ما هي حدود ولاية غير معصوم(ولاية الفقيه) على المسلمين ؟ وهل سفراء الامام الأربعة كانوا مشتغلين بالسياسة؟

سؤالي يتعلق بولاية غير معصوم على المسلمين فما هي حدودها؟ وهل السفراء الأربعة رضي الله عنهم كانوا مشتغلين بالسياسة أم مهمتم تبليغ أوامر الإمام المهدي عجل الله تعالى مقدمه الشريف والقيام بواجبات شرعية كجمع الأموال المستحقة كالخمس والزكاة والأجابة على أسئلة الفقهية والعقائدية وما يشكل على الناس من جواب

: السيد رعد المرسومي

السلام عليكم ورحمة الله : هناك شقّان منَ السؤال , الأوّل يتعلّقُ بولاية غير المعصومين , والثاني بوظيفة السفراء الأربعة. فأمّا الجواب عن الشقّ الأوّل: فنقول المقصود من  ولاية غير المعصومين هي ولاية الفقيه التي بحثها العلماء في كتبهم الفقهيّة, وهي مصطلح فقهيٌّ قديم في الفقه الشيعيّ الإثني عشريّ منذ بدايات الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر المهديّ المنتظر (عج), إذ يَعُـدُّها الفقهاء ولاية وحاكميّة الفقيه الجامع لشرائط الفتوى والمرجعيّة الدينيّة المُعبّر عنه بالمجتهد في الأحكام الشرعيّة في عصر غيبة الإمام الحجّة، إذ ينوب الولي الفقيه عن الإمام الغائب في قيادة الأمّة وإدارة شؤونها والقيام بمهام الحكومة الإسلاميّة وإقامة حكم اللّه على الأرض. 

1.  والمُراد من الولاية لغةً حسب موارد إستعمالها: هي نحوٌ منَ القرب يوجب نوعاً مِن حقّ التصرّف ومالكيّة التدبير، كالقرب الحاصل بين النبيّ أو الإمام وبين المؤمنين فإنّه يوجب للنبيّ أو للإمام حقّ الحاكميّة فيهم وتدبير أمورهم على وفق شريعتهم، وهكذا سائر موارد الولاية كولاية العتق والحلف والجوار والطلاق والعهد والنصر والإرث ... إلخ. والمُراد بالولاية هنا هي الحاكميّة، السلطة، القيادة، تدبير شؤون الأمة وما شابه هذه المعاني. وليس المقصود من ثبوت الولاية العامّة للفقهاء كونهم كالنبيّ والإمام أولى بالمؤمنين مِن أنفسهم، فالولاية بمعنى الأولوية منَ النفس إنّما ثبتت للنبيّ والإمام بالنصّ الصريح، أمّا المُنصرف إلى الذهن عُرفاً من أدلّة الولاية سواء في ولاية الأب على الأولاد أو في ولاية الفقيه على المجتمع أو غير ذلك, فهو الولاية في حدود تكميل نقص المُولّى عليه وعلاج قصوره. والمراد من الفقيه هو الرجل العالم بالفقه والمعارف الإسلاميّة، والحائز على درجة الإجتهاد واللإستنباط في الأحكام الشرعيّة. وإذا أُريدَ به أن يكون قائداً ووليّاً للأمّة فلابدَّ أن يتّصف بشروط أخرى أهمّها:

1-  العدالة والتقوى العالية.

2-  الشجاعة وعدم رضوخه للأوهام.

3-  الخبرة السياسيّة.

4-  العلم بالقانون.

5-  القدرة على تدبير شؤون الأمّة.

6-  الإطّلاع على أوضاع الأمّة وتحمّل همومها.

7-  إختيار الأمّة قائداً لها وقبوله به. 

