لماذا لا نعيشُ في أرواحٍ مِن دون الحاجةِ إلى أجسام؟ لماذا وُضعَت الأرواحُ في الأجسادِ، ما سببُ ذلك؟ 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

إنّ اللهَ تعالى خلقَ الرّوحَ وزوّدَها بطاقاتٍ عظيمةٍ، ولو تُركَت لوحدِها لطغَت وفسدَت وأفسدَت، فقيّدَها – رحمةً بها - في سجنِ البدنِ حتّى تذوقَ الضّعفَ، وتشعرَ بالفقرِ والحاجةِ والعجزِ، وأنّها مربوبةٌ مُدبّرةٌ، وليسَت ربّاً ولا خالِقاً ولا غنيّاً.  

روى الصّدوقُ بسندِه عَن عبدِ اللهِ بنِ الفضلِ الهاشمي قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله (ع): لأيّ علّةٍ جعلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الأرواحَ في الأبدانِ بعدَ كونِها في ملكوتِه الأعلى في أرفعِ محمل ؟  

فقالَ عليه السّلام: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى علمَ أنَّ الأرواحَ في شرفِها وعلوِّها متى ما تُركَت على حالِها نزعَ أكثرُها إلى دعوى الرّبوبيّةِ دونَه عزَّ وجلَّ فجعلَها بقُدرتِه في الأبدانِ التي قدّرَ لها في إبتداءِ التّقديرِ نظراً لها ورحمةً بها وأحوجَ بعضَها إلى بعضٍ وعلّقَ بعضَها على بعضٍ ورفعَ بعضَها على بعضٍ في الدّنيا ورفعَ بعضَها فوقَ بعضٍ درجاتٍ في الآخرةِ وكفى بعضَها ببعضٍ وبعثَ إليهم رسله وإتّخذَ عليهم حُججَه مُبشّرينَ ومُنذرينَ يأمرونَ بتعاطي العبوديّةِ والتواضعِ لمعبودهمِ بالأنواعِ التي تعبّدَهم بها ، ونصبَ لهم عقوباتٍ في العاجلِ وعقوباتٍ في الآجلِ ومثوباتٍ في العاجلِ ومثوباتٍ في الآجلِ ليُرغّبَهم بذلكَ في الخيرِ ويزيدَهم في الشرِّ وليذلهم بطلبِ المعاشِ والمكاسبِ فيعلموا بذلكَ أنّهم بها مربوبونَ وعبادٌ مخلوقونَ ويُقبلوا على عبادتِه فيستحقوا بذلكَ نعيمَ الأبدِ وجنّةَ الخُلدِ ويأمنوا منَ الفزعِ إلى ما ليسَ لهم بحق . 

ثمَّ قالَ (ع) : يا بنَ الفضلِ ، إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أحسنُ نظراً لعبادِه منهم لأنفسِهم ألا ترى أنّكَ لا ترى فيهم إلّا مُحبّاً للعلوِّ على غيرِه حتّى يكونَ منهُم لمَن قد نزعَ إلى دعوى الرّبوبيّةِ ، ومنهم مَن قد نزعَ إلى دعوى النبوّةِ بغيرِ حقِّها ، ومنهُم مَن قد نزعَ إلى دعوى الإمامةِ بغيرِ حقِّها وذلكَ معَ ما يرونَ في أنفسِهم منَ النّقصِ والعجزِ والضّعفِ والمهانةِ والحاجةِ والفقرِ والآلامِ والمناوبةِ عليهم والموتِ الغالبِ لهم والقاهرِ لجمعِهم ، يا بنَ الفضلِ : إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى لا يفعلُ بعبادِه إلّا الأصلحَ لهم ولا يظلمُ النّاسَ شيئاً ولكنَّ النّاسَ أنفسَهم يظلمون . (عللُ الشّرائعِ: 1 / 15 بابُ 13، التّوحيد ص402) . 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.