هل فِعلاً حكّمَ النّبيُّ (ص) سعداً بنَ معاذٍ في بعضِ أحياءِ اليهودِ فقتلَ المُقاتلةَ وسبى الذّرّيّة؟ 

: الشيخ معتصم السيد احمد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

بعدَ موقعةِ الأحزابِ التي نصرَ اللهُ فيها المسلمينَ وإنكشافِ خيانةِ يهودِ بني قريظة لعهدِهم معَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) الذي جاءَ فيه: (أن لا يعينوا على رسولِ اللهِ ولا على أحدٍ مِن أصحابِه بلسانٍ ولا يدٍ ولا سلاحٍ ولا بكراعٍ في السّرِّ والعلنِ، لا بليلٍ ولا نهار، اللهُ بذلكَ عليهم شهيدٌ. فإن فعلوا فرسولُ اللهِ في حلٍّ مِن سفكِ دمائِهم وسبي ذراريهم ونسائِهم وأخذِ أموالِهم). (بحارُ الأنوارِ ج19 ص 110ـ 111)، فكانَ لابدَّ مِن مُقاتلتِهم بحُكمِ العهدِ الذي بينَهم وبينَ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، فتحصّنَ اليهودُ بقلاعِهم فحاصرَهم المُسلمونَ خمسةً وعشرينَ يوماً، ولمّا أيقنَ بنو قريظةَ أنّهم غيرُ متروكينَ حتّى يُقتلوا قيلَ لهُم إنزلوا على حُكمِ رسولِ اللهِ فقالوا: ننزلُ على حكمِ سعدٍ بنِ معاذ فهوَ حليفُنا ولن يخذُلنا، فحكمَ سعدٌ بقتلِ مقاتليهم وسبي نسائِهم.  

وما يمكنُ الجزمُ بهِ هوَ أنَّ اليهودَ قد خانوا العهدَ بتحالفِهم معَ الأحزابِ، وإنَّ اللهَ قد فتحَ للمسُلمينَ قلاعَ اليهودِ، وإنَّ الواقعةَ في مجملِها قد وقعَت، إلّا أنَّ بعضَ التّفاصيلِ المُتعلّقةِ بكيفيّةِ القتلِ والسّبي لا يمكنُ الجزمُ بها، وقد شكّكَ بعضُ الباحثينَ في هذهِ التّفاصيلِ، يقولُ السّيّدُ جعفرٌ شهيدي في كتابِه (تاريخ تحليلي اسلام، ص 88-90)، ما يشيرُ إلى إضطرابِ الرّوايةِ في كتابِ المغازي، كما أنّها مختلفةٌ عمّا جاءَ على لسانِ إبنِ إسحاق والطبري والزّهري، حيثُ أنَّ الأخيرَ لم يُصرِّح إلّا بقتلِ حيي بن أخطب؛ فالرّوايةُ قد تكونُ مدسوسةً مِن قِبلِ أناسٍ منَ الخزرجِ بعدَ مُضيّ سنينٍ مِن وقوعِ الغزوةِ، ويبدو أنَّ الهدفَ مِن وراءِ ذلكَ كانَ  الحطُّ مِن منزلةِ الأوسِ لدى النّبيّ مقابلَ الخزرجِ وإثارةَ الحميّةِ التي ظهرَت علاماتُها بوفاةِ النّبيّ في سقيفةِ بني ساعدةَ بينَهم وإتّخذَها معاويةُ وبنو أميّةَ مثاراً للتّلاعبِ بتاريخِ الإسلامِ إلى سنةِ أربعينَ للهجرةِ وتشويهِ صورتِه، حتّى ذكروا أنّهُ قامَ (صلّى اللهُ عليه وآله) بقتلِ حلفاءِ الأوسِ دونَ حلفاءِ الخزرجِ مِن بني قينقاع وبني النّضير، وأنّ زعيمَ قبيلةِ الأوسِ لم يُراعِ جانبَ حلفائِه في غزوةِ بني قريظة، بل حكمَ بقتلِ جميعِ الرّجال. 

وفي المُحصّلةِ أنَّ اليهودَ هُم الذينَ حكّموا سعداً بينَهم وبينَ رسولِ الله، وبذلكَ يكونُ اليهودُ هُم مَن إختاروا الحكمَ ولم يفرض عليهم الرّسولُ حُكماً مِن عندِه.