هل كان زيداً ابن الامام السجاد (ع) يترضى على أبي بكر وعمر ولا يرضى بلعنهما ؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: لم يثبُت هذا الأمرُ من طُرقِنا، بلِ الثّابتُ عكسُه تماماً، فروى الكشيُّ عَن سُدير قالَ: دخلتُ على أبي جعفرٍ (الباقر) عليه السّلام معي سلمةُ بنُ كهيلٍ وجماعةٌ، وعندَ أبي جعفرٍ عليه السّلام أخوهُ زيدٌ بنُ عليّ، فقالوا لأبي جعفر عليهِ السّلام: نتولّى عليّاً وحسناً وحُسيناً ونتبرّأ مِن أعدائِهم؟ قالَ: نعم. قالوا: نتولّى أبا بكرٍ وعُمر ونتبرّأ مِن أعدائِهم؟ قالَ: فالتفتَ إليهم زيدٌ بنُ عليّ فقالَ لهم: أتتبرّؤونَ مِن فاطمة؟! بَتَرْتُم أمرَنا بَتَرَكُم اللهُ! فيومئذٍ سُمُّوا البتريّةَ“. (رجالُ الكشيّ ص236). ورووا عَن محمّدٍ بنِ فراتٍ الجرميّ قالَ: سمعتُ زيداً بنَ عليّ يقولُ : إنّا لنلتقي وآلَ عمر في الحمّامِ فيعلمونَ أنّا لا نُحبّهم ولا يحبّونا، واللهِ إنّا لنبغضُ الأبناءَ لبغضِ الآباءِ. ورووا عن فضيلٍ بنِ الزّبير قالَ : قلتُ لزيدٍ بنِ عليٍّ عليه السّلام : ما تقولُ في أبي بكرٍ وعُمر ؟ قالَ : قُل فيهما ما قالَ عليٌّ ، كُفَّ كما كفَّ لا تجاوزُ قولَه ، قلتُ : أخبرني عن قلبي أنا خلقتُه ؟ قالَ : لا ، قلتُ : فإنّي أشهدُ على الذي خلقَه أنّهُ وضعَ في قلبي بُغضَهما، فكيفَ لي بإخراجِ ذلكَ مِن قلبي ، فجلسَ جالساً وقالَ: أنا واللهِ الذي لا إلهَ إلّا هوَ إنّي لأبغضُ فيهما مِن بغضهما ، وذلكَ أنّهم إذا سمعوا سبَّ عليٍّ عليه السّلام فرحوا . ورووا عن العبّاسِ بنِ الوليد الأعذاريّ قالَ : سُئلَ زيدٌ بنُ عليّ عن أبي بكرٍ وعُمر فلم يُجِب فيهما ، فلمّا أصابتهُ الرّميّةُ نزعَ الرّمحَ مِن وجهِه وإستقبلَ الدّمَّ بيدِه حتّى صارَ كأنّهُ كبدٌ ، فقالَ : أينَ السّائلُ عَن أبي بكرٍ وعُمر ؟ ! هُما واللهِ شركاءُ في هذا الدّمِّ ، ثمّ رمى بهِ وراءَ ظهره. وعَن نافعٍ الثقفيّ - وكانَ قد أدركَ زيداً بنَ عليّ - قالَ : سألَهُ رجلٌ عَن أبي بكرٍ وعمرٍ ، فسكتَ فلم يُجبهُ ، فلمّا رمي قالَ : أينَ السّائلُ عَن أبي بكرٍ وعمر ؟ ! هُما أوقفاني هذا الموقفَ. [وينظر أيضاً: بحارُ الأنوار للعلّامةِ المجلسيّ (ج30/ص385)]. 

نعَم رويَ مِن طُرقِ العامّةِ ما يتوافقُ ومضمونِ السّؤالِ، فمثلاً في تاريخِ اليافعيّ وردَ ما يلي: لـمّا خرجَ زيدٌ أتتهُ طائفةٌ كبيرةٌ قالوا لهُ: تبرّأ مِن أبي بكرٍ وعُمر حتّى نبايعكَ. فقالَ: لا أتبرّأ منهُما. فقالوا: إذن نرفضُكَ. قالَ: إذهبوا فأنتُم الرّافضةُ، فمِن ذلكَ الوقتِ سُمُّوا رافضةً، وتبعتهُ التي تولّت أبا بكرٍ وعُمر وسُمِّيَت الزّيديّةَ. وروى مثلُ هذا معَ تطويلِ إبنِ الأثيرِ في الجُزءِ الثّاني والحافظِ إبنِ عساكر في حرفِ الزّاي والعسقلانيّ في تهذيبِ التّهذيبِ في الجُزءِ الرّابعِ في حرفِ الزّاي“. (مُسندُ زيد ص11).