والمقصود مِن ولاية الفقيه في الإصطلاح الفقهيّ هي: النيابة العامّة للفقيه الجامع للشرائط عن الإمام المعصوم في زمان الغيبة لقيادة الأمّة الإسلاميّة وتدبير شؤونها في جميع ما كان للمعصوم عليه ولايةٌ في غير مُختصّاته وبشرط وجود المصلحة. أي ولايةٌ عامّة في جميع شؤون الأمّة، تلك الولاية التي كانت للإمام المعصوم (ع) في زمن حضوره، وهي رئاسة الدين والدنيا، ومِن ثَمَّ فله ما كان للإمام من وظائف دون أن يشارك المعصوم في مُختصّاته وبشرط وجود المصلحة في فعله، والتي منها السعي لإقامة الحكم الإسلاميّ وسيادته على البلاد في حقيقته الأصيلة والمحافظة على المصالح العامّة سياسيّاً وأخلاقيّاً وثقافيّاً وإقتصاديّاً وإجتماعيّاً وما شاكل ذلك، ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقيام دون تسرّب الفساد إلى المجتمع الإسلاميّ، سواءٌ كان خطراً يُهدّد كيان الإسلام، أم يطيح بسلامة الأخلاق العامّة والقيام ببثّ الدعوة خارجيّاً وداخليّاً بالسعي وراء تنشيط الوعي الإسلاميّ في نفوس المسلمين. ومنها سدّ الثغور والأمرُ بالجهاد والدفاع وعقد الصلح وقبول الهدنة، وتقسيم الغنائم. ومنها أخذ الزكوات والأخماس وتولية أمر القُصّر والغُيّب والأوقاف العامّة وتجهيز مَن لا وليّ له ووراثة مَن لا وارث له. ومنها إقامة الجُمعة والجماعات وتعيين أئمّتها. ومنها تعيين قُضاة العدل والمراقبة على أعمالهم بإجراء الحدود. ومنها التصدّي لإصدار أحكام (تُعرف بالأحكام السلطانيّة أو الولائيّة) في مواقع ضروريّة حفاظاً على منافع المسلمين. ومنها القضاء والإفتاء والتصدّي للأمور الحسبيّة. كلُّ ذلك مِن باب ولايته على هذه الأمور. 

ويُجمع عدد من مراجع الشيعة الاثني عشريّة أنّ لكلِّ فقيه ولاية خاصّة على مقلّديه في الأحكام الفقهيّة، إلّا أنّ الإختلاف في الولاية في الأمور العامّة التي يراها السيّد الخمينيّ (قدّس) مُطلقة بمعنى أنّ الولاية للفقهاء تثبتُ في جميع ما ثبت للمعصوم منَ السلطة على الأمّة إلّا ما إستثناه الدليل. وقبلَ السيّد الخمینیّ كان هناك علماء آخرون يقولون بالولاية العامّة أمثال الشیخ الملّا أحمد النراقيّ صاحب مُستند الشیعة والفاضل المراغيّ صاحب العناوین والشیخ محمّد حسن النجفيّ صاحب جواهر الکلام والشیخ محسن خنفر النجفیّ أیضاً یرونَ للفقیه ولایةً تامّة مُطلقة عامّة. وبعدهم أمثال العلّامة المیرزا محمّد حسين النائینیّ والعلّامة الشیخ محمّد حسین کاشف الغطاء والسيّد حسين البروجرديّ وغيرهم مِـمّنْ یُعَدّونَ مِن مُعتقدي ولایة الفقیه العامّة. في مقابل ذلك لا يعترفُ عددٌ من مراجع الشيعة بولاية الفقيه العامّة ومن بينهم السيّد محسن الحكيم (قدّس) والسيّد أبو القاسم الخوئيّ (قدّس) والسيّد السيستانيّ دام ظلّه وغيرهم.

(ينظر كتاب ولاية الفقيه للسيّد الطهرانيّ, وحوارٌ في ولاية الفقيه للشيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ, وإتّفاقُ الكلمة بين علماء الأمّة على ولاية الفقيه للشيخ مالك مصطفى وهبي العامليّ). 

وأمّا الجوابُ عن الشقّ الثاني منَ السؤال فنقول وظيفة السفراء الأربعة تنفيذ ما يأمرهم به الإمام الحجّة (عج) مِن أوامرَ سواءٌ أكان منها ما يتعلّق ببيان بعض الأحكام الفقهيّة أم الأحكام العقديّة أم كيفيّة التعامل مع حُكام الدولة وولاتها, لأنّهم (أي السفراء الأربعة) رضوان الله تعالى عليهم كانوا على تواصلٍ مباشر مع الإمام المهديّ (عج), يراهم ويرونه, ويجالسهم ويجالسونه فيتناقