محاولةُ إغتيالِ النبي (ص) في العقبةِ  

152 - أسماءُ أصحابِ العقبةِ والمصادرُ التي ذكرَت أسماءَهم منَ الفريقينِ جزاكم اللهُ خيرَ الجزاء .  

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

هناكَ عقبتانِ في التاريخِ، واحدةٌ منها وقعَت فيها بيعتانِ لرسولِ اللهِ (ص) في سنتينِ مُتتاليتينِ، والأخرى عقبةُ المؤامرةِ لإغتيالِ وتصفيةِ النبيّ (ص).  

بيعةُ العقبةِ الأولى: حيثُ بايعَ إثنا عشر رجلاً منَ الأنصارِ رسولَ اللهِ (ص) في مكّةَ بقربِ مِنى، وذلكَ في السنةِ الثانيةَ عشرَ منَ البعثة.  

بيعةُ العقبةِ الثّانية: حيثُ إجتمعَ سبعونَ رجلاً منَ الأوسِ والخزرجِ برسولِ اللهِ (ص) في نفسِ المكانِ في السنةِ التي تلت بيعةَ العقبةِ الأولى، وبايعوهُ، وتبنّوا قضيّتَه وإحتضنوها.  

عقبةُ المؤامرةِ : وهوَ المكانُ الذي قرّرَ فيهِ أئمّةُ النّفاقِ أن يغتالوا رسولَ اللهِ (ص) ويفتكوا بهِ ويرموا بهِ إلى بطنِ الوادي، وهيَ عقبةٌ تقعُ في طريقِ تبوك، ولا ربطَ لها بعقبةِ البيعةِ المُتقدّمةِ، وذلكَ في السنةِ التّاسعةِ منَ الهجرةِ، ولكنَّ اللهَ أفشلَ مؤامرتهم وفضحَهم، وكشفَ النبيُّ (ص) أسماءَهم لحذيفةَ وعمّار، وكانَ أميرُ المؤمنينَ (ع) وأمُّ سلمةَ وعقيلٌ بنُ أبي طالب يعلمونَ بأسمائِهم أيضاً.  

وهذهِ الحادثةُ تُعدُّ مِن أبشعِ الجرائمِ في تاريخِ الإسلامِ، حيثُ إنّ أئمّةَ النّفاقِ والكُفرِ إجتمعوا وتآمروا على قتلِ رسولِ اللهِ (ص)، وكانوا يُمثّلونَ قوّةً وقدرةً بحيثُ أخفيَت أسماؤهم منَ التّاريخِ! واُبدلَت بأسماءَ أخرى ! وتآمرَ المؤرّخونَ والمُحدّثونَ على إخفاءِ أسمائهم !  

ولكنَّ الحقيقةَ لن تغيبَ، والشّواهدُ والقرائنُ التاريخيّةُ تقودنا إلى الحومِ حولَ أسمائهم، وربّما التّصريحِ بها في بعضِ النقولاتِ المُعتبرة.  

  

مؤامرةُ العقبةِ في القرآنِ الكريم:  

ولأهميّةِ وخطورةِ الحادثةِ نزلَت آياتٌ قرآنيّةٌ تؤرّخها، فإلى أينَ المهربُ ! قالَ تعالى: { يَحلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كَلِمَةَ الكُفرِ وَكَفَرُوا بَعدَ إِسلَامِهِم وَهَمُّوا بِمَا لَم يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَن أَغنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضلِهِ فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيرًا لَّهُم وَإِن يَتَوَلَّوا يُعَذِّبهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم فِي الأَرضِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ .} [التوبةُ 74]  

قالَ الواحديُّ: قوله تعالى: ( وهمّوا بما لم ينالوا ) قالَ الضحّاكُ: همّوا أن يدفعوا ليلةَ العقبةِ وكانوا قوماً قد أجمعوا على أن يقتلوا رسولَ اللهِ (ص) وهُم معَهُ يلتمسونَ غرّتَه حتّى أخذَ في عقبةٍ، فتقدّمَ بعضُهم وتأخّرَ بعضُهم وذلكَ كانَ ليلاً قالوا: إذا أخذَ في العقبةِ دفعناهُ عَن راحلتِه في الوادي، وكانَ قائدَه في تلكَ اللّيلةِ عمّارٌ بنُ ياسر وسائقُه حذيفةَ، فسمعَ حذيفةُ وقعَ أخفافِ الإبلِ، فالتفتَ فإذا هوَ بقومٍ مُتلثمينَ، فقالَ: إليكم يا أعداءَ اللهِ فأمسكوا، ومضى النّبيُّ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ حتّى نزلَ منزلَه الذي أرادَ، فأنزلَ اللهُ تعالى قولَه: { وهمّوا بما لم ينالوا }. (أسبابُ النّزولِ ص 170)   

وانظُر: تفسيرَ الفخرِ الرّازي: 17 / 137، والجامعَ لأحكامِ القرآنِ للقرطبي: 8 / 207 وغيرَهما.  

  

محاولاتٌ لإخفاءِ الأسماءِ الحقيقيّةِ:  

جرَت ترتيباتٌ كثيرةٌ لإخفاءِ الأسماءِ الحقيقيّةِ لأبطالِ هذهِ الجريمةِ، فمِن تلكَ الأمور:  

أوّلاً: إلصاقُ التهمةِ بالأنصارِ، وإبعادُ القرشيّينَ عنها: حيثُ رووا عَن نافعٍ بنِ جبيرٍ بنِ مطعم (ت 99 هج) أنّهُ قالَ: لم يُخبِر رسولُ اللهِ (ص) بأسماءِ المُنافقينَ الذينَ بخسوا بهِ ليلةَ العقبةِ بتبوك غيرَ حذيفةَ، وهُم إثنا عشرَ رجلاً ليسَ فيهم قرشيٌّ، وكلّهم منَ الأنصارِ أو مِن حلفائِهم. (تاريخُ دمشقَ لإبنِ عساكرَ: 12 / 277، تهذيبُ الكمالِ للمزي: 5 / 505).   

والسّؤالُ: إن لم يعلم بهم غيرُ حذيفةَ، فكيفَ علمَ هذا التابعيُّ بعدمِ وجودِ قرشيٍّ بينَهم؟! وإن علمَ بأسماءِهم فلماذا أخفاها ولم ينشُرها؟! 