ثُمَّ إنّ علماءنا ناقشوا الروايات التي يتشبّث بها العامّة وأنكروها خصوصاً أنّه ورد فيها أنّ اسم (الرافضة) تكوّن منها ابتداءً، أي حينما قال زيد لرافضي إمامة أبي بكر وعمر: اذهبوا فأنتم الرافضة؛ إذ يقولُ الراوي: فمن ذلك الوقت سُمُّوا رافضة؟! مع أنّه عند مراجعةِ مصادر التأريخ المتقدّمة على مصادر هذه الحادثة بمئاتِ الأعوام، نجدُ أنّ الروايات تذكر أنّ اسمَ (الرافضة) كان متداولاً قبل هذه الحادثةِ المزعومة بعشرات السنين! فقد كان نعتاً لشيعةِ أمير المؤمنين عليّ صلوات الله وسلامه عليه.ومن ذلك ما رواه ابن أعثم في كتابه (الفتوح: ج2 /ص382) من رسالة معاوية بن أبي سفيان إلى عمروبن العاص، وقد جاء فيها: أنّ عليّ بن أبي طالب قد اجتمع إليه رافضة أهلُ الحجاز وأهلُ اليمن والبصرة والكوفة. فكيف يُزعم أنّ الشيعة سُمُّوا (الرافضة) بسببِ ما جرى بين زيد وأهلِ الكوفة في ما بعد القرن الهجريّ الأوّل في حين أنّ معاوية قد سمّاهم بهذا الاسم في رسالته قبل أكثر من ثمانين عاماً؟! ثمَّ إنّ هذا المصدر (فتوح ابن أعثم) أقدم من المصادر التي ذكرت الحادثة المزعومة بين زيد وأهل الكوفة بمئات الأعوام! وعليه: فإنّ هذا يثبتُ بطلانَ الحادثة المزعومة لسبق هذا الاسم والوصفِ على الشيعة. ويرى بعضُ أهل العلم أنّ الروايات التي فيها مدحٌ لأبي بكر وعمر هي رواياتٌ مختلقة نظيرَ ما نسبوه في كتبهم إلى مثل الباقر والصادق (صلوات الله عليهما)، وكذلك إلى أمير المؤمنينَ (صلوات الله عليه) الترحّم والترضّي على أبي بكر وعمر! مع أنّ ذلك معلومُ البطلان عند القاصي والداني، وعليه فإنّ ما نسبوهُ إلى زيد بن عليّ لا يبعدُ أنّه يجري هذا المجرى، حرصاً منهم على تدعيم دينهم الباطل ومذهبهم الفاسد في موالاة الطغاة والمنافقين والمرتدّين. ففي كتاب (الصوارمُ المهرقة للشهيد نور الله التستريّ، الصفحة (242)، علّق على ما جاءَ في الخبر عن زيدٍ بن عليّ أنّه قال لمن يتبرّأ منهما: أعلم والله أنّ البراءةَ من الشيخينِ البراءة من عليّ فتقدّم أو تأخّر. قال: وزيدٌ هذا كان إماماً جليلاً استشهدَ في صفر سنةَ إحدى وعشرينَ ومائة ولـمّا صُلبَ عرياناً جاءت العنكبوتُ ونسجت على عورته حتّى حفظت عن رؤيةِ الناسِ فإنّه استمرَ مصلوباً مدّة طويلة وكان قد خرج وتابعهُ خلقٌ من الكوفة وحضرَ إليه كثيرٌ من الشيعة فقالوا له أبرأ من الشيخين ونحن نبايعك فأبى، فقالوا إنّا نرفضك فقال اذهبوا فأنتم الرافضة! فمن حينئذ سمّوا الرافضة، وسمّيت شيعتهُ بالزيديّة انتهى.

