هل القرآن نزل اية اية ام سورة سورة؟؟ ولماذا لا تعترفوا بأن القرآن نزل سورة سورة؟؟؟

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله : للقرآنِ نزولان، الأوّلُ نزلَ دفعةً واحدةً على قلبِ النّبيّ الخاتم صلّى اللهُ عليه وآله كما نصّت عليهِ الآية: (إِنَّا أَنـزلنَاهُ فِي لَيلَةٍ مُبَارَكَةٍ) الدّخان 3، ونزولٌ تدريجيٌّ على مدى ثلاثٍ وعشرين سنةً، لم تنزِل سورُ القرآنِ وآياتُه دفعةً واحدةً، وهذا ما يشهدُ القرآنُ نفسُه عليه، قالَ تعالى: (وقرآناً فرقناه لتقرأهُ على النّاسِ على مكثٍ ونزّلناه تنزيلاً). وقوله تعالى: ﴿وقالَ الذين كفروا لولا نزّلَ عليه القرآنُ جملةً واحدةً كذلك لنثبّت به فؤادكَ ورتّلناه ترتيلاً﴾ (1) أي كذلك نزّلناهُ مُتفرّقاً لنُثبّتَ به فؤادك ونقوّيهِ به بإنزالِ الآياتِ في المواردِ المُختلفة كلّما دعَت الحاجةُ إلى ذلك. وقالَ تعالى: ﴿ولا يأتونك بمثلٍ إلّا جئناكَ بالحقّ وأحسنَ تفسيراً﴾ . وهذا وعدٌ منَ اللهِ سُبحانه أن يأتيه بالحقّ على أكمل وجهٍ وأتمّ صورةٍ، ليدحضَ بهِ أباطيلَ أولئكَ كلّما جاؤوا بكلامٍ يعارضُ به كلامَ اللهِ سُبحانه، نظيرَ قولِه تعالى حكايةً عنهم ﴿لولا أنزلَ إليه ملكٌ فيكونُ معه نذيراً * أو يُلقى إليه كنزٌ أو تكونَ له جنّةٌ يأكلُ منها وقال الظّالمونَ إنّ تتبعونَ إلّا رجلاً مسحوراً * انظر كيفَ ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعونَ سبيلاً﴾ (3). والمُرادُ بالأمثالِ هو أباطيلُهم وأقوالهم التي جاؤوا بها. وفي القرآنِ النّاسخُ والمنسوخُ بلا شكٍّ، وفيه أيضاً آياتٌ تدلُّ على قصصٍ وأحداث لا يمكنُ جمعُها في زمنٍ واحدٍ لنذهب إلى وحدةِ زمنِ النّزول. والآياتُ والسّورُ القُرآنيّةُ لم تنزل قطعاً على الترتيبِ الذي نقرأه في القرآنِ اليوم، بأن تكونَ أوّلاً سورةُ الفاتحةِ ثمّ سورةُ البقرة ثمّ سورة آل عمران ثمّ سورة النّساء وهكذا.. لأنّه بالإضافة إلى الشّواهدِ التّاريخيّةِ على ذلك فإنّ مضامينَ الآياتِ نفسها تشهدُ عليه، لأنّ بعض السّورِ والآياتِ لها مضامينُ تناسبُ أوائلَ زمنِ البعثةِ وهي واقعةٌ في أواخر القُرآنِ كسورةِ العلقِ والنّونِ، وبعضها تناسبُ ما بعد الهجرةِ وأواخر عصرِ الرّسولِ (صلّى الله عليه وآله) وهي واقعةٌ في بداياتِ القُرآن كسورةِ البقرة وآلِ عمران والنّساء والأنفال والتّوبة. 

إنّ إختلافَ مضامينِ السّورِ والآياتِ وإرتباطَها الكاملَ بالأحداثِ والحوادثِ التي وقعَت طيلةَ أيّامِ الدّعوةِ، يفرضُ علينا القولَ بأنَّ القُرآنَ نزلَ في ثلاثٍ وعشرينَ سنةً عصرَ الدّعوةِ النّبويّة. 