وهذا يكشفُ عَن وجودِ تسريباتٍ تتّهمُ القرشيّينَ بذلكَ، ولذا قامَ بنفي ذلكَ، وإلصاقِ التهمةِ بالأنصار! 

وأئمّةُ أهلِ البيتِ (ع) وبعضُ الرّواياتِ والأقوالِ التي ستأتي تكذّبُ قولَ نافعٍ بنِ جبير وتؤكّدُ أنّ أغلبَهم مِن قريش.  

قالَ الطبرسيُّ : وقالَ الباقرُ عليهِ السّلام : كانَت ثمانيةٌ منهُم مِن قريشٍ، وأربعةٌ منَ العرب. (مجمعُ البيانِ: 5 / 91)   

  

ثانياً: تقديمُ قوائمَ مزيّفةٍ، للتشويشِ على الحادثةِ، وإبعادِ التّهمةِ عنِ المجرمينَ الحقيقيّينَ، حيثُ كانَت الأخبارُ تتسرّبُ بينَ الحينِ والآخرِ بذكرِ بعضِ أسماءِ مُجرمي العقبةِ، فقامَت الجهاتُ الرسميّةُ بترتيبِ قوائمَ مُزيّفةٍ وإشغالِ النّاسِ بها، وإبعادِ النّظرِ عَن تلكَ التسريباتِ وتكذيبِها، ومحاولةِ جعلِ تلكَ القوائمِ هيَ الرّواية الرّسميّةَ التي يجبُ على المُحدّثينَ تداولها.   

هناكَ قائمتانِ مُزيّفتان:   

القائمةُ الأولى : القائمةُ التي رويَت عَن إبنِ إسحاق ( ت 151 هج ) وهُم :  

1- عبدُ اللهِ بنُ أبي   

2- سعدٌ بنُ أبي سرح   

3- أبو حاضرٍ الأعرابي   

4- عامر  

5- أبو عامر   

6- الجلّاسُ إبنُ سويدٍ بنِ الصّامت  

7- مجمعٌ بنُ جارية   

8- فليحٌ التيمي  

9- حصينٌ بنُ نمير  

10- طعمةُ بنُ أبيرق   

11- عبدُ اللهِ بنُ عيينة  

12- مرّةُ بنُ ربيع  

هذهِ القائمةُ نقلَها البيهقيُّ عَن إبنِ إسحاق في دلائلِ النبوّةِ : 5 / 258 .  

  

القائمةُ الثانيةُ : وهيَ التي رويَت عنِ الزّبيرِ بنِ بكار ( ت 256 هج) وهُم :   

1- معتبٌ بنُ قشير

2- وديعةُ بنُ ثابت   

3- جدٌّ بنُ عبدُ اللهِ بنِ نبيل   

4- الحارثُ بنُ يزيدٍ الطائي   

5- الجلّاسُ بنُ سويدٍ بنِ الصّامت   

6- سعدٌ بنُ زرارة   

7- قيسٌ بنُ قهد   

8- سويدٌ   

9- داعسٌ   

10- قيسٌ بنُ عمرو بنِ سهل   

11- زيدٌ بنُ اللصيتِ   

12- سلامةُ بنُ الحمام  

وهذهِ القائمةُ نقلَها الطبرانيُّ عنِ الزّبيرِ بنِ بكارٍ في المعجمِ الكبير : 3 / 166 .  

  

أقولُ: هاتانِ القائمتانِ يحومُ حولهُما شكوكٌ وتساؤلاتٌ وإشكالاتٌ كثيرةٌ نذكرُ بعضَها :  

الإشكالُ الأوّلُ: بالمقارنةِ بينَ القائمتينِ نلاحظُ أنّ الإسمَ المُشتركَ بينَ القائمتينِ هوَ الجلاسُ بنُ سويد، وهذا الرّجلُ ممَّن تخلّفَ عنِ النبيّ (ص) في غزوةِ تبوك، وبقيَ في المدينةِ ولم يرافق النبيَّ (ص) إلى تبوك، وكانَ ممَّن يثبّطُ النّاسَ عنِ الخروجِ! كما نصَّ عليهِ المُحدّثونَ والمؤرّخونَ، فكيفَ يكونُ في نفسِ الوقتِ في مكانينِ (المدينةِ وجيشِ تبوك)!!   

قالَ الواقديُّ: ويقالُ في الجلّاسِ بنِ سويدٍ: إنّهُ كانَ ممَّن تخلّفَ منَ المنافقينَ في غزوةِ تبوك فكانَ يثبّطُ النّاسَ عنِ الخروجِ. (مغازي الواقدي : 2 / 1005)   

وروى إبنُ أبي حاتمٍ بسندِه عن إبنِ عبّاس قالَ: كانَ الجلاسُ بنُ سويدٍ بنِ الصامتِ ممَّن تخلّفَ عَن رسولِ اللهِ (ص) في غزوةِ تبوك.. (تفسيرُ إبنِ أبي حاتم :6 / 1843)   

ونقلَ إبنُ كثيرٍ عن الأمويّ في مغازيهِ عَن محمّدٍ بنِ إسحاقَ بسندِه عَن كعبٍ بنِ مالكٍ قالَ: وكانَ ممَّن تخلّفَ منَ المُنافقينَ ونزلَ فيهِ القرآنُ منهم ممَّن كانَ معَ النبيّ (ص) الجلاسُ بنُ سويدٍ بنِ الصّامتِ. (تفسيرُ إبنِ كثير : 2 / 386)   

وقالَ إبنُ إسحاق: وجلاس ... وكانَ ممَّن تخلّفَ عَن رسولِ اللهِ (ص) في غزوةِ تبوك. (السيرةُ النبويّةُ لابنِ هشام : 2 / 363)   

وكأنَّ إبنَ إسحاق نسيَ القائمةَ التي أدرجَ فيها إسمَ الجلاس !!  

