هل من المعقول ان يكون اسم الله الصبور ؟ وعلى اي شيء يصبر ؟ وهوه خالق كل شيء

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قبلَ الإجابةِ نحتاجُ إلى معرفةِ الغايةِ والفائدةِ مِن جعلِه تعالى أسماءً حُسنى له، فما هيَ فائدةُ ذلك؟ 

قد بيّنَتِ الآياتُ والرّواياتُ الفائدةَ، وهوَ جعلها طريقاً لدعائِه تعالى، فقالَ تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلحِدُونَ فِي أَسمَائِهِ سَيُجزَونَ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)، الأعرافُ: 180، وقالَ أيضاً: (قُلِ ادعُوا اللَّهَ أَوِ ادعُوا الرَّحمَنَ أَيًّا مَا تَدعُوا فَلَهُ الأَسمَاءُ الحُسنَى... الآية)، الإسراءُ: 110. 

ومنَ السنّةِ ما رواهُ الكُلينيّ في الكافي: 1 – 113، عن إبنِ سنان قالَ: "سألتُ أبا الحسنِ الرّضا عليهِ السّلام هل كانَ اللهُ عزَّ وجلَّ عارفاً بنفسِه قبلَ أن يخلقَ الخلقَ؟ قال: نعم قلتُ يراها ويسمعُها ؟ قالَ: ما كانَ مُحتاجاً إلى ذلكَ لأنّهُ لم يكُن يسألها ولا يطلبُ منها، هوَ نفسُه ونفسُه هوَ قدرتُه نافذةٌ فليسَ يحتاجُ أن يُسمّي نفسَه، و لكنّه إختارَ لنفسِه أسماءً لغيرِه يدعوهُ بها، لأنّهُ إذا لم يُدعَ باسمِه لم يُعرَف، فأوّلُ ما إختارَ لنفسِه: العليّ العظيم لأنّهُ أعلى الأشياءِ كلّها فمعناهُ اللهُ واسمُه (العليّ العظيمُ) هوَ أوّلُ أسمائِه، علا على كلِّ شيءٍ". 

ومنه يُعلمُ بأنّ اللهَ لم يكُن لهُ إسمٌ في الأزلِ، وإنّما خلقَ الأسماءَ في رتبةٍ متأخّرةٍ ليعرفَهُ العبادُ ويدعوهُ بها. فالدّعاءُ يتوقّفُ على معرفةِ المدعوِّ وبما أنّهُ تعالى غيرُ متناهٍ فحينئذٍ يعجزُ العقلُ المُتناهي وهوَ عقلُ العبادِ عَن إدراكِه؛ لاستحالةِ إحاطةِ المحدودِ باللامحدود، فجعلَ لنفسِه أسماءً ليتمكّنَ العقلُ مِن إدراكِه، وقد شبّهَ البعضُ ذلكَ بعدمِ قُدرةِ الجهازِ الهضميّ للإنسانِ على التّعاملِ مع قطعةِ لحمٍ تزنُ كيلوغرام كاملاً فيضطرُّ لتجزئتِها الى لُقمٍ صغيرةٍ، كذلكَ يعجزُ العقلُ عن إدراكِ تلكَ الحقيقةِ الغيبيّةِ اللامُتناهية لكنّهُ يقدرُ على إدراكِ حيثيّاتٍ مُختلفةٍ مِنها، لذا إذا أرادَ العبدُ الشفاءَ دعاهُ باسمِه الشافي وإذا أرادَ الأمانَ دعاهُ باسمِه الحافظ، وإذا أرادَ الرزقَ دعاهُ بالرازقِ وهكذا. فالغايةُ مِن جعلِه تعالى أسماءً لنفسِه ليتمَّ معرفتهُ ولو مِن بعضِ الوجوهِ فيُدعى بها، لسدِّ فقرِ العبادِ إليه، فالفائدةُ تعودُ لهم وليسَ له. 

ومِن هذهِ الأسماءِ إسمُه تعالى (الصّبور)، وهوَ ما وردَ لفظهُ في كثيرٍ منَ الأحاديثِ والأدعيةِ، ومعنىً في آياتِ الكتابِ العزيز، كقولِه تعالى: (وَلَولَا كَلِمَةٌ سَبَقَت مِن رَبِّكَ لَقُضِيَ بَينَهُم)، فصلت: 45.وفي الحديثِ: "اللهمَّ إنّي أسألُك باسمِك... يا صبورُ". بحارُ الأنوارِ: ج 94، ص 391. 

 ومعنى الصّبورِ بحسبِ الفيضِ الكاشاني: "هوَ الذي لا تحملهُ العجلةُ على المُسارعةِ إلى الفعلِ قبلَ أوانِه، بل يُنزلُ الأمورَ بقدرٍ معلومٍ، ويجريها على سُننٍ محدودةٍ، لا يؤخّرُها عَن آجالِها المُقدّرةِ لها تأخيرَ مُتكاسلٍ، ولا يقدّمُها على أوقاتِها تقديمَ مُستعجلٍ، بل يودعُ كلَّ شيءٍ في أوانِه". علمُ اليقين: 1 / 150. 

وعليهِ فهوَ تعالى صبورٌ لا يعجلُ، يُجري كلَّ قدرٍ بأوانِه، فلا يرزقُ أحداً إلّا بأوانِه المُناسبِ ولا يعاقبُه إلّا بأوانِه.