فمثلاً الآياتُ التي تدعو المُشركينَ إلى الإسلامِ ونبذِ عبادةِ الأوثان تتناسبُ مع عصرِ ما قبل هجرةِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليه وآله) من مكّة حيثُ إبتُليَ الرّسولُ (صلّى الله عليه وآله) بالوثنيّينَ. وأمّا آياتُ القتالِ وآياتُ الأحكامِ فقَد نزلَت في المدينةِ المنوّرةِ حيثُ أخذَ الإسلامُ ينتشرُ وأصبحَت المدينةُ تُشكّلُ حكومةً إسلاميّةً كُبرى. 

وتنقسمُ الآياتُ والسّورُ القُرآنيّةُ إلى أقسامٍ حسبَ إختلافِ محلِّ النّزولِ وزمانِه وأسبابِه وشروطِه وهي: 

1 - بعضُ السّورِ والآياتِ مكّيّةٌ وبعضُها مدنيّةٌ، فإنّ ما نزلَ قبلَ هجرةِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليه وآله) مِن مكّةَ يعدُّ مكّيّاً، وهو القسمُ الأكبرُ منَ السّورِ وخصوصاً السّورُ القصيرةُ، وما نزلَ بعدَ هجرةِ الرّسولِ (صلّى اللهُ عليه وآله) يُسمّى مدنيّاً ولو كان نزولها خارجَ المدينة. 

2 - بعضُ السّورِ والآياتِ نزلَت في السّفرِ وبعضُها في الحضرِ، وهكذا تنقسمُ إلى ما نزلَ بالليلِ أو بالنّهار، أو ما نزلَ في الحربِ أو في السّلم، أو ما نزلَ في الأرضِ أو في السّماء، أو ما نزلَ بينَ النّاسِ أو في حالِ الإنفراد. 

3 - نزلَت بعضُ السّورِ مُكرّرةً كما يُقال في سورةِ الفاتحةِ، إذ نزلَت في مكّةَ والمدينةِ، كما أنّ بعضَ الآياتِ نزلَت مُكرّرةً كآيةِ (فبأيّ آلاءِ ربّكما تكذّبان) إذ تكرّرت في سورةِ الرّحمنِ ثلاثينَ مرّةً، وآيةُ (إنَّ في ذلكَ لآيةً وما كانَ أكثرُهم مؤمنينَ وإنّ ربّكَ لهو العزيزُ الرّحيم)، إذ تكرّرت في سورةِ الشّعراءِ ثمانَ مرّاتٍ. وقد تكرّرَت بعضُ الآياتِ في أكثرِ مِن سورةٍ واحدةٍ كآيةِ (ويقولونَ متى هذا الوعدُ إن كنتُم صادقين) إذ تكرّرت في ستِّ سورٍ مُختلفةٍ. وهكذا نجدُ جُملةً خاصّةً هيَ آيةٌ كاملةٌ في مكانٍ وجُزءُ آيةٍ في مكانٍ آخر، نحوَ (اللهُ لا إلهَ إلّا هوَ الحيُّ القيّوم) فهيَ في أوّل سورةِ آلِ عمران آيةٌ كاملة، وفي سورةِ البقرةِ جزءٌ مِن آيةِ الكُرسيّ. ولكِن مع هذا كلّه فأكثرُ السّورِ والآياتِ نزلَت مرّةً واحدةً فقط.

