ما هوَ سببُ تغييرِ موقفِ زهيرٍ إبنِ القين مِن موقفٍ مُعارضٍ للخروجِ معَ الإمامِ الحُسينِ (عليه السّلام) إلى موقفٍ مُناصر؟ 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : 

بعد أن أرسلَ الإمامُ الحُسينُ (ع) إلى زهيرٍ بنِ القين طلباً للنُّصرةِ، فخرجَ زهيرٌ وإجتمعَ بالإمامِ الحُسين (ع)، ولكِن لم ينقُل لنا التّاريخُ ما جرى في الإجتماعِ، إلّا أنّ القدرَ المُتيقّنَ أنّه (ع) طلبَ النُّصرةَ منهُ، وأخبرَه أنّ الشّهادةَ في ركابِه مصيرُها الجنّةَ، ولعلّهُ ذكّرَه بكلامِ سلمانٍ المُحمّدي (رض) الآتي، فخرجَ زهيرٌ منَ الإجتماعِ مُستبشِراً، فتحوّلَ إلى الحُسينِ (ع)، وأخبرَ أصحابَه بما أخبرَه سلمانُ المُحمّدي (رض)، وأنّ تأويلَه قد جاء. 

ولا يبعدُ أن يكونَ لزوجتِه دورُ المُليّنِ لقلبِه وإلفاته بأنّ الذي يدعوكَ هوَ إبنُ رسولِ الله (ص)، فبعدَ الإجتماعِ أقنعَه الإمامُ الحُسين (ع) بالإلتحاقِ به، وهذا يدلُّ على أنّ زهيراً بنَ القينِ لم يكُن رجلاً مُبغِضاً لآلِ رسولِ اللهِ (ص)، ولم يكُن مُكابِراً على الحقِّ، ولِذا وقعَ كلامُ أبي عبدِ اللهِ (ع) موقعَ القبولِ في قلبِه، فاقتنصَ الفُرصةَ ونصرَ إمامَ زمانِه، فصارَ مِن نجومِ الدّنيا. 

قالَ المُؤرّخونَ: فبينا نحنُ جلوسٌ نتغذّى مِن طعامٍ لنا إذ أقبلَ رسولُ الحُسينِ عليه السّلام حتّى سلّمَ ثمَّ دخلَ، فقالَ: يا زهيرُ بنُ القين، إنَّ أبا عبدِ اللهِ الحُسين بعثني إليكَ لتأتيه . فطرحَ كلُّ إنسانٍ منّا ما في يدِه حتّى كأنَّ على رؤوسِنا الطّيرُ، فقالَت لهُ إمرأتُه : سبحانَ اللهِ ، أيبعثُ إليكَ إبنُ رسولِ اللهِ ثمَّ لا تأتيهِ، لو أتيتَه فسمعتَ مِن كلامِه ، ثمَّ إنصرفت . 

فأتاهُ زهيرُ بنُ القين ، فما لبثَ أن جاءَ مُستبشِراً قد أشرقَ وجهُه ، فأمرَ بفسطاطِه وثقلِه ورحلِه ومتاعِه فقوّضَ وحملَ إلى الحُسينِ عليه السّلام ، ثمَّ قال لامرأتِه : أنتِ طالقٌ ، إلحقي بأهلِك ، فإنّي لا أحبُّ أن يصيبَك بسببي إلّا خيرٌ ، ثمَّ قالَ لأصحابِه : مَن أحبَّ منكُم أن يتبعني ، وإلّا فهوَ آخرُ العهدِ، إنّي سأحدّثُكم حديثاً : إنّا غزونا البحرَ ، ففتحَ اللهُ علينا وأصَبنا غنائمَ ، فقالَ لنا سلمانُ الفارسي رضيَ اللهُ عنه : أفرحتُم بما فتحَ اللهُ عليكم ، وأصبتُم منَ الغنائمِ ؟ فقُلنا : نعَم ، فقالَ : إذا أدركتُم شبابَ آلِ محمّدٍ فكونوا أشدَّ فرحاً بقتالِكم معَهم ممّا أصبتُم اليومَ منَ الغنائم . فأمّا أنا فأستودعُكم اللهَ . قالوا : ثمَّ واللهِ ما زالَ في القومِ معَ الحُسينِ عليه السّلام حتّى قُتلَ رحمةُ اللهِ عليه . (الإرشادُ للمُفيدِ ص 73 ، تاريخُ الطبري: 4 / 299 حيثُ جعلَ سلمانُ الباهلي مكانَ سلمان المُحمّدي، الكاملُ في التّاريخ: 4 / 42، الرّوضُ المعطارُ في خبرِ الأقطارِ للحِميري ص 94) 

 

فيظهرُ مِن هذا النّصِّ أنّ سلمانَ المُحمّدي (رض) كانَ يعلمُ بتفاصيلِ نهضةِ الإمامِ الحُسين (ع) ويعلمُ بأنّ زهيراً بنَ القين سيكونُ منهم، ولذا دعاهُ إلى نُصرتِه والجهادِ تحتَ لوائِه. 

هذا ما يظهرُ لنا مِن سببِ تحوّلِ زهيرٍ بنِ القين هوَ تذكّرُ ما أوصاهُ بهِ سلمانُ المُحمّدي (رض) مِن نُصرةِ أبي عبدِ اللهِ الحُسينِ وأهلِ بيتِه عليهم جميعاً سلامُ الله. 

واللهُ العالم.