هل ألم الجسد في الدنيا أقوى ام الم الروح في الآخرة؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:  

معَ أنَّ السّؤالَ طُرحَ بشكلٍ غريبٍ ولا يحملُ في طيّاتِه أيّ عبرةٍ دينيّةٍ أو فائدةٍ فكريّةٍ، إلّا أنّنا سوفَ نعملُ على توجيهِه بالشّكلِ الذي نستفيدُ منهُ واعظاً لأنفسِنا مِن عذابِ الآخرة.  

أوّلاً، بالنّسبةِ للألمِ في الدّنيا فقَد جرّبهُ الجميعُ ولا وجودَ لإنسانٍ لم يُعانِ نوعاً منَ الألمِ بمُختلفِ درجاتِ الألمِ، وحقيقةُ الألمِ في الدّنيا ليسَت مقصورةً على الجسدِ وإنّما هُناكَ أيضاً ألمٌ نفسيٌّ وروحيٌّ وقد يكونُ أشدَّ منَ الألمِ الذي يصيبُ الجسدَ. ومنَ الواضحِ أنَّ جسدَ الإنسانِ يُمثّلُ مركباً للرّوحِ، وعليهِ إنَّ أحاسيسَ الإنسانِ ومشاعرَه تعودُ للإنسانِ بوصفِه جسداً وروحاً، ووظيفةُ الجسدِ في هذهِ الحالةِ تُشكّلُ مُستقبلاتٍ تربطُ بينَ الرّوحِ وبينَ المُؤثّراتِ الخارجيّة، وعندَما يصابُ الإنسانُ بشللٍ في عضوٍ مِن أعضائِه فإنَّ هذا العضوَ يفقدُ الشّعورَ بالألمِ لأنّهُ يفقدُ إستقبالَه لتلكَ المُؤثّراتِ، ومعَ ذلكَ يمكنُ لهذهِ الرّوحِ أن تشعرَ بالألمِ حتّى من دونِ توسّطِ الجسدِ بشكلٍ مُباشر، وذلكَ مثلاً في حالةِ الرّؤيةِ المناميّةِ كأن يرى نفسَه يحترقُ بالنّارِ فيتألّمُ بها ويصرخُ مِن شدّةِ الألمِ وعندَما يفيقُ مِن نومِه يرى أنَّ العضوَ الذي أصابَهُ النّارُ سليمٌ ليسَ فيهِ أثرُ الإحتراق، ممّا يعني أنَّ الرّوحَ هيَ مصدرُ الشّعورِ والإدراكِ، ومِن هُنا يمكنُنا القولُ أنَّ ما يُصابُ بالألمِ هوَ الرّوحُ والجسدُ ليسَ إلّا وسيطاً للرّوحِ، وعليهِ جعلُ السّائلِ ألمَ الدّنيا للجسدِ وألمَ الآخرةِ للرّوحِ ليسَ دقيقاً..  

ثانياً، بالنّسبةِ لألمِ الآخرةِ وعذابِ النّارِ أجارنا اللهُ وأيّاكم مِنها، فليسَ لنا طريقٌ إلى معرفتِها إلّا مِن خلالِ ما أخبرَنا بهِ الوحي، وقَد وصفَ اللهُ في القرآنِ ذلكَ العذابَ بالشّكلِ الذي يجعلُ النّفوسَ تفزعُ مِن سماعِه، ويبدو أنَّ ما يعانيهِ الإنسانُ مِن ألمٍ في الدّنيا هوَ الذي يُمكّنُ الإنسانَ مِن تصوّرِ مقدارِ الألمِ في الآخرةِ، ومِن هُنا نجدُ أنَّ اللهَ في وصفِه لذلكَ العذابِ والألمِ إستخدمَ نفسَ الأشياءِ التي تصيبُ الإنسانَ بالألمِ في الدّنيا، ممّا يعني أنَّ ألمَ الدّنيا والآخرةِ مِن سنخٍ واحدٍ إلّا أنّهُ يختلفُ في الشّدّةِ والمِقدارِ، قالَ تعالى: (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبقَىٰ)، فالعذابُ هوَ العذابُ سواءٌ كانَ في الدّنيا أو الآخرةِ إلّا أنَّ عذابَ الآخرةِ يتّصفُ بالشّدّةِ والدّيمومةِ، ولِذا إعتمدَت آياتُ القرآنِ في وصفِها لعذابِ الآخرةِ على ما يعرفُه الإنسانُ منَ الألمِ في الدّنيا، فقَد تحدّثَت الآياتُ مثلاً عَن نارِ جهنّم، وذلكَ لكونِ الإنسانِ يعرفُ شدّةَ الألمِ التي تصيبُه مِن نارِ الدّنيا فما بالُ نارِ الآخرةِ، قالَ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوفَ نُصلِيهِم نَارًا كُلَّمَا نَضِجَت جُلُودُهُم بَدَّلنَاهُم جُلُودًا غَيرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)، وأشدُّ ما يكونُ ألماً على الإنسانِ هوَ إستمرارُ الألمِ، فألمُ الدّنيا مهما كانَ قاسياً إلّا أنّهُ ألمٌ محدودٌ يتوقّعُ صاحبُه أن ينقضي في أيّ وقتٍ، وهذا بخلافِ ألمِ الآخرةِ فهوَ مُستمرٌّ قالَ تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَو أَنَّ لَهُم مَا فِي الأَرضِ جَمِيعًا وَمِثلَهُ مَعَهُ لِيَفتَدُوا بِهِ مِن عَذَابِ يَومِ القِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنهُم وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ – يُرِيدُونَ أَن يَخرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنهَا وَلَهُم عَذَابٌ مُقِيمٌ) وقالَ تعالى: (وَنَادَوا يَا مَالِكُ لِيَقضِ عَلَينَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَاكِثُونَ) وقَد تحدّثَت الآياتُ عَن أنواعَ مختلفةٍ منَ العذابِ والألمِ، فحتّى الطّعامُ الذي يكونُ في الدّنيا سبباً للهناءِ واللّذّةِ سيكونُ طعامُ الكافرِ في نارِ جهنّمَ سبباً للألمِ والعذابِ، قالَ تعالى: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالمُهلِ يَغلِي فِي البُطُونِ (45) كَغَليِ الحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوقَ رَأسِهِ مِن عَذَابِ الحَمِيمِ (48) ذُق إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمتَرُونَ) وغيرِ ذلكَ منَ الآياتِ التي تصفُ عذابَ الآخرةِ وما يصيبُ الإنسانَ مِن ألمٍ، فحريٌّ بكُلِّ عاقلٍ أن يسعى في دُنياهُ بعملِ الصّالحاتِ التي تُجنّبُه ذلكَ العذابَ، ولا مُقارنةَ بينَ ما يصيبُ الإنسان مِن ألمِ الدّنيا وما يصيبُه مِن ألمِ الآخرةِ أعاذَنا اللهُ وإيّاكُم منها بحقِّ مُحمّدٍ وعترتِه الطّاهرة.