الإشكالُ الثّاني : هناكَ إشكالاتٌ على قائمةِ إبنِ إسحاق حيثُ وردَ فيها:   

أوّلاً: عبدُ اللهِ بنُ أبي، وهوَ ممَّن تخلَّف ولم يخرُج إلى تبوك ! قالَ البيهقيُّ : إلّا أنَّ إبنَ إسحاق ذكرَ قبَل هذا أنَّ إبنَ أبي، تخلّفَ في غزوةِ تبوك ولا أدري كيفَ هذا! (دلائلُ النبوّةِ : 5 / 258) وبمثلِه أشكلَ إبنُ القيّمِ أنظر زادَ المعاد : 3 / 479)  

وثانياً: سعدٌ بنُ أبي سرح، قالَ إبنُ القيم: إنَّ سعداً لم يُعرَف لهُ إسلامٌ البتّةَ، وإبنُه عبدُ اللهِ أسلمَ وهاجرَ، ثمَّ إرتدَّ ولحقَ بمكّةَ، ثمَّ إستأمنَه عثمانُ عامَ الفتحِ فأسلمَ، ولم يكُن معَ هؤلاءِ الإثني عشر! (زادُ المعادِ : 3 / 480) .  

وثالثاً: أبو عامرٍ، ذكرَ إبنُ القيّمِ أنّ إبنَ إسحاق نفسَه ذكرَ قصّةَ أبا عامرٍ مِن أنّهُ لمّا هاجرَ النبيُّ (ص) إلى المدينةِ خرجَ أبو عامرٍ إلى مكّةَ، ولمّا فتحَ رسولُ اللهِ (ص) مكّةَ خرجَ أبو عامرٍ إلى الطّائفِ، ولمّا أسلمَ أهلُ الطائفِ خرجَ أبو عامرٍ إلى الشّامِ، فماتَ بها طريداً وحيداً غريباً، فأينَ كانَ الفاسقُ وغزوةُ تبوك ذهاباً وإياباً. (زادُ المعاد : 3 / 480)   

النتيجةُ: لا يمكنُ للجلّاسِ وعبدِ اللهِ بنِ أبي، وسعدٍ بنِ أبي سرحٍ وإبنِه عبدِ اللهِ، وأبو عامرٍ، أن يكونوا ممَّن إشتركوا في محاولةِ إغتيالِ النبيّ (ص) في العقبةِ بتبوك.  

الإشكالُ الثّالث: إنّ إبنَ إسحاقٍ والزّبيرَ بنَ بكار، لم يذكرا المصدرَ الذي أخذا الأسماءَ عنه، والظاهرُ أنّهُ مِن إختراعهما، فلو كانَ مرويّاً عمَّن فوقهُما لذكراهُ، لأنَّ الأمرَ خطيرٌ ويمسُّ الصّحابة.  

فهذهِ الأسماءُ قامَ الرّجلانِ بالتبرّعِ بها مِن جيبِهما وكيسِهما!  

وهناكَ قرائنُ تؤيّدُ أنّ هاتينِ القائمتينِ مُزيّفتانِ، وقد وضعوها في مقابلِ القائمةِ الثّالثةِ، والتغطيةِ عليها.  

  

القائمةُ الثّالثة : وهيَ القائمةُ التي ذكرَها الوليدُ بنُ جميعٍ الكوفي ( المتوفّى ما بينَ 151 – 160 هج) عَن حُذيفة:  

قالَ إبنُ حزمٍ: وأمّا حديثُ حذيفةَ فساقطٌ لأنّهُ مِن طريقِ الوليدِ بنِ جميعٍ وهوَ هالكٌ ولا نراهُ يعلمُ مَن وضعَ الحديثَ فإنّهُ قد روى أخباراً فيها أنَّ أبا بكرٍ وعُمرَ وعثمانَ وطلحةَ وسعداً بنَ أبي وقّاصٍ رضيَ اللهُ عنهم أرادوا قتلَ النّبيّ (ص)، وإلقاءَه منَ العقبةِ في تبوك، وهذا هوَ الكذبُ الموضوعُ، الذي يطعنُ اللهُ تعالى واضعَه، فسقطَ التعلّقُ بهِ والحمدُ للهِ ربِّ العالمين. (المُحلّى لإبنِ حزمٍ الأندلسي : 11 / 224).  

أقولُ: ذكرَ أسماءَ بعضِ المنافقينَ في العقبةِ، فإبنُ حزمٍ نقلَ قِسماً منها ولم ينقُل جميعَها، وبقيّةُ الأسماءِ مذكورةٌ في كتبِ الشيعةِ الإماميّةِ، والقرائنُ والشواهدُ قائمةٌ على صحّةِ هذهِ القائمةِ التي نقلَها الوليدُ بنُ جميعٍ:  

  

الشاهدُ الأوّلُ: أنّها ليسَت مُرسلةً كالقائمتينِ السّابقتينِ، فقد نقلَ إبنُ حزمٍ هُنا أنَّ الوليدَ بنَ جميعٍ روى أخباراً فيها ذكرُ أسماءِ المُنافقين.   

فالقائمةُ التي قدّمها الوليدُ بنُ جميعٍ مُسندةٌ مرويّةٌ عمَّن فوقَه،

وغالبُ الظنِّ أنّهُ رواها عَن أبي الطّفيلِ عامرٍ بنِ واثلةَ، فإنّ أحمدَ بنَ حنبلٍ وغيرَه قد نقلوا بعضَ الرّواياتِ عنِ الوليدِ بنِ جميعٍ عَن أبي الطفيلِ، وفيها بعضُ تفاصيلِ الحادثة. (مسندُ أحمد: 5 / 453، 590، وانظُر: صحيحُ مُسلم: 8 / 123).

الشّاهدُ الثّاني: إنّ أبا الطفيلِ عامراً بنَ واثلةَ كانَ يخبرُ بأسماءِ المُنافقينَ إن إنشرحَ لأحدٍ، ولكنَّ زوجتَه كانَت تضربُ  حصاراً عليهِ، فتمنعُه منَ التحدّثِ والتصريحِ بأسمائهم، فقد روى أحمدُ بنُ حنبلٍ بسندِه عَن عبدِ اللهِ بنِ عُثمانَ بنِ خثيمٍ قالَ دخلتُ على أبي الطفيلِ فوجدتُه طيّبَ النّفسِ فقلتُ لأغتنمنّ ذلكَ منه فقلتُ يا أبا الطفيلِ النّفرُ الذينَ لعنَهم رسولُ اللهِ (ص) مِن بينِهم مَن هُم؟ فهَمّ أن يُخبرَني بهم فقالت لهُ إمرأتُه سودة: مه يا أبا الطفيلِ ! أما بلغَك أنَّ رسولَ اللهِ (ص) قالَ: اللهمَّ إنّما أنا بشرٌ فأيّما عبدٍ منَ المؤمنينَ دعوتُ عليهِ دعوةً فاجعلها لهُ زكاةً ورحمةً! (مسندُ أحمد: 5 / 454).  

