لماذا لم ينصُر الشيعةُ إمامَهم الكاظمَ (ع) ويخرجوهُ منَ السّجن؟! 

135 – ما هوَ دورُ الشّيعةِ في زمنِ الإمامِ الكاظمِ عليهِ السّلام؟ وهل فِعلاً أنّ الشّيعةَ لم ينصروهُ في بادئِ الأمرِ، بحيثُ أنّهم لو خرجوا في وقتِ سجنِه كما خرجوا في تشييعِ جنازتِه لتغيّرَ الوضع؟ 

: سيد حسن العلوي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :  

إنّ أئمّةَ أهلِ البيتِ (ع) وشيعتَهم قد مّروا بأشدِّ الظّروفِ الأمنيّةِ وأصعبِها في زمنِ العبّاسيّينَ ، لا سيما في حكومةِ الطاغيةِ المُتجبّرِ هارونَ اللارشيد ، فكانَ الإمامُ (ع) يُوصي شيعتَه بالتّقيّةِ ، روى الكُلينيُّ بسندِه عَن معمّرٍ بنِ خلّاد قالَ : سألتُ أبا الحسنِ عليهِ السّلام عنِ القيامِ للولاةِ ؟ فقالَ: قالَ أبو جعفرٍ عليهِ السّلام: التّقيّةُ مِن ديني ودينِ آبائي ولا إيمانَ لمَن لا تقيّةَ له . (الكافي: 2 / 219) . وروى أيضاً بسندِه عَن عثمانَ بنِ عيسى قالَ : حضرتُ أبا الحسنِ ( صلواتُ اللهِ عليه ) وقالَ له رجلٌ : أوصِني فقالَ لهُ : إحفَظ لسانَك تعِز، ولا تُمكِّن النّاسَ مِن قيادِكَ فتذلَّ رقبتُك . (الكافي: 2 / 113) 

ومِن هُنا يمكنُنا القولُ بأنّ وظيفةَ الشّيعةِ في زمنِ الإمامِ الكاظمِ عليهِ السّلام هيَ التّقيّةُ والسّكوتُ، وعدمُ الكشفِ عَن هويّتِهم المذهبيّةِ والدّينيّةِ بقدرِ الإمكانِ، وعدمُ الجهرِ بعقائدِهم، أو أيّ تحرّكٍ يثيرُ حفيظةَ الحكومةِ، ويكونُ سبباً لإيذاءِ الشّيعةِ، هذا فضلاً عَن عدمِ شرعيّةِ القيامِ بأيّ تحرّكٍ عسكريٍّ مُسلّحٍ تجاهَ الحكومةِ العبّاسيّة.  

وقد حذّرَ الإمامُ (ع) يحيى بنُ عبدِ اللهِ بنِ الحسنِ – الذي إشتركَ في ثورةِ صاحبِ فخ - وطلبَ منهُ أن يُسلّمَ نفسَه للحكومةِ بعدَ طلبِ الأمانِ منهُم، قبلَ فواتِ الأوان . (الكافي: 1 / 367 رقم 19) . 

هذا مُضافاً إلى أنّ الشّيعةَ لم يكونوا يشكّلونَ ثقلاً يمكنُ مِن خلالِه تغييرُ النّظامِ الحاكمِ، والنّهضةُ غيرُ المدروسةِ تُشكّلُ خطراً وتهديداً على التّشيّعِ، فبعضُ العلويّينَ تحرّكوا في ثورةِ فخٍّ، فأوغلَ هارونُ في دمائهم، ولاحقَهم في كلِّ مكانٍ، ولم يشفَع لهُم ولادتهم مِن رسولِ الله (ص) !!  

فكيفَ إذا تحرّكَت الشّيعةُ ؟! فإنّ هارونَ سيفنيهم عَن بكرةِ أبيهم ! وخصوصاً مع إنتشارِ التّشيّعِ . 

ولكنَّ الإمامَ كانَ يأمرُ أتباعَه وشيعتَه بالتقيّةِ، ليحفَظ دماءَهم، ويحافظَ على وجودِ التّشيّعِ في قلبِ العالمِ الإسلاميّ وفي وسطِ المُسلمين. 

وممّا يُؤيّدُ أنّ وظيفتَهم هيَ عدمُ التّحرّكِ هيَ الأسئلةُ التي وجّهَها عليُّ بنُ سوّيد إلى الإمامِ في سِجنِه، فخرجَت أجوبتُها، وليسَ فيها دعوةٌ منَ الإمامِ لشيعتِه بالنّهضةِ والتّحرّكِ لتخليصِه منَ السّجنِ، بل إنّه نعى نفسَه وأنّهُ راحلٌ عَن قريب، وأمرَهُ بالتّقيّةِ والكتمانِ إلّا عَن أهلِه. (الكافي: 8 / 124) . 

ويؤيّدُه أيضاً: أنَّ الإمامَ الرّضا (ع) لم يتّهِم الشّيعةَ بعدمِ التّحرّكِ والنّهضةِ لنُصرةِ أبيهِ الإمامِ الكاظمِ (ع)، ولم يطلب منهُم شيئاً مِن ذلكَ بعدَ شهادةِ أبيهِ الإمامِ الكاظمِ (ع). 

فإذَن: نُصرةُ الإمامِ الكاظمِ (ع) تكونُ بالتّقيّةِ ومراعاةِ الجانبِ الأمنيّ، وعدمِ ممارسةِ أيّ عملٍ يزيدُ منَ الضّغوطِ على الإمامِ وشيعتِه.  

فالإمامُ (ع) إن طلبَ مِن شيعتِه التّحرّكَ والنّهضةَ، فتكونُ نصرتُهم بالنّهضةِ والتّحرّك. 

وإن لم يطلب منهُم شيئاً مِن ذلكَ، أو أمرَهم بالتّقيّةِ، فتكونُ نُصرتُهم بمُراعاةِ التّقيّةِ والسّكوتِ وعدمِ التّحرّك.