هل إثباتُ نبوّةِ النبيّ بالكتبِ الدينيّةِ فيهِ دور؟ اي ان كلّاً منهما يثبتُ نفسَه بالإعتمادِ على اﻵخر؟

سلام الحائري/: السّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.. أرجو إعطاءَ إسمٍ لمصدرٍ تأريخيٍّ ( غيرِ ديني ) كصورةٍ لجلدِ غزالٍ أو قطعةٍ أثريّةٍ أو نحوِ ذلكَ ذُكرَ فيها إسمٌ لنبيّ ذلكَ الزّمانِ أو وصفٌ عنهُ أو أيُّ ذكرٍ يشيرُ إلى النبوّةِ للإستفادةِ مِن ذلكَ في الردِّ على مَن حصلَت لهُ شبهةُ الدّورِ و هيَ حسبَ قولِهم ( إنَّ الإستدلالَ على النبوّةِ منَ الكُتبِ الدينيّةِ هوَ بمثابةِ دورٍ و كأنَّ كلّاً منهما يثبتُ نفسَه بالإعتمادِ على اﻵخر) جزاكمُ اللهُ تعالى خيراً.

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :   

قبلَ البحثِ عَن وثائقَ تاريخيّةٍ غيرِ دينيّةٍ تثبتُ إسمَ النبي، لابدَّ أن نشيرَ إلى الإشكالِ في طبيعةِ التفكيرِ الذي بُنيَ عليه السّؤال، كما يجبُ أن نؤكّدَ على أنَّ إشكاليّةَ الدّورِ الذي تمَّ الإشارةُ إليه بأنّها ليسَت واقعيّة، وإذا إتّضحَ ذلكَ يصبحُ البحثُ عنِ الوثائقِ القديمةِ غير الدينيّةِ هوَ بحثٌ غيرُ مُبرّرٍ ولا جدوى منه.  

 أمّا بخصوصِ الإشكالِ في طبيعةِ التّفكيرِ، فمنَ الواضحِ أنَّ السّائلَ يبحثُ عن إثباتِ نبوّةِ النبيّ وليسَ إثباتَ مجرّدِ إسمِه ووجودِه في فترةٍ تاريخيّة، والدّليل ُعلى ذلكَ قوله: (إنَّ الإستدلالَ على النبوّةِ منَ الكُتبِ الدينيّةِ) بمعنى أنّهُ يبحثُ عَن إثباتِ نبوّةِ النبيّ مِن خلالِ المصادرِ التاريخيّةِ غيرِ الدينيّة، وهذا خطأٌ في طبيعةِ التفكيرِ لأنَّ وجودَ مثلِ هذهِ الوثائقِ لا يُجدي نفعاً لتحقيقِ المطلوبِ؛ وذلكَ لكونِ الوثائقِ لا تثبتُ أكثرَ مِن إسمِه وتاريخِ وجودِه ولا علاقةَ لها بكونِه نبيّاً أو ليسَ بنبي، وحينَها يكونُ الدّليلُ أخصَّ منَ المُدّعى كما يقالُ. ومنَ الواضحِ أنَّ مجرّدَ التحقّقِ مِن إسمِه ووجودِه يكفي في إثباتِه المصادر التاريخيّةِ الدينيّة بوصفِها وثائقَ تاريخيّةً لا بوصفِها مجرّدَ إيمانيّاتٍ غيبيّة.  

أمّا بخصوصِ الدّورِ فغيرُ تامٍّ سواءٌ كان قصدُه إثباتَ مجرّدَ الإسمِ أو كانَ قصدُه إثباتُ النبوّةِ، أمّا مجرّدُ إثباتِ الإسمِ فيكفي فيهِ تعريفُ النبي باسمِه أو تعريفُ مَن حولِه، وهذا ما تثبتُه الوثائقُ التاريخيّةُ الدينيّةُ وغيرُ الدينيّة ولا ميّزةَ لغيرِ الدينيّةِ على الدينيّة. أمّا إثباتُ نبوّتِه فلا يتمُّ مِن خلالِ جلدِ غزالٍ أو صخرةٍ قديمتانِ نُقشَ عليهما إسمُه وتاريخُ وجودِه، وإنّما يتمُّ ذلكَ مِن خلالِ دراسةِ ما جاءَ به مِن تعاليم وما أمرَ به مِن توجيهاتٍ وما أخبرَ بهِ مِن حقائق وغيرِ ذلكَ ممّا يشكّلُ عمودَ دعوتِه وأساسَ رسالتِه، وكلُّ ذلكَ يتمُّ التعرّفُ عليهِ مِن خلالِ المصادرِ التي إشتملَت على تلكَ الرّسالةِ، وعليهِ لا وجودَ للدّورِ طالما هناكَ موضوعانِ مُختلفانِ، ومنَ الواضحِ أنَّ الدّورَ هوَ توقّفُ إثباتِ الشّيءِ على نفسِه، كأن يقولَ: (أنا نبيٌّ) وعندَما يُسألُ ما هوَ دليلُ نبوّتِك؟ يقولُ لأنّي أنا نبي. أمّا إذا إستدلَّ على نبوّتِه بشيءٍ آخر فلا يكونُ هناكَ دورٌ، والإستدلالُ على نبوّةِ النبي مِن خلالِ رسالتِه لا يُعدُّ دوراً لأنَّ الرّسالةَ شيءٌ آخرُ غيرُه، ومِن هُنا جازَ الإستدلالَ على نبوّةِ النبيّ مِن خلالِ الكتبِ الدينيّةِ المُشتملةِ على تعاليمِه ورسالتِه.