وعلّةُ هذا الأمرِ هيَ إختلافُ ما يقتضيهِ البيانُ، ففي موضعٍ يقتضي تكرارُ الجملةِ للتنبيهِ مثلاً، وفي موضعٍ لا يقتضي ذلك. ويشبهُ هذا الإختلافُ ما هوَ موجودٌ بينَ السّورِ والآياتِ في الطّولِ والقِصر، فإلى جانبِ سورةِ الكوثر أقصرِ السّورِ نجدُ سورةَ البقرةِ أطولَها، كما نرى آيةَ «مدهامّتان» أقصرَ آيةٍ إلى جانبِ آيةِ الدّينِ وهيَ الآيةُ 282 من سورةِ البقرةِ أطولِ آيةٍ في القُرآنِ. كلُّ هذهِ الإختلافاتِ لمُقتضياتٍ بيانيّةٍ، وربّما نجدُها في آيتينٍ مُتّصلتينِ أيضاً، كالآيتين 20 و21 من سورةِ المُدّثر مثلاً، فإنّ الأولى جملةٌ واحدةٌ والثّانيةُ أكثر مِن خمسَ عشرةَ جملةٍ. 

ومن وجوه الإختلافِ أيضاً ما نجدُه عندَ المُقارنةِ بينَ السّورِ والآياتِ في الإيجازِ والإطنابِ، كما يتبيّنُ ذلكَ عندَ مُقابلةِ أمثالِ سورةِ الفجرِ وسورةِ الليلِ بأمثالِ سورةِ البقرةِ والمائدةِ، والغالبُ في السّورِ المكّيّةِ الإيجازُ كما أنّ الغالبَ في السّورِ المدنيّةِ الإطناب.

ومِن هذا القبيلِ ما يُقالُ بأنّ أوّلَ ما نزلَ على الرّسولِ (صلّى اللهُ عليه وآله) هو سورةُ العلقِ أو خمسُ آياتٍ الأولى منها بالقياسِ إلى آخرِ ما نزلَ عليه (صلّى اللهُ عليه وآله)، وهوَ قوله تعالى: (واتّقوا يوماً ترجعونَ فيهِ إلى اللهِ ثمَّ تُوفّى كلُّ نفسٍ ما كسبَت وهُم لا يظلمونَ)(2).(ينظر بتصرّفٍ كتابُ القُرآنِ في الإسلامِ للعلّامةِ السّيّدِ مُحمّد حُسين الطباطبائيّ). 

ثمَّ إنّ السّورَ التي نزلَت دفعةً واحدةً أو قيلَ بنزولِها كذلك كثيرةٌ ومُتعدّدةٌ فمنها: 

1 - سورةُ المائدة: ويدلُّ عليه ما رواهُ العيّاشيّ عن عيسى بنِ عبدِ الله عن أبيه عن جدّه عن عليّ (عليه السّلام) قال: كانَ القرآنُ ينسخُ بعضُه بعضاً، وإنّما كانَ يُؤخذ مِن أمرِ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) بآخرِه، وكانَ مِن آخرِ ما نزلَ عليه سورةُ المائدةِ فنسخَت ما قبلها ولم ينسَخها شيءٌ. 

وبإسنادِه عَن أبي حمزةَ الثّمالي قال: سمعتُ أبا عبدِ اللهِ الصّادق (عليه السّلام) يقولُ: نزلَت المائدةُ كملاً ونزلَ معها سبعونَ ألفَ ملك (5).  

2 - سورةُ الأنعام: ويدلُّ عليه عدّة رواياتٍ منها: 

1 - ما رواه عليٌّ بنُ إبراهيم في تفسيره قالَ: حدّثني أبي عن الحُسينِ بنِ خالد عن أبي الحسن الرّضا (عليه السّلام) قال: نزلَت الأنعامُ جُملةً واحدةً ويشيّعها سبعونَ ألفَ ملكٍ لهم زجلٌ بالتّسبيحِ والتّهليلِ والتّكبير، فمن قرأها سبّحوا له إلى يومِ القيامة.  