وقالَ الهيثميُّ: رواهُ أحمدُ ورجاله ثقات. (مجمعُ الزّوائدِ: 1 / 112).  

وهذا يعني أنَّ المُنافقينَ ليسوا هُم أصحابَ القوائم التي قدّمها محمّدٌ بنُ إسحاق أو الزّبيرُ بنُ بكار، وإنّما هيَ أسماءٌ ثقيلةٌ وكبيرةٌ ولها وزنٌ ومكانةٌ، إمّا كانَت زوجةُ أبي الطفيلِ تتولّاهم وتحبّهم وتعتبرُهم أئمّةً، وإمّا قامَت بفعلِها تقيّةً وخوفاً مِن فتكِ أتباعِ هؤلاءِ المُنافقينَ بزوجِها.  

هذا مُضافاً إلى أنّ أبا الطفيلِ عُرِفَ بمعرفتِه أسماءَ المُنافقينَ حتّى قصدَه جماعةٌ منَ التّابعينَ، ليعرفوا بعضَ أسماءِ المنافقينَ الذينَ لعنَهم رسولُ اللهِ (ص)، إذ معرفةُ بعضِ الأسماءِ تكشفُ عَن معرفةِ بقيّةِ الأسماءِ، فهذا يدلُّ على أنَّ القائمةَ التي ذكرَها الوليدُ بنُ جميعٍ قد تمَّ تسريبُها ونشرُها مِن روايةِ أبي الطفيلِ، ولذا قصدَه عبدُ اللهِ بنُ عثمانَ بنِ خثيم، ليسمعَ بنفسِه مِن أبي الطفيلِ، ولكِن حالَت زوجتُه دونَ ذلكَ!  

 ولا تنسى أنّ الحديثَ الذي وضعتهُ السّلطةُ الحاكمةُ: إنّما أنا بشرٌ فأيّما عبدٌ منَ المؤمنينَ دعوتُ عليهِ دعوةً أو سببتُه فاجعلُها لهُ زكاةً ورحمة! إنّما كانَ للتّغطيةِ على أسماءِ المُنافقينَ الحقيقيّينَ، وقد راجَت هذهِ الخُدعةُ على البسطاءِ، وبمرورِ الوقتِ قدّموا قائمةً مُزيّفةً بأسماءِ المُنافقينَ!  

  

الشاهدُ الثّالثُ: هناكَ نصوصٌ دالّةٌ أنّ أبا موسى الأشعري مِن مُنافقي العقبةِ، روى إبنُ أبي شيبةَ: حدّثنا الفضلُ بنُ دكينٍ عنِ الوليدِ بنِ جميعٍ عَن أبي الطفيلِ قالَ: كانَ بينَ حذيفةَ وبينَ رجلٍ منهم مِن أهلِ العقبةِ بعضُ ما يكونُ بينَ النّاسِ، فقالَ : أنشدُكَ باللهِ، كم كانَ أصحابُ العقبةِ؟ فقالَ القومُ: فأخبِره فقد سألكَ، فقالَ أبو موسى الأشعري: قد كنّا نخبرُ أنّهم أربعةُ عشرَ، فقالَ حذيفةُ: وإن كنتَ فيهم فقد كانوا خمسةَ عشرَ، أشهدُ باللهِ أنَّ إثني عشرَ منهم حزبُ اللهِ ورسولِه في الحياةِ الدّنيا ويومَ يقومُ الأشهادُ، وعذرَ ثلاثةً، قالوا: ما سمعنا مُناديَ رسولِ اللهِ (ص) ولا علِمنا ما يريدُ القوم. (المُصنّفُ: 8 / 588). وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرطِ مُسلم.  

فهذا نصٌّ على شهادةِ حذيفةَ بأنّ أبا موسى الأشعري منهم! وجاءَت هذهِ الرّوايةُ في صحيحِ مُسلمٍ ومُسندِ أحمد، ولكنّهما حذفا مِنها إسمَ أبي موسى الأشعري!! حيا اللهُ الأمانةَ العلميّة!  

ويؤيّدُه: ما رواهُ الفسوي بسندٍ صحيحٍ عنِ الأعمشِ، عن شقيقٍ، قالَ: كنّا معَ حذيفةَ جلوساً، فدخلَ عبدُ اللهِ (إبنُ مسعودٍ) وأبو موسى (الأشعري) المسجدَ فقالَ (حذيفةُ): أحدُهما منافقٌ، ثمَّ قالَ: إنَّ أشبهَ النّاسِ هدياً ودلّاً وسمتاً برسولِ اللهِ (ص) عبدُ اللهِ. (المعرفةُ والتّاريخُ للفسوي: 2 / 771، سيرُ أعلامِ النّبلاءِ: 2 / 393، علّقَ الذّهبيُّ: قلتُ: ما أدري ما وجهُ هذا القولِ! وعلّقَ الأرنؤوط: رجالُه ثقاتٌ ... فإن صحَّ هذا عن حذيفةَ ولا أخاله يصحُّ! فإنّهُ قد أخطأ (حذيفةَ) في حقِّ هذا الصّحابيّ الجليلِ (أبو موسى الأشعري) الذي إستعملَه النبيُّ (ص) ... أنّ حذيفةَ إنّما قالَ ذلكَ في حالةِ الغضب !!).  

نجدُ بوضوحٍ وصراحةٍ أنّ حذيفةَ يخبرُ أنّ أبا موسى الأشعري منَ المُنافقينَ، وهوَ إشارةٌ منهُ إلى أنّهُ مِن أصحابِ العقبة. وتوجيهُ الأرنؤوطِ بالغضبِ والإجحافِ، مضحكٌ، وعدمُ علمِ الذهبيّ بوجهِه، غريبٌ، فإنّ حذيفةَ كشفَ عَن نفاقِ أبي موسى، وهذا يعني أنّهُ مِن أصحابِ العقبةِ، فإنّ حذيفةَ كانَ يعلمُ ما لا يعلمُه عامّةُ المُسلمينَ، ولِذا عندَما يخبرُ عن منافقٍ فهوَ يخبرُ عَن أصحابِ العقبةِ الذينَ أخبرَ النبيُّ (ص) عنهم، وهذا علمٌ إختصَّ بهِ حذيفةُ عَن بقيّةِ الصّحابة.  

