هل قول ((يا حُسين، يا عبّاس..) هو شرك ؟

423ـ السّلامُ عليكم،  ما تفسيرُ هذهِ الآية: {إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمثَالُكُم ۖ فَادعُوهُم فَليَستَجِيبُوا لَكُم إِن كُنتُم صَادِقِينَ}، وهذهِ الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسلُبهُمُ الذُّبَابُ شَيئًا لَا يَستَنقِذُوهُ مِنهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوب}؟ وما علاقتُها بقولِنا: (يا حُسين، يا عبّاس)؟ 

: السيد عبدالهادي العلوي

 

السّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته، 

منَ الظّاهرِ أنّ قولَ اللهِ تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمثَالُكُم فَادعُوهُم فَليَستَجِيبُوا لَكُم إِن كُنتُم صَادِقِينَ} [الأعرافُ: 194]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاستَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسلُبهُمُ الذُّبَابُ شَيئًا لَا يَستَنقِذُوهُ مِنهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوبُ} [الحجُّ: 73]، في مقامِ الإحتجاجِ على المُشركينَ الذينَ يتّخذونَ أصناماً وآلهةً يعبدونَها..   

ومعنى الآيةِ الأولى: انّ هذهِ الأصنامَ التي تعبدونَها مخلوقةٌ مثلكم، لا يقدرونَ على شيءٍ لأنّهم عبادٌ مثلكم، فكما أنّكم مخلوقونَ كذلكَ هُم، بدليلِ أنّهم لا يستجيبونَ لكُم إن دعوتموهم لقضاءِ حوائجِكم، فادعوهم إن كنتُم صادقينَ في دعواكم أنّ لهُم علماً وقدرةً فانظروا إن كانوا يستجيبونَ لكم.   

ومعنى الآيةِ الثّانية: أنّ هذهِ الآلهةَ التي تعبدونَها لو شاؤوا أن يخلقوا ذباباً ـ وهوَ أضعفُ الحيواناتِ عندَكم ـ لم يقدروا عليهِ أبداً، وإن سلبَ الذّبابُ منهم شيئاً لا يمكنُهم إستردادُه منه، فهذا هوَ حالُ آلهتِكم في الإيجادِ والتّدبيرِ، حيثُ لا يقدرونَ على خلقِ ذبابٍ ولا على تدبيرِ أهونِ الأمورِ وهوَ إستردادُ ما أخذَه الذّبابُ منهم، فكيفَ يستحقّونَ العبادة؟!   

ولا يخفى أنّ معنى الآيتين الشريفتين ـ وكذا غيرَها منَ الآياتِ التي تقاربُها ـ أجنبيّةٌ عن مسألةِ الإستغاثةِ بقولِ: (يا محمّدُ، يا عليّ، يا حُسين) ونحو ذلكَ معَ إعتقادِ كونِهم عباداً مربوبينَ مخلوقينَ، فإنّ الآياتِ الكريمةَ في مقامِ الإحتجاج على المُشركينَ الذينَ يعبدونَ الآلهةَ ويدعونَها دعاء عبادة، وأينَ هذا منَ الإستغاثةِ بالمخلوقِ مع إعتقادِ كونِها مخلوقة؟!   

والنّسبةُ بينَ العبادةِ والدّعاءِ ـ وهيَ النّداءُ لغةً ـ هي نسبةُ العمومِ والخصوصِ مِن وجهٍ ـ حسبَ إصطلاحِ علمِ الميزانِ ـ، بمعنى أنّ المفهومينِ يلتقيانِ في موردٍ ويفترقُ كلٌّ منهما في موردٍ يختصّ به.. فتجتمعُ العبادةُ والدّعاءُ في دعاءِ مَن يعتقدُ فيهِ الدّاعي بأنّه إلهٌ ومدبّرٌ بالإستقلالِ، فيراهُ مُستحقّاً للعبادةِ فيدعوهُ لقضاءِ حوائجِه، كما في دعاءِ المؤمنينَ وتضرّعِهم للهِ تعالى وكما في دعاءِ المُشركينَ لآلهتِهم، فإنّه دعاءٌ وعبادةٌ في نفسِ الوقت. وتفترقُ العبادةُ عنِ الدّعاءِ في مثلِ الرّكوعِ والسّجودِ للهِ تعالى والصّومِ ونحو ذلك، فإنّ هذهِ الأفعالَ عبادةٌ ولكنّها ليسَت دعاءا. ويفترقُ الدّعاءُ عن الِعبادةِ في مثلِ دعاءِ الإنسانِ لمثلِه عندَما يناديهِ ليقضيَ لهُ حاجةً لأنّ اللهَ أقدرَه على فعلِ ذلك، كأن يناديهِ: يا فلانُ أعطِني هذا الكتابَ، أو إنصُرني، فهذهِ تُعتبرُ دعاءً ولكنّها ليسَت بعبادة.   

ومنَ المعلومِ أنّ إستغاثةَ الإنسانِ بالإنسانِ من دونِ أن يعتقدَ فيهِ شيئاً منَ الألوهيّةِ ليسَ عبادةً ولا شركاً، وما يقومُ بهِ المُسلمونَ ـ جيلاً بعدَ جيلٍ منذُ زمنِ النبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) إلى الآن ـ منَ الإستغاثةِ بالنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) والأولياءِ ليسَ عن إعتقادِهم بألوهيّتِهم أو ربوبيّتِهم، والآياتُ الكريمةُ ناظرةٌ إلى العبادةِ وإتّخاذِ الآلهةِ والمدبّراتِ مِن دونِ اللهِ، فأينَ هذا عَن ذاك؟!  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.