ناحيةٍ أخرى فإنّ الإنسانَ قد يصلُ بعقلِه إلى وجودِ خالقٍ لهذا الكونِ، إلّا أنّ مجرّدَ المعرفةِ لا تنفعُ الإنسانَ ولا تُسعدُ حياتَه مِن دونِ تشخيصِ الطريقِ الصّحيحِ لعبادةِ اللهِ جلّ وعلا، ومِن هُنا ترى الأنبياءَ عليهم السّلام في دعوتِهم إلى عبادةِ الله تعالى قد رسموا الطريقَ الصّحيحَ إلى ذلك. قال الإمامُ أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام: فبعثَ فيهم رسلَه، وواترَ إليهم أنبياءَه، ليستأدوهم ميثاقَ فطرتِه، ويُذكِّروهم منسيَّ نعمتِه، ويحتجّوا عليهم بالتبليغِ، ويثيروا لهم دفائنَ العقولِ، ويروهم آياتِ المقدرة؛ مِن سقفٍ فوقَهم مرفوعٍ، ومهادٍ تحتَهم موضوعٍ، ومعايشَ تُحييهم، وآجالٍ تُفنيهم، وأوصابٍ تُهرمُهم، وأحداثٍ تتابعُ عليهم. [نهجُ البلاغة 1:23].  

والوجهُ الثّاني: وضعُ المنهجِ الصّحيحِ لحياةِ الإنسان، وذلكَ لأنّ الإنسانَ بطبعهِ المدنيّ مدفوعٌ نحوَ الإجتماعِ، ولكنّه لتزاحمِ مصالحِه ونتيجةَ جهلِه ينجرُّ إلى الإختلافِ والتّفرقةِ، ولا يستطيعُ الإنسانُ بالإعتمادِ على عقلِه أن يضعَ النظامَ الإجتماعيّ الأصلحَ له لعدّةِ أسباب:  

1-النّاسُ مختلفونَ في آرائِهم وتصوّراتِهم، فليسَ منَ المتوقّعِ أن يجتمعوا على نهجٍ واحدٍ كما هوَ واقعُ الحال، فلذا سينتجُ مِن إختلافِهم تشريعاتٌ ومناهجُ تُفضي إلى صراعاتٍ وتناحر.  

2-إنّ وضعَ المنهجِ والنّظامِ لا يكفي وحدَه لإلتزامِ النّاسِ به وإقناعِهم بقبولِه، فمِن هُنا لا بدّ مِن جهةٍ قادرةٍ على دفعِ الإنسانِ بهذا الإتّجاه، وأفضلُ مَن يُمثّلُ هذهِ الجهةَ هُم الأنبياءُ عليهم السّلام عَن طريقِ الإنذارِ والتبشيرِ. قالَ تعالى: {وَمَا أَرسَلنَا مِن رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَومِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [إبراهيم : 4]، وقالَ تعالى: {لَقَد أَرسَلنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسطِ} [الحديد : 25].  

والوجهُ الثّالث: أنّ النّاسَ دائماً يحتاجونَ إلى قائدٍ ومُصلحٍ، ومجرّدُ وجودِ المبادئ والتشريعاتِ الصّالحةِ لا يكفي لإثباتِها وإحقاقِها، إذ سرعانَ ما يتآمرُ عليها الطّغاةُ والظلمةُ، وكذلكَ فإنّ النّاسَ وإن كانوا يطلبونَ العدالةَ ويرفضونَ الظّلمَ لكنّهم بحاجةٍ لمَن ينهضُ بهم ويثيرُ فيهم الحماسةَ والحميّةَ ويدفعُهم نحوَ التضحيةِ. ومِن هُنا فهُم - أي النّاسُ - لا يستغنونَ عنِ القائدِ والمُصلح، وهذا القائدُ والمُصلحُ لا يمكنُ أن يكونَ إنساناً عاديّاً غيرَ مُسدّدٍ منَ اللهِ تعالى، لأنّهُ سينحرفُ ويزلّ ، وكذلكَ فإنّه قد يُخطئ فيظنُّ ما ليسَ بعدالةٍ عدالةً بعينِها كما صنعَت الشيوعيّةُ التي طالبَت بحقوقِ العمّالِ، في حينِ لم يحصُل العمّالُ في ظلّها على شيء، فإذن: الإنسانُ كما يحتاجُ إلى دليلٍ على وجودِ اللهِ تعالى، يحتاجُ أيضاً إلى مشرّعٍ إجتماعيّ معصومٍ، وخيرُ مَن يمثّلُ ذلكَ هوَ النبيّ عليه السّلام. قالَ تعالى: {وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلَالَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ} [الأعراف : 157]. وهذا المعنى هوَ ما نقرأه في دعاءِ النّدبةِ المنسوبِ للإمامِ الحجّةِ (عج): ولئلّا يزولَ الحقّ عن مقرِّه، ويغلبَ الباطلُ على أهله. [إقبالُ الأعمالِ 1:505]. [ينظر المصادرُ الآتيةُ: أصولُ العقيدةِ للسيّدِ محمّد سعيد الحكيم (قدس)، وكتابُ دروسٍ في العقائدِ الإسلاميّة للشيخِ مكارم الشيرازيّ، ومحاضراتٌ في أصولِ الدّين للسيّدِ صدرِ الدّين].  ودمتُم سالمين.