2 - ما رواه العيّاشيّ في تفسيرِه عَن أبي بصيرٍ قالَ: سمعتُ أبا عبدِ الله (عليه السّلام) يقولُ: إنّ سورةَ الأنعامِ نزلَت جُملةً واحدةً وشيّعها سبعونَ ألفَ ملكٍ حينَ أنزلَت على رسولِ الله (صلّى اللهُ عليه وآله) فعظّموها..إلخ.  

فإن قيلَ: فكيفَ توفّقونَ بينَ ما تقدّمَ وبينَ الآيتينِ في قولِ اللهِ تعالى (شهرُ رمضان الذي أُنزلَ فيهِ القرآن)، وفي قولِه تعالى (إنّا أنزلناهُ في ليلةِ القدر)، التي ظاهرهُما يفيدُ بأنّ القرآنَ نزلَ جملةً واحدةً في شهرِ رمضان في ليلةِ القدرِ، وخصوصاً بين هاتين الآيتينِ وبينَ الآياتِ السّابقة الظّاهرةِ في نزولِ القُرآنِ تدريجيّاً؟ وأجيبُ عَن ذلكَ بأنّ النّزولَ هوَ الورودُ على المحلِّ منَ العلوّ، والفرقُ بينَ الإنزالِ والتّنزيلِ أنّ الإنزالَ دفعيٌّ، والتنزيلُ تدريجيٌّ، والقرآنُ إسمٌ للكتابِ المُنزلِ على نبيّهِ مُحمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم بإعتبارِ كونِه مقروءاً كما قالَ تعالى (إنّا جعلناه قرآناً عربيّاً لعلّكم تعقلونَ) [الزّخرف، : 3]، ويُطلقُ على مجموعِ الكتابِ وعلى أبعاضِه. (ينظر الميزانُ في تفسيرِ القرآن للطباطبائيّ ج2/ص15). ويرى غيرُ واحدٍ منَ الباحثينَ أنّ نزولَ القرآنِ العظيمِ كانَ على ثلاث مراحل.  

المرحلةُ الأولى: ذُكِرت في قوله تعالى: (بَل هُوَ قُرآنٌ مَّجِيدٌ *فِي لَوحٍ مَّحفُوظٍ) ، ففي هذهِ المرحلةِ نزلَ القرآنُ الكريم إلى اللوحِ المحفوظ؛ إذ يجمعُ هذا اللوحُ كلَّ ما كان، وكلّ ما هو كائنٌ مِن أقدارِ المَخلوقات. 

المرحلةُ الثّانية: ذُكِرت في قولِه تعالى: (إِنَّا أَنزَلنَاهُ فِي لَيلَةِ القَدرِ)، فبعدَ أن نزلَ القرآنُ إلى اللوح المحفوظِ، أنزلَه اللهُ إلى بيتِ العزّةِ في السّماءِ الدُّنيا، وكان ذلكَ في ليلةِ القدرِ كما ذكرَت الآيةُ، ونزولُ القرآنِ جُملةً إلى السّماء الدُّنيا فيه تعظيمٌ لشأنِ القُرآن، وتكريمٌ لشأنِ مَن أُنزلَ عليه؛ إذ كانَ في ذلكَ إيذانٌ لأهلِ السّماواتِ السّبع أنّ القرآنَ هوَ خاتمُ الكُتبِ السّماويّةِ المُنزّلةِ على خيرِ الخلقِ وأشرفِهم محمّدٍ صلّى اللهُ عليه وآله. 

المرحلةُ الثالثة: إمتدَّت هذهِ المرحلةُ على طولِ سنواتِ دعوةِ النّبيّ صلّى اللهُ عليه وآله؛ إذ كانَ ينزلُ القرآنُ على النّبيّ صلّى اللهُ عليه وسلّم مُفرَّقاً، فأخرجَ اللهُ بهِ النّاسَ منَ الظّلماتِ إلى النّور، قالَ تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ*عَلَىٰ قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ). هذا ما لدينا بإختصارٍ عن نزولِ القرآن. ودمتُم سالِمين.