عصرُ الإمامِ الصّادقِ عليه السّلام هوَ عصرُ إزدهار العلمِ وإنتشاره

في عهد الامام الصادق كان التدوين ممنوع لمدة عشرة سنوات فكيف كانوا يتدارسون ممكن الجواب مع رواية

: السيد رعد المرسومي

السّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته: 

 يبدو أنّ السّائلَ مُشتبهٌ في سؤالِه، وذلكَ حينَ ذهبَ إلى القولِ أنَّ التّدوينَ في عهدِ الإمامِ الصّادقِ عليه السّلام كانَ ممنوعاً، معَ أنّ الصّوابَ بضدِّ ذلكَ جزماً كما هوَ الثّابتُ والمعروفُ الذي درجَ عليهِ علماؤنا الأعلامُ سواءٌ أكانوا منَ المُتقدّمينَ أم منَ المُتأخّرينَ أم منَ المُعاصرينَ، إذ إنَّ الإمامَ الصّادقَ عليه ‌السّلام قامَ بتثقيفِ الأُمّةِ في عصرٍ تضاربَت فيهِ الآراءُ والأفكارُ واشتعلَت فيهِ نارُ الحربِ بينَ الأمويّينَ ومعارضيهم؛ ففي تلكَ الظّروفِ الصّعبةِ القاسيةِ إستثمرَ الإمامُ الفُرصةَ ونشرَ مِن أحاديثِ جدِّه وعلومِ آبائِه ما سارَت بهِ الرّكبانُ ، وتربّى على يديهِ الآلافُ منَ المُحدّثينَ والفُقهاءِ ، وهذهِ فضيلةٌ رابيةٌ لم تُكتَب لأحدٍ منَ الأئمّةِ عليهم السّلام لا قبلَه ولا بعدَه، وكثرةُ أحاديثِه في الكتبِ الأربعةِ وغيرِها شاهدٌ على ذلكَ. فهذا هوَ الشّيخُ المُفيدُ (ره) في كتابِه الإرشادُ (ص270) يصفُ مدرستَه بقولِه : نقلَ النّاسُ عنِ الصّادقِ عليه‌ السّلام منَ العلومِ ما سارَت بهِ الرّكبانُ ، وانتشرَ ذكرُه في البلدانِ ، ولم ينقُل عَن أحدٍ مِن أهلِ بيتِه العلماءِ ما نُقلَ عنهُ ، ولا لقيَ أحدٌ منهُم مِن أهلِ الآثارِ ونقلةِ الأخبارِ ولا نقلوا عنهُم كما نقلوا عَن أبي عبدِ اللّهِ ، فإنّ أصحابَ الحديثِ قَد جمعوا أسماءَ الرّواةِ عنهُ منَ الثّقاتِ على إختلافِهم في الآراءِ والمقالاتِ ، فكانوا أربعةَ آلافِ رجلٍ، وقَد تسالمَ على ذلكَ كلُّ مَن جاءَ بعدَه مِن عُلمائِنا الأعلامِ كإبنِ شهرِآشوب في كتابِه المناقبِ (3/249)، والفتّال في روضةِ الواعظينَ ، والطّبرسيّ في أعلامِ الورى (1/535). ويؤيّدُ ذلكَ ما أوردَه النّجاشيّ - الرّجاليّ المعروفُ -  في ترجمةِ المُحدّثِ الجليلِ الصّدوقِ الحسنِ بنِ عليٍّ الوشّاءِ برقمِ (80) لَـمّا ساقَ بإسنادِه إلى أحمدَ بنِ محمّدٍ بنِ عيسى الأشعريّ حكايةً جاءَ فيها: قالَ خرجتُ إلى الكوفةِ في طلبِ الحديثِ، فلقيتُ بها الحسنَ بنَ عليّ الوشّاءِ، فسألتُه أن يُخرجَ إليَّ كتابَ العلاءِ بنِ رزينٍ القلّاءِ، وأبانَ بنِ عثمانَ الأحمرِ، فأخرجَهُما إليَّ فقلتُ له : أحبُّ أن تجيزَهُما لي فقالَ لي: يا رحمكَ اللهُ، وما عجلتُكَ! إذهب فاكتُبهما واسمَع مِن بعد. فقلتُ: لا آمنُ الحدثان، فقالَ : لو علمتُ أنَّ هذا الحديثَ يكونُ لهُ هذا الطّلبُ لاستكثرتُ منهُ فإنّي أدركتُ في هذا المسجدِ تسعمائةَ شيخٍ كلٌّ يقولُ: حدّثني جعفرٌ بنُ محمّدٍ. وكانَ هذا الشّيخُ عيناً مِن عيونِ هذهِ الطّائفة. ودمتُم سالِمين.