هل النّفسُ الأمّارةُ بالسّوءِ يُوسوسُ لها شيطانٌ أو تجرُّ صاحبَها إلى الخطأ مِن دونِ أن يوسوسَ لها الشّيطان؟ 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته  :  

وردَ في دعاءِ يومِ الثّلاثاء: الحمدُ للهِ ، والحمدُ حقُّه كما يستحقُّه حمداً كثيراً، وأعوذُ بهِ مِن شرِّ نفسي { إنَّ النّفسَ لأمّارةٌ بالسّوءِ إلّا ما رحمَ ربّي } وأعوذُ بهِ مِن شرِّ الشيطانِ الذي يزيدُني ذنباً إلى ذنبي. (الصّحيفةُ السّجّاديّة) . 

هناكَ شيئانِ يدفعانِ الإنسانَ إلى ممارسةِ القبائحِ والخطايا ويجرّانِه إلى الهلاكِ، وهُما : الشيطانُ والنّفسُ الأمّارةُ بالسّوء. 

أمّا الشّيطانُ فإنّ أغلبَ ما نشاهدُ مِن مآسي جرّت الإنسانَ والبشريّةَ إلى الهاويةِ هيَ مِن ألاعيبِ الشّياطينِ والأبالسةِ ووساوسِهم. 

أمّا النّفسُ الأمّارةُ فهيَ بطبيعتِها ميّالةٌ الى الشّهواتِ واللّذّاتِ واللّهوِ واللّعبِ والكسلِ، وتحبُّ الجاهَ والمنزلةَ والمِراءَ والخصومةَ والتّعالي، ومتمرّدةٌ على خالقِها مُتنفّرةٌ عنِ العبوديّةِ، ولِذا تشقُّ عليها العباداتُ كالصّلاةِ بسببِ الكسلِ، أو الحقوقِ الماليّةِ بسببِ البخِل، أو كالحجِّ بسببِ الكسلِ والبُخل. 

قالَ تعالى : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنعَامِ وَالحَرثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسنُ المَآَبِ } [آلُ عمران 14]  

ومِن هُنا فهيَ تدعو صاحبَها إلى التّمرّدِ والعصيانِ، فهيَ التي تدعو الإنسانَ إلى الرّذائلِ والقبائحِ باستمرار، وتزيّنُ له الشهواتِ، وهذا ما أشارَت إليهِ امرأةُ عزيزِ مصرَ حينَما نظرَت إلى عاقبةِ أمرِها فقالت : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفسِي إِنَّ النَّفسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } [يوسفُ 53]  

 

والمطلوبُ منَ العبدِ أن يطوّعَ نفسَه الأمّارةَ بالسّوءِ لقوّتِه العاقلةِ، فيستجيبُ بشكلٍ دائمٍ لنداءِ عقلِه، ونداءِ الشّارعِ المُقدّسِ، حتّى لا يخسرَ دُنياهُ وأخراه. 

وهذا هوَ أحدُ أهدافِ بعثةِ الأنبياءِ، والتي هيَ تزكيةُ النّفوسِ. 

ويحتاجُ الإنسانُ الى مراقبةٍ ومحاسبةٍ مستمرّةٍ طويلةٍ، إذ الغفلةُ عنها لحظةً واحدةً ربّما تجلبُ البلاءَ الطّويلَ على الإنسان. 

والإستعانةُ بالصّبرِ والإلتجاءُ إلى اللهِ بالدّعاءِ ليعينَه على نفسِه.  

قاَل تعالى : { وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى ، فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى } [النّازعات 40 - 41] 

وهذا هوَ الجهادُ الأكبرُ، قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السّلام) : إنَّ رسولَ اللهِ (صلّى اللهُ عليه وآله) بعثَ بسريّةٍ ، فلمّا رجعوا قالَ مرحباً بقومٍ قضوا الجهادَ الأصغرَ، وبقي عليهم الجهادُ الأكبر.  

قيلَ : يا رسولَ اللهِ وما الجهادُ الأكبرُ؟ قالَ : جهادُ النّفسِ ، ثمَّ قالَ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) أفضلُ الجهادِ مَن جاهدَ نفسَه التي بينَ جنبيه . (روضةُ الواعظينَ ص420) . 

ولذا يحتاجُ الإنسانُ إلى رحمةِ اللهِ ولُطفِه وعنايتِه وتوفيقِه في كلِّ آنٍ ولحظةٍ، فهوَ الغنيُّ عنّا، ونحنُ مُحتاجونَ وفقراءُ إلى رحمتِه. 

دعاء : وأَسأَلُكَ أَن تَعصِمَنِي مِن مَعَاصِيكَ ولَا تَكِلَنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ أَبَداً مَا أَحيَيتَنِي لَا أَقَلَّ مِن ذَلِكَ ولَا أَكثَرَ إِنَّ النَّفسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمتَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ . 

 

والحمدُ للهِ ربِّ العالمين .