ويشهدُ لهُ: شهادةُ عمّارٍ بنِ ياسر على أنّ النبيَّ (ص) لعنَ أبا موسى الأشعري، روى إبنُ عدي في الكاملِ بسندِه عَن أبي يحيى حكيم قالَ كنتُ جالساً معَ عمّارٍ فجاءَ أبو موسى فقالَ مالي ومالَك قالَ ألستُ أخاكَ قالَ ما أدري إلّا أنّي سمعتُ رسولَ اللهِ (ص) يلعنُك ليلةَ الحملقِ إلى قالَ إنّهُ قد إستغفَر لي قالَ عمّارٌ قد شهدتُ اللّعنَ ولم أشهدِ الإستغفار. ( الكاملُ: 2 / 362، تاريخُ دمشق: 32 / 93). ومحمّدٌ بنُ عليٍّ بنِ خلفٍ الواقعِ في سندِ هذا الخبرِ وثّقَهُ الخطيبُ، تبعاً لمحمّدٍ بنِ منصور المُعاصرِ لإبنِ خلف، فهو توثيقٌ حسيٌّ (تاريخُ بغداد: 3 / 269) ورماهُ إبنُ عديٍّ بالوضعِ لأجلِ رواياتِ مناقبِ أهلِ البيتِ (ع) ومثالبِ أعدائِهم، وهذا تضعيفٌ حدسيٌّ، منشؤهُ القضايا المذهبيّة، فهوَ مردود.  

ورواهُ الشيخُ الطوسي بسندٍ آخر، وجاءَ في لفظِه بدلَ ليلةِ الحملق: ليلةُ العقبةِ، وقد هممتَ معَ القومِ بما هممتَ! (الأمالي للطوسي، ص182)   

وقالَ إبنُ عبدِ البرِّ في ترجمةِ أبي موسى الأشعري: وعزلَه عليٌّ (رضيَ اللهُ عنه) عنها، فلم يزَل واجداً منها على عليٍّ، حتّى جاءَ منهُ ما قالَ حذيفةُ، فقد روى فيهِ لحذيفةَ كلامٌ كرهتُ ذكرَه، واللهُ يغفرُ له.

(الإستيعابُ: 3 / 980)  

ولكِن هل تعلمُ ما هوَ الكلامُ الذي كرهَ ذكرَه؟!   

قالَ إبنُ أبي الحديدِ: قلتُ الكلامُ الذي أشارَ إليهِ أبو عمر بنُ عبدِ البرِّ ولم يذكُره قوله فيهِ ، وقد ذُكرَ عندَه بالدّينِ: أمّا أنتم فتقولونَ ذلكَ، وأمّا أنا فأشهدُ أنّهُ عدوٌّ للهِ ولرسولِه، وحربٌ لهُما في الحياةِ الدّنيا ويومَ يقومُ الأشهادُ، يومَ لا ينفعُ الظّالمينَ معذرتُهم، ولهم اللّعنةُ ولهم سوءُ الدّارِ وكانَ حذيفةُ عارِفاً بالمُنافقينَ ، أسرَّ إليهِ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله أمرَهم، وأعلمَه أسماءَهم.  

وروى أنَّ عمّاراً سُئلَ عَن أبي موسى ، فقالَ لقد سمعتُ فيهِ مِن حذيفةَ قولاً عظيماً ، سمعتُه يقولُ صاحبُ البرنسِ الأسودِ ، ثمَّ كلحَ كلوحاً علمتُ منهُ أنّهُ كانَ ليلةَ العقبةِ بينَ ذلكَ الرّهط. (شرحُ النّهجِ: 13 / 315).  

وتكفينا هذهِ الشّواهدُ والقرائنُ على أنّ أبا موسى الأشعري منهُم.  

  

الشّاهدُ الرّابعُ: إنّ القائمةَ التي ذكرَها الوليدُ بنُ جميعٍ وردَ فيها ذكرُ إسمِ عمرَ بنِ الخطّاب، وهذا موافقٌ للشّواهدِ والقرائنِ الواردةِ في تراثِ المُخالفينَ، فقد وردَ في روايةٍ مشهورةٍ أنّ عمرَ بنَ الخطاب سألَ حذيفةَ أنّهُ منَ المُنافقينَ أم لا؟! فهل يعقلُ أن لا يعرفَ عمرُ بنُ الخطاب أنّهُ كانَ حاضراً في العقبةِ معَ الذينَ أرادوا قتلَ رسولِ اللهِ (ص)؟! وهل يستطيعُ حذيفةَ أن يجيبَه: نعَم، كنتَ معهُم!   

روى البزّارُ بسندِه عَن حذيفةَ قالَ دُعيَ عمرُ لجنازةٍ فخرجَ فيها أو يريدُها فتعلّقتُ بهِ فقلتُ: إجلِس يا أميرَ المؤمنين فإنّهُ مِن أولئكَ، فقالَ نشدتُكَ باللهِ أنا منهُم قالَ لا، ولا أبرئُ أحداً بعدَك. (مسندُ البزّار: 7 / 293).  

قالَ الهيثميُّ: رواهُ البزّارُ ورجالُه ثقات. (مجمعُ الزّوائدِ: 3 / 42).  

وأوردَه الحافظُ إبنُ حجرٍ في مُختصرِ زوائدِ البزّار: 1 / 361، وقالَ: إسنادُه صحيح.   

وذكرَه مقبلٌ الوادعي في الصّحيحِ المُسندِ ممّا ليسَ في الصّحيحينِ: 1 / 241 رقم 294، وقالَ: هذا حديثٌ حسن.  

وعندَ الطبريّ: ولا أؤمنُ منها أحداً بعدَك. (تفسيرُ الطبري: 11 / 16).  

وعندَ إبنِ أبي شيبة: ولن أخبرَ بهِ أحداً بعدَك. (المُصنّفُ: 8 / 637).  

وعندَ إبنِ عساكر زيادةٌ: قالَ: فرأيتُ عينيّ عُمر جاءتا. (تاريخُ دمشق: 12 / 276).  

