لماذا لم يستجب الله طلب الكافر بالعودة إلى الدنيا 

الشيطان طلب من الله ان يتركه يوسوس للناس حتى يوم البعث فقبل الله بذلك مع ان الشيطان رأى الله وتحدث معه ويعرف انه موجود. اما الانسان عندما يموت ويكتشف ان الله حقا موجود ويطلب منه ان يعيده مرة اخرى ويعبده ولن يشرك به شيئا الله يرفض طلبه ويعذبه لانه لم يكن يصدق انه موجود. أين العدل الإلهِي؟

: اللجنة العلمية

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :

يرتكز هذا السؤال على مجموعة من التصورات الخاطئة التي أدت إلى نشوء هذا الإشكال في ذهن السائل

أولاً: كون الشيطان يوسوس للإنسان لا يعني أنه يمتلك نوعاً من الهيمنة على الإنسان، قل تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) وقال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) وقد حذر الله الإنسان من الشيطان وطلب منه الاستعانة بالله عليه، قال تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وقال تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، وعليه أن الشيطان ليس له سلطة على مصير الإنسان إذا أراد هو الهداية، وبالتالي ما يصيب الإنسان من عذاب يوم القيامة هو بما جنت يداه، قال تعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

ثانياً: استجابة الله لطلب ابليس أن ينظره إلى يوم يبعثون أو إلى يوم الوقت المعلوم، إنما كان طلباً منسجماً مع الحِكمة من خلافة آدم في الأرض، وليس مخالفاً للسنن الله في الخليقة حتى يقال لماذا استجاب لإبليس ولم يستجيب للإنسان، قال تعالى: (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)، فسنن الله في الخليقة تقتضي امتحان الإنسان واختباره في ان يكون مع هدى الله أم مع تمنيات الشيطان.

ثالثاً: أن معرفة الله لا تكون بالروية والمشاهدة الحسية سوى كان ذلك من الإنسان أو الملائكة أو الشيطان، فالله يتقدس من أن يحيط به علماً أي مخلوق من مخلوقاته، وعليه فان معرفة الله بالنسبة للمخلوق واحدة وهي اثباته واخراجه من التشبيه والتعطيل، وبذلك يتساوى الإنسان والشيطان في طبيعة المعرفة بالله تعالى، حتى لو اختلفت الطرق إلى ذلك. فلا يقال حينها أن الشيطان أكثر معرفة بالله من الإنسان، فالمعرفة متى ما تحققت أقيمت الحجة على المخلوق سوى كان شيطان أو إنسان.

رابعاً: معرفة الإنسان وهو حي في الدنيا بوجود الله تعالى معرفة يقينية وليست معرفة ظنية حتى يقال إن المعرفة لا تتحقق إلا بعد موته، وعليه ما يجده الإنسان بعد الموت هو مصيره الذي ينتظره وليس المعرفة اليقينية بالله تعالى، قال تعالى: (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ) فالله سبحانه إقام الحجة على الجميع بانه الإله الحق المبين، ومن لم تقم عليه مثل هذه الحجة لا يعذبه الله يوم القيامة (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) وعليه المعرفة اليقينية بالله قد تحققت للإنسان في الدنيا قبل يوم القيامة فمن يكفر ويجحد بتلك المعرفة يكون مصيره النار. 

 خامساً: أن طلب الإنسان للعودة إلى الدنيا بعد أن يرى العذاب لا يمكن تحقيقه لكونه مخالف لسنن الله في الخليقة، فسنة الله قائمة على أن الإنسان له فرصة في الدنيا بان يهي نفسه لدخول الجنة واتيحت له كل الإمكانات لتحقيق ذلك إلا أنه ابى واستكبر، ولو تم رده إلى الدنيا سوف يرد على الحال الذي كان عليها وإلا سيتم رد شخص أخر غيره وحينها لا يكون قد تم رده هو، وعليه لو تم رده إلى الدنيا بالحالة الذي كان عليه سوف يستمر على ما كان عليه من الكفر ولذا قال تعالى: (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ ۖ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ). مضافاً إلى ذلك أن الله اشهد الإنسان على نفسه قبل عالم الدنيا، بمعنى أن المعرفة الشهودية قد تحققت للإنسان قبل عالم الدنيا في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ) ومع ذلك هناك من كفر وجحد بالله في الحياة الدنيا.

وإذا اتضح كل ذلك يتضح أن السؤال مركب من مقدمات مشوشة وغير صحيحة وبالتالي لا علاقة للأمر بالعدالة الإلهية، وإنما العدالة قد تحققت بتوفير كل فرص الهداية للإنسان، ومن كفر إنما يكفر لكبر في نفسه وليس له حجة أو برهان على كفره.