كيف نميز بين البدعة والتجديد في الدين؟

: السيد مكي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

البدعةُ هيَ الإضافةُ للدّينِ وقد جاءَت في آيةٍ منَ القرآنِ الكريمِ في قولِه تعالى:  

( ثُمَّ قَفَّينَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّينَا بِعِيسَى ابنِ مَريَمَ وَآتَينَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأفَةً وَرَحمَةً وَرَهبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبنَاهَا عَلَيهِم إِلَّا ابتِغَاءَ رِضوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ۖ فَآتَينَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنهُم أَجرَهُم ۖ وَكَثِيرٌ مِّنهُم فَاسِقُونَ (27) } [ الحديد] 

ويبدو أنَّ كلمةَ البدعةِ منَ النّاحيةِ اللغويّةِ تُطلقُ على الإضافةِ وليسَ على النّقصانِ، ولكِنها إضافةٌ منسوبةٌ إلى الدّينِ، تأمّل في الحديثِ الشّريف: 

(إذَا ظَهَرَتِ البِدَعُ فِي أُمَّتِي فَعَلَى العَالِمِ أَن يُظهِرَ عَلِمَهُ ، فَإِن لَم يَفعَل فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللَّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ اجمعين) 

الحديثُ مرويٌّ في الكافي والمحاسنِ ودعائمِ الإسلامِ، ورغمَ أنَّ البعضَ لا يقبلُ بسندِه لكنَّ روايةَ هؤلاءِ الأعلامِ لهُ ومتنَه قد يُشيرانِ لصحّتِه. 

( وَمَا أُحدِثَت بِدعَةٌ إِلاَّ تُرِكَ بِهَا سُنَّةٌ، فَاتَّقُوا البِدَعَ، والزَمُوا المَهيَعَ، إِنَّ عَوَازِمَ الأمُور أَفضَلُهَا، وَإِنَّ مُحدِثَاتِهَا شِرَارُهَا). نهجُ البلاغةِ الخُطبة 145  

( يَا ابنَ مَسعُودٍ إِيَّاكَ أَن تَسُنَّ سُنَّةَ بِدعَةٍ فَإِنَّ العَبدَ إِذَا سَنَ‏ سُنَّةً سَيِّئَةٍ لَحِقَهُ وِزرُهَا وَ وِزرُ مَن عَمِلَ بها). (مكارمُ الأخلاقِ ص 454, بحارُ الأنوار ج 74 ص 104, الوافي ج 26 ص 215 )

فالذي يظهرُ مِن هذهِ الأحاديثِ أنَّ البدعةَ إضافةٌ إلى الدّينِ، ولا ريبَ أنَّ تحريمَ شيءٍ أو إيجابَ شيءٍ، يُعتبرُ زيادةً في الدّينِ، و يلحقُ بالبدعة. 

قالَ العلّامةُ المجلسيّ في بيانِ معنى كلمةِ البدعةِ، التي وردَت في الأحاديث: البدعةُ كلُّ رأيٍ، أو دينٍ، أو حكمٍ أو عبادةٍ، لم يرِد (نصٌّ) منَ الشّارعِ بخصوصِها ولا في ضمنِ حكمٍ عام.  البحارُ ج 2، ص 264. 

وجاءَ في حديثٍ شريفٍ عَن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ عليهِ السّلام في معنى السّنّةِ والبدعةِ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ع فَقَالَ أَخبِرنِي عَنِ السُّنَّةِ وَ البِدعَةِ وَ عَنِ الجَمَاعَةِ وَ عَنِ الفِرقَةِ فَقَالَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ ع السُّنَّةُ مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ البِدعَةُ مَا أُحدِثَ‏ مِن‏ بَعدِهِ‏ وَ الجَمَاعَةُ أَهلُ الحَقِّ وَ إِن كَانُوا قَلِيلًا وَ الفِرقَةُ أَهلُ البَاطِلِ وَ إِن كَانُوا كَثِيراً). معاني الأخبار ص : 154 

وفي ذلكَ يقولُ الكاتبُ علال الفاسي: إنَّ البدعةَ الشّرعيّةَ لا تشملُ إلّا ما يقعُ في أمرِ الدّينِ معَ قصدِ معناها في الشّريعةِ. وعليهِ فالعاديّاتُ (الأمورُ الحياتيّةُ المُعتادةُ) ليسَت منَ البدعِ وإن كانَت واقعةً على غيرِ مثالٍ سابق. ((التّشريعُ الإسلاميّ مناهجُه ومقاصدُه المرجعُ السّيّدُ مُحمّد تقي المُدرّسي ج 2 ص 91 وما بعدَه) ويضيفُ الفاسي: والغايةُ مِن تحريمِها هوَ البعدُ عنِ الزّيادةِ في الدّينِ ما ليسَ منه، وذلكَ ما شنّعَ اللهُ على الكافرينَ ورؤسائِهم حينَ قالَ: (أم لهُم شركاءُ شرعوا لهم منَ الدّينِ ما لم يأذَن بهِ اللهُ ولولا كلمةُ الفصلِ لقُضيَ بينَهم وإنَّ الظالمينَ لهُم عذابٌ أليم). 

ونستفيدُ هذا المعنى للبدعةِ مِن رواياتِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام فقد جاءَ عنِ الإمامِ الصّادقِ عليهِ السّلام:  

عَن حَمَّادٍ عَنِ الحَلَبِيِّ قَالَ: قُلتُ لِأَبِي عَبدِ اللَّهِ ع مَا أَدنَى مَا يَكُونُ بِهِ العَبدُ كَافِراً قَالَ أَن يَبتَدِعَ‏ شَيئاً فَيَتَوَلَّى عَلَيهِ وَ يَبرَأَ مِمَّن خَالَفَه. 

بحارُ الأنوار (ط - بيروت) / ج‏2 / 301 / بابُ 34 ص : 283 

أمّا التّطوّرُ فيمكنُ ملاحظةُ مفارقتِه للبدعةِ بالآتي:  

1/ التّطوّرُ في الوسائل: الدّينُ قيمٌ ساميةٌ ثابتةٌ قد تختلفُ وسيلةُ الوصولِ إليها ونشرِها مِن زمانٍ لزمان فيكونُ التّطوّرُ في الوسائلِ، مثلَ وسائلِ الدّعوةِ التي تتطوّرُ عبرَ الزّمانِ مِن أعوادِ المنابرِ إلى الإذاعاتِ إلى الوسائطِ الإلكترونيّة. 

2/ التّطوّرُ في المناهجِ الموصلةِ إلى قيمِ الدّينِ وأحكامِه، مثل نشوءِ علومِ الدّرايةِ والرّجالِ، قديماً والمناهجِ الحديثةِ في التّدبّرِ التي أوسعَت المجالَ للقرآنِ الكريمِ ليلعبَ دوراً كبيراً في التّشريعِ الإسلامي.

3/ التّطوّرُ الذي يتّبعُ المصاديقَ، مثل العقودِ الجديدةِ مثل التّأمينِ والحقوقِ الجديدةِ المُلكيّةِ الفكريّةِ التي نشأت معَ تطوّرِ الزّمانِ، والأحوالِ الجديدةِ مِن تطوّرِ المدنِ وإختراعِ الآلاتِ التي فرضَت إستنباطَ قوانينَ جديدةٍ لتنظيمِها، وقانونِ البيئةِ وغيرها .