وهنا قرينةٌ ثانيةٌ وهيَ قولُ حذيفةَ: ولن أبرئَ أحداً بعدَك، أو لن أؤمنَ، أو لن أخبرَ، وهذا يعني أنّ جوابي هذا لكَ يا عُمر، برّأتك لأنّكَ صاحبُ سلطةٍ أخشاكَ وأتّقيكَ، ولو سألني غيرُك فلن أقومَ بتبرئتِه، ولن أجيبَه كما أجبتُك!   

وهذا الجوابُ صارمٌ مِن حُذيفة، أجابَه بطريقةٍ دبلوماسيّةٍ، حافظَ فيها على الحقيقةِ تلميحاً، ولم يُبرّئ الخليفة!  

وممّا يزيدُ الطينَ بلّةً على عُمر: أنّ أمَّ سلمةَ تكلّمَت عنِ المُنافقينَ أمامَ عبدِ الرّحمنِ بنِ عوف، فطارَ عقله وأخبرَ عُمرَ بنَ الخطاب، فجاءَ عُمر مسرعاً واستفسرَ مِن أمِّ سلمةَ أنّهُ منهُم أم لا؟! روى أحمدُ بسندِه عَن مسروقٍ قالَ دخلَ عبدُ الرّحمنِ على أمِّ سلمةَ فقالَت سمعتُ النبيَّ (ص) يقولُ إنَّ مِن أصحابي لمَن لا يراني بعدَ أن أموتُ أبداً قالَ فخرجَ عبدُ الرّحمنِ مِن عندِها مذعوراً حتّى دخلَ على عُمر فقالَ لهُ إسمَع ما تقولُ أمُّكَ فقامَ عُمر حتّى أتاها فدخلَ عليها فسألها ثمَّ قالَ أنشدكَ باللهِ أمنهُم أنا؟ فقالتَ لا ولن أبرئَ بعدَك أحداً. (مسندُ أحمد: 6 / 312، وص317 وص290 بسندِه عن شقيق).  

وفي روايةٍ: فبلغَ ذلكَ عُمر قالَ فأتاها يشتدُّ أو يسرع. (مُسند أحمد 6 / 298).  

يحسبونَ كلَّ صيحةٍ عليهم!   

ويبدو لي أنّ عمرَ كانَ قلقاً من هذا الموضوعِ، ولذا كلّما يُفتحُ ملفُّ المنافقينَ والنّفاقِ، يتحسّسُ منهُ بشكلٍ كبيرٍ، ويحاولُ أن يُنهيَ الحديثَ عنه بطريقةٍ لا تسيءُ إليه، ويشيعُ بينَ المُسلمينَ أنّهُ ليسَ منهم، ولكنَّ طريقتَه لم تكُن ذكيّةً! ويمكرونَ ويمكرُ اللهُ واللهُ خيرُ الماكرين.  

وهذا ممّا يسيءُ الظنَّ بعبدِ الرّحمنِ بنِ عوفٍ أيضاً، وإسمُه مذكورٌ في رواياتِ الشّيعة.  

وذكروا في الأمورِ التي أشكلوا بها على النّظامِ المُعتزليّ: وطعنَ في الفاروقِ عُمر، وزعمَ أنّهُ شكَّ يومَ الحديبيّةِ في دينِه، وشكَّ يومَ وفاةِ النّبيّ (ص)، وأنّهُ كانَ فيمَن نفرَ بالنبيّ عليهِ السّلام ليلةَ العقبةِ، وأنّهُ ضربَ فاطمة. (الفرقُ بينَ الفِرقِ للبغداديّ ص140 - 141).  

أقولُ: وهذهِ القرائنُ تكفي في إدانةِ عُمرَ بنِ الخطاب.  

وقد وردَ في الرّواياتِ المُستفيضةِ في تراثِ الشّيعةِ ذكرُ إسمِ عُمرَ بنِ الخطاب، حتّى إشتهرَ ذلكَ في القرونِ الأولى، ذكرَ المزّي في تهذيبِ الكمالِ عنِ الحُسينِ بنِ منصورٍ بنِ جعفرٍ أنّ عليّاً بنَ عثام العامري الفقيه (ت 228 هج) قالَ له: يزعمُ الرّافضةُ أنَّ عُمرَ نفرَ برسولِ اللهِ (ص) ناقتَه، يعني ليلةَ العقبة. (تهذيبُ الكمال: 21 / 61).

الشّاهدُ الخامس: وردَ في حديثٍ عنِ النبيّ (ص) أنّ منافقي العقبةِ هُم الذينَ يشكّلونَ خطَّ النّفاقِ إلى يومِ القيامة، روى البيهقيُّ بسندِه عَن أبي البختريّ عَن حذيفةَ بنِ اليمانِ قالَ كنتُ آخذاً بخطامِ ناقةِ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّم أقودُ بهِ وعمّارٌ يسوقُه أو أنا أسوقُه وعمّارٌ يقودُه حتّى إذا كنّا بالعقبةِ فإذا أنا بإثني عشرَ راكِباً قد إعترضوهُ فيها قالَ فأنبهتُ رسولَ اللهِ (ص) بهم فصرخَ بهم فولّوا مُدبرينَ فقالَ لنا رسولُ اللهِ (ص) هل عرفتُم القومَ ؟ قلنا لا يا رسولَ اللهِ (ص) كانوا متلثّمينَ ولكنّا قد عرفنا الرّكّابَ قال هؤلاءِ المنافقونَ إلى يومِ القيامةِ وهل تدرونَ ما أرادوا ؟ قلنا لا قالَ أرادوا أن يزحموا رسولَ اللهِ (ص) في العقبةِ فيلقوهُ مِنها قُلنا يا رسولَ اللهِ (ص) أولا تبعثُ إلى عشائرِهم حتّى يبعثَ إليكَ كلُّ قومٍ برأسِ صاحبِهم ؟ قالَ لا أكرهُ أن تحدّثَ العربُ بينَها أنَّ محمّداً قاتلَ بقومٍ حتّى إذا أظهرَهُ اللهُ بهم أقبلَ عليهم يقتلهم ثمَّ قالَ اللهمَّ أرمِهم بالدبيلةِ قلنا يا رسولَ اللهِ (ص) وما الدبيلة ؟ قالَ شهابٌ مِن نارٍ يقعُ على نياطِ قلبِ أحدِهم فيهلَك. (دلائلُ النبوّةِ للبيهقيّ:5 / 260 ، تاريخُ الإسلامِ للذّهبي: 2 / 648 ، البدايةُ والنهايُة لإبنِ كثير: 5 / 25).  