يقولُ التّستريّ: بعدَ تسليمِ صحّةِ السّندِ أرادَ رضيَ اللهُ عنهُ بقوله البراءةَ مِن عليّ؛ أنّ عليّاً عليه السّلام أمرَ شيعتَه بالتّقيّةِ والإحتراز عنِ الطّعنِ في أبي بكرٍ وعُمر فمَن تبرّأ عنهما تبرّأ عَن عليٍّ عليهِ السّلام لمُخالفةِ أمره. وأمّا ما ذكرَهُ مِن أنَّ الشّيعةَ التي حضروا إليه قالوا لهُ إبرأ عن الشيّخينِ... إلى آخره، فكذبٌ محضٌ لأنَّ الشّيعةَ لو لم يعلموا علماً قطعيّاً بأنَّ زيداً رضيَ اللهُ عنه على ما عليهِ آباؤه عليهم السّلام مِن فسادِ حالِ الشّيخينِ لما حضروا إليهِ مِن أوّلِ الأمرِ ولما إغترّوا بإظهار تبرّيه لهُما أيضاً، لتجويزهم أعمالَه للتوريةِ حينئذٍ، وإنّما توهّمَ المُخالفُ ذلكَ مِن حالِ زيدٍ رضيَ اللهُ عنه، ومقالُه مِن قولِ بعضِهم لزيدٍ عندَ إضطراره إلى الحربِ معَ قلّةِ الأنصارِ: أينَ أبو بكرٍ وعُمر؟ يعني لو كانا خليفةً في هذا الزّمانِ لما إضطرَّ زيدٌ إلى ذلكَ فقالَ رضيَ اللهُ عنه: هُما أقاماني هذا المقامَ! فتوهّمَ بعضُ مَن سمعَ ذلكَ أنّ مُرادَه رضيَ اللهُ عنه أنّ عدمَ التّبرّي عنهُما صارَ سببَ فقدِ أنصارِه منَ الشّيعةِ، وليسَ كذلك، بل كانَ مُرادُه أنّ غصبَهُما الخلافةَ عَن آبائِه عليهم السّلام وحملَهُما النّاسَ على رقابِ آلِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله أوجبَ إذلالَ زيدٍ وسائرِ أولادِهم رضيَ اللهُ عنهم وجرأةَ مَن غصبَ الخلافةَ بعدَهُما مِن بني أميّةَ على سفكِ دمائِهم وإقامتِهم مقامَ فنائِهم، وإلّا فإنّما تركُه الشّيعة بعدَ إطّلاعِهم على عدمِ رضى إمامِ زمانِهم مولانا الصّادقِ عليه السّلام بخروجِ زيدٍ، وأنّه منعَهُ عَن ذلكَ وأخبرَه بأنّهُ لو خرجَ قُتلَ، فكانَ خروجُهم معهُ معصيةً، وغايةُ ما يلزمُ مِن تسميةِ هؤلاءِ الطّائفةِ بالرّافضةِ رفضُهم لنُصرةِ زيدٍ لا لنُصرةِ الحقِّ كما زعمَهُ أهلُ الباطلِ. هذا ما عندَنا باختصارٍ عَن حالِ زيدٍ بنِ عليّ (ع). 

وأغلبُ الظّنِّ أنَّ زيداً لمّا كانَ صلبَ العقيدةِ وذا حنكةٍ عاليةٍ في تدبيرِ الأمورِ آثرَ عدمَ إظهارِ التّبرّي منَ الشّيخينِ بُغيةَ توحيدِ صفوفِ الثّائرينَ وجمعِهم على كلمةٍ سواءٍ، وذلكَ لأنَّ أنصارَه لم يكونوا كلّهم مِن شيعتِه وإنّما مِن جهاتٍ مُختلفةٍ، ففي كتابِ تقريبِ المعارفِ، لأبي الصّلاحِ الحلبيّ، (ص249-250) قالَ: وقَد روَت الخاصّةُ والعامّةُ عَن جماعةٍ مِن وجوهِ الطّالبيّينَ ما يُضاهي المرويَّ مِن ذلكَ عنِ الأئمّةِ عليهم السّلام، فرووا عَن مُعمّرٍ بنِ خيثم قالَ: بعثَني زيدٌ بنُ عليٍّ داعيةً، فقلتُ: جُعلتُ فداكَ، ما أجابَتنا إليهِ الشّيعةُ فإنّها لا تُجيبُنا إلى ولايةِ أبي بكرٍ وعُمر ، قالَ لي : ويحكَ أحدٌ أعلمُ بمظلمتِه منّا ، واللهِ لئِن قلتُ إنّهما جارا في الحُكمِ لتكذبنَّ ، ولئِن قلتَ إنّهما إستأثرا بالفيءِ لتكذبنَّ، ولكنّهما أوّلُ مَن ظلمنا حقّنا وحملَ النّاسَ على رقابِنا ، واللهِ إنّي لأبغضُ أبناءَها مِن بُغضي آباءهما ، ولكِن لو دعوتُ النّاسَ إلى ما تقولونَ لرمونا بقوسٍ واحد.

ودمتُم سالِمين.