ما هو تفسيرُ عمليّةِ الخلق  ؟

السلام عليكم:انا احمدعباس من بغداد:: سؤالي هو نحن نعلم ونعتقد ان الله سبحانه وتعالى لايشبه بشي ولاهو جسم يعني هو ليس شي مادي يعني بتعبير مجازي هو مجرد//اذن كيف خلق الدنيا وما فيها من ماديات كيف تصدر الدنيا وماخلق في من الهه غير مادي //ارجو الاجابة جزاكم الله خير//

: الشيخ معتصم السيد احمد

السّلام عليكُم ورحمة الله وبركاته : 

يبتني هذا السّؤالُ على تفسيرٍ خاطئٍ لعمليّةِ الخلقِ والإيجادِ، حيثُ إعتقدَ البعضُ أنَّ الخلقَ ليسَ شيئاً غيرَ الصّدورِ منَ اللهِ، كما يصدرُ شعاعُ الشّمسِ منَ الشّمسِ، وعليه يصحُّ السّؤالُ كيفَ تصدرُ المادّةُ منَ اللا مادّة؟ ومِن هُنا يجبُ التّأكيدُ على خطأ هذا التّفسيرِ للخلقِ الذي تورّطَت فيه بعضُ المدارسِ الفلسفيّةِ، ومنَ الواضحِ أنَّ فتحَ هذا الملفِّ بشكلٍ واسعٍ يقودُ إلى نقاشاتٍ دقيقةٍ ومُعقّدةٍ لها علاقةٌ بقدمِ العالمِ وحدوثِه، ولا يناسبُ المقامَ مثلُ هذه البحوثِ التّخصّصيّةِ، ولذا نشيرُ بشكلٍ مُختصرٍ إلى أنَّ السّببَ في القولِ بقدمِ العالمِ زماناً، وصدورِه منَ اللهِ صدور العلّةِ منَ المعلولِ، إلى بعضِ المبادئ الفلسفيّةِ مثلَ إستحالةِ أن يكونَ العالمُ مسبوقاً بزمنٍ لإشكاليّةِ ترجيحِ زمنٍ على زمنٍ من دونِ مُرجّحٍ، أو مبدأ إستحالةِ أن يكونَ العدمُ مادّةً للوجودِ لكونِ العدمِ لا مفهومَ له مستقلٌّ عن مقابلتِه بالوجودِ، ولتجاوزِ هذهِ الإشكالاتِ فسّروا خلقَ العالمِ بصدورِه منَ اللهِ بوصفِه العلّةَ الموجبةَ لوجودِه، فيكونُ الكونُ بذلكَ قديماً زماناً معَ أنّهُ حادثٌ ذاتاً لحاجتِه للعلّةِ، وقد أفضى هذا التّفسيرُ إلى إشكالاتٍ أخرى لها علاقةٌ بقانونِ العلّةِ والمعلولِ، فالعلاقةُ بينَ العلّةِ والمعلولِ قائمة على وجودِ سنخيّةٍ بينَ العلّةِ والمعلولِ، وإنَّ العلّةَ الواحدةَ لا يصدرُ منها إلّا معلولٌ واحدٌ، وإنَّ العلّةَ متى ما وُجدَت وُجدَ معها المعلولُ، وكلُّ ذلكَ لا ينطبقُ على العلاقةِ بينَ الخالقِ والمخلوقِ كما عُرفَت بهِ الشّرائعُ وأخبرَ به الأنبياءُ، ولذا نجدُ بعضَ الفلاسفةِ لتفادي مثلِ هذه الإشكالاتِ قالوا بنظريّةِ الفيضِ التي ترى أنَّ الصّادرَ الأوّلَ منَ اللهِ بشكلٍ مباشرٍ هوَ العقلُ الأوّلُ، ومِن ثمَّ يتدرّجُ الخلقُ منَ العقلِ الأوّلِ بحيثُ يصدرُ عنهُ العقلُ الثّاني والفلكُ الأوّلُ وهكذا عشرُ عقولٍ وتسعةُ أفلاكٍ إلى أن  نصلَ إلى الكثرةِ في عالمِ الدّنيا، وكلُّ هذهِ النّظريّاتِ لا معنى لها إذا لم يتمَّ مقايسةُ الخالقِ بالمخلوقِ، فاللهُ بحسبِ ما جاءَ به الأنبياءُ والرّسلُ وكما عبّرَ عنه القرآنُ خلقَ الأشياءَ وإبتدعَها مِن غيرِ حاجةٍ إلى أصولٍ أزليّةٍ أو إلى صدورِها مِن ذاتِه، قالَ تعالى: (إِنَّما أَمرُهُ إِذا أَرادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُون) وهذهِ الآيةُ لا يمكنُ فهمُها بحسبِ قوانينِ الطبيعةِ وقدراتِ الإنسانِ، ومِن هنا يجبُ عدمُ مُقايسةِ الخالقِ بالمخلوقِ ومحاكمتِه بحسبِ هذهِ القوانينِ، فاللهُ هوَ الذي خلقَ الكونَ بكلِّ ما فيهِ وهوَ المهيمنُ عليهِ دونَ أن يكونَ شيءٌ منهُ حاكماً عليهِ أو مُقيّداً لقدراتِه، ومِن هُنا وجبَ تنزيهُ اللهِ عَن مشابهةِ خلقِه فكلُّ ما يجري على الخلقِ لا يجري على الخالقِ، وهكذا خلقَ اللهُ كلَّ ما في الكونِ بما فيهِ مِن مادّةٍ بقولِه كُن فكانَ مِن غيرِ أن يكونَ بينَه وبينَها أيُّ شبهٍ أو سنخيّة.