وقالَ السيوطيُّ: وأخرجَ البيهقيُّ بسندٍ صحيحٍ عَن حذيفةَ ... (الخصائصُ الكُبرى للسيوطي: 1 / 279).  

ورواهُ الطبرانيُّ بسندٍ آخر. (المعجمُ الأوسطُ: 8 / 102).  

  

وهذا يعني أنّ هؤلاءِ المُنافقينَ أصحابُ مشروعٍ، وطموحٍ كبيرٍ في السّلطةِ، وأنّ اللهَ يبتلي الأمّةَ بهم، ولذا لم يُؤذَن للنبيّ (ص) أن يقتلهم، وهُم الذينَ يُمثّلونَ خطَّ النّفاقِ إلى يومِ القيامةِ، ويقومونَ بتحريفِ الإسلامِ المحمّديّ وتقديمِ إسلامٍ يتلاءم معَ ثوبِ المُنافقينَ، ويقدّمونَ الغرباءَ، ويبعّدونَ أهلَها عنها.  

وعدمُ إستطاعةِ حُذيفةَ التّصريحَ بأسمائهم أمامَ الملأ العامِّ يعني أنّهم وصلوا إلى السّلطةِ وإلى ما كانوا يطمحونَ حتّى إتّقاهُم حذيفةُ، وخافَ على نفسِه منهم!   

  

الشّاهدُ السّادس: وردَ إسمُ أبي سُفيان والدُ معاويةَ في روايةٍ يرويها إبنُ أبي الحديدِ عَن كتابِ المفاخراتِ للزّبيرِ بنِ بكّارٍ، قالَ : قالَ الإمامُ الحسينُ بنُ علي بنِ أبي طالب (ع) في محضرِ معاويةَ وعمرو بنِ العاص ، والوليدِ بنِ عقبةَ بنِ أبي معيط ، وعتبةَ بنِ أبي سفيان بنِ حربٍ ، والمغيرةَ بنِ شعبة ... وأنتم أيّها الرّهط : نشدتُكم اللهَ ، ألا تعلمونَ أنَّ رسولَ اللهِ (ص) لعنَ أبا سفيان في سبعةِ مواطنَ لا تستطيعونَ ردّها .... والسّابعةُ يومَ وقفوا لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله في العقبةِ ليستنفروا ناقتَه ، وكانوا إثنا عشرَ رجلاً، منهم أبو سفيان . فهذا لكَ يا معاوية. (شرحُ نهجِ البلاغة: 6 / 291).  

وهذهِ الرّوايةُ موافقةٌ لرواياتِ الشّيعةِ حيثُ ذُكرَ فيها إسمُ معاويةَ وأبيه أبي سفيان.  

  

الشّاهدُ السّابع: روى الثقفيُّ في الغاراتِ بإسنادِه عنِ الإمامِ جعفرٍ بنِ محمّدٍ الصّادقِ (ع) أنّهُ لمّا إرتحلَ عقيلٌ بنُ أبي طالب إلى معاويةَ في الشامِ: فلمّا سمعَ بهِ معاويةُ نصبَ كراسيّهُ وأجلسَ جلساءَه ، فوردَ عليهِ ، فأمرَ لهُ بمائةِ ألفِ درهم ، فقبضَها ، فقالَ لهُ معاوية : أخبِرني عنِ العسكرينِ ، قالَ : مررتُ بعسكرِ أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالب عليهِ السّلام فإذا ليلٌ كليلِ النبي صلّى اللهُ عليهِ وآله ونهارٌ كنهارِ النبيّ إلّا أنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ليسَ في القومِ ، ومررتُ بعسكرِك فاستقبلني قومٌ منَ المُنافقينَ ممَّن نفرَ برسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم) ليلةَ العقبة. (الغاراتُ للثقفي: 1 / 64، ونقلَه إبنُ أبي الحديدِ المُعتزليّ في شرحِ النّهجِ: 2 / 124)  

وهذا يؤيّدُ ما جاءَ في رواياتِ الشيعةِ الإماميّةِ حيثُ ذُكِرَ فيها إسمُ عمرو بنِ العاص، والمغيرةِ بنِ شعبة، وأبو الأعورِ السلمي، وكلُّ هؤلاءِ كانوا في جيشِ معاويةَ يومَ صفّين.  

  

الشّاهدُ الثّامن: إنّ إخبارَ حذيفةَ بأسماءِ المُنافقينَ لا يحتمله عامّةُ المُسلمينَ وجمهورُهم، ولِذا لم يُخبِر بأسمائِهم إلّا مَن إئتمنَه أمثالَ أبي الطفيلِ عامرٍ بنِ واثلة، حيثُ روى إبنُ عساكرَ بسندِه عَن أبي البختريّ قالَ قالَ حذيفةُ لو حدّثتُكم بحديثٍ لكذّبني ثلاثةُ أثلاثِكم ! قالَ ففطنَ إليه شابٌّ فقالَ مَن يُصدّقُكَ إذا كذّبكَ ثلاثةُ أثلاثِنا؟ فقالَ إنَّ أصحابَ محمّدٍ (ص) كانوا يسألونَ رسولَ اللهِ (ص) عن الخيرِ وكنتُ أسأله عنِ الشرِّ قالَ فقيلَ له ما حملكَ على ذلكَ فقالَ أنَّ مَن إعترفَ بالشرِّ وقعَ في الخير. (تاريخُ مدينةِ دمشق: 12 / 289، تهذيبُ الكمالِ للمزي: 5 / 507، كنزُ العمّال: 13 / 345).  

وروى يعقوبُ بنُ سفيانَ الفسوي بسندِه عَن قتادةَ قالَ: قالَ حذيفةُ: لو كنتُ على شاطئِ نهرٍ وقد مددتُ يدي لأغرفَ فحدّثتُكم

بكلِّ ما أعلمُ ما وصلت يدي إلى فمِي حتّى أُقتل. (المعرفةُ والتّاريخ: 1 / ٤٨٦، الفقيهُ والمُتفقّهُ للخطيبِ البغداديّ: 2 / 415، تاريخُ دمشقَ لإبنِ عساكرَ: 12 / 289، تهذيبُ الكمالِ للمزي: 5 / 507، كنزُ العمّال: 13 / 345).  

فما هوَ الحديثُ الذي إن حدّثَ بهِ حذيفةُ لكذّبه 99.9 % من المسلمينَ؟! وما هوَ الحديثُ الذي إن حدّثَ بهِ لقتلَه المسلمون؟!   

تفسيرُه الوحيدُ هوَ أسماءُ المنافقينَ الذينَ أرادوا قتلَ رسولِ اللهِ (ص) في العقبةِ، فإنّ هذا الحديثَ ممّا لا يحتمله أغلبُ المُسلمين.

أقولُ: فهذهِ الشّواهدُ والقرائنُ تؤكّدُ صحّةَ القائمةِ التي ذكرَها الوليدُ بنُ جميعٍ، وتؤيّدُ الرّواياتِ التي يرويها الشّيعةُ في كتبِهم.  

  

أمّا عنِ الرّواياتِ الواردةِ في كتبِ الشيعةِ الإماميّةِ، فهيَ كثيرةٌ نذكرُ بعضَها:  

1- روى الشّيخُ الصّدوقُ قالَ: حدّثنا أحمدُ بنُ محمّدٍ بنِ الهيثمِ العجلي رضيَ اللهُ عنه قالَ : حدّثنا أحمدُ بنُ - يحيى بنِ زكرّيا القطّانِ ، قالَ : حدّثنا بكرٌ بنُ عبدِ اللهِ بنِ حبيبٍ ، قالَ : حدّثنا تميمٌ إبنُ بهلول ، عَن أبيهِ ، عَن عبدِ اللهِ بنِ الفضلِ الهاشميّ ، عن أبيهِ ، عن زيادٍ بنِ المُنذرِ قالَ : حدّثني جماعةٌ منَ المشيخةِ ، عن حذيفةَ بنِ اليمانِ أنّهُ قالَ : الذينَ نفروا برسولِ اللهِ ناقتُه في مُنصرفِه مِن تبوكَ أربعةُ عشرَ : أبو الشرورِ ، وأبو الدّواهي ، وأبو المعازفِ ، وأبوهُ ، وطلحةَ ، وسعدٌ بنُ أبي وقّاص ، وأبو عُبيدةَ ، وأبو الأعورِ ، والمُغيرةُ ، وسالمٌ مولى أبي حُذيفةَ ، وخالدٌ بنُ وليد ، وعمرو بنُ العاص ، وأبو موسى الأشعري ، وعبدُ الرّحمنِ بن عوف ، وهُم الذينَ أنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيهم "وهمّوا بما لم ينالوا" . (الخصالُ للصّدوقِ ص499 بابُ الأربعةِ عشر).  

2- روى إبنُ جريرٍ الطبري قالَ: وروى عبيدُ اللهِ بنُ موسى عنِ الوليدِ بنِ جميعٍ ، عن أبي الطّفيلِ ، عن حذيفةَ أو عمّار ، قالَ : تجسّسوا على رسولِ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم ) ليلةَ العقبة: الثّلاثةُ، وصاحبا البصرةِ، وعمرو بنُ العاص، وأبو مسعودٍ، وأبو موسى ، وقد ذكرَ جماعةٌ مِن أصحابِ رسولِ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم ) . (المُسترشد ص596).  

3- تفسيرُ العيّاشي: عن جابرٍ الجُعفي قالَ : قالَ أبو جعفرٍ عليه السّلام : نزلَت هذهِ الآية : ( ولئِن سألتَهم ليقولنَّ إنّما كنّا نخوضُ ونلعب ) إلى قولِه : ( نعذّبَ طائفةً ) قالَ : قلتُ لأبي جعفرٍ عليهِ السّلام تفسيرُ هذهِ الآيةِ ؟ قالَ : تفسيرُها واللهِ ما نزلَت آيةٌ قطُّ إلّا ولها تفسيرٌ ثمَّ قالَ : نعم نزلَت في التيميّ والعدويّ والعشرةِ معهُما أنّهم إجتمعوا إثنا عشرَ، فكمنوا لرسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله في العقبةِ وإئتمروا بينَهم ليقتلوهُ، فقالَ بعضُهم لبعضٍ: إن فطنَ نقولُ إنّما كنّا نخوضُ ونلعَب ، وإن لم يفطَن لنقتلنّهُ، فأنزلَ اللهُ هذهِ الآيةَ ( ولئِن سئلتَهم ليقولنَّ إنّما كنّا نخوضُ ونلعَب ) فقالَ اللهُ لنبيّهِ ( قُل أباللهِ وآياتِه ورسولِه ) يعني محمّداً صلّى اللهُ عليهِ وآله ( كنتُم تستهزؤونَ لا تعتذروا قد كفرتُم بعدَ إيمانِكم إن نعفُ عَن طائفةٍ منكُم ) يعني عليّاً إن يعفُ عنهُما في أن يلعنَهُما على المنابرِ ويلعنَ غيرَهما فذلكَ قوله تعالى : ( إن نعفُ عَن طائفةٍ منكُم نُعذِّب طائفةً ) (تفسيرُ العيّاشي: 2 / 95).  

4- رشحُ الولاءِ: بسندِه عن زر بنِ حبيشٍ عَن حذيفةَ بنِ اليمانِ، قالَ: المنفّرونَ برسولِ اللهِ (ص) ليلةَ العقبةِ أربعةَ عشرَ رجلاً، منهُم: أبو بكرٍ وعُمر وعثمان وطلحةُ والزّبيرُ وأبو سفيان ومعاويةُ إبنُه، وعتبةُ بنُ أبي سفيان، وأبو الأعورِ السّلمي، والمغيرةُ بنُ شعبة، وسعدٌ بنُ أبي وقاص، وأبو قتادةَ، وعمرو بنُ العاص، وأبو موسى الأشعري. (رشحُ الولاءِ في شرحِ الدّعاء ص155).  

  

وهناكَ رواياتٌ أخرى كثيرةٌ تذكرُهم، ولكن لعلّهم أصحابُ الصّحيفةِ، أو العقبةِ الثانيةِ وهيَ عندَ عودةِ النبيّ (ص) مِن حجّةِ الوداعِ.  

  

والتّحقيقُ في تفاصيلِ الأسماءِ لهُ مقامٌ آخر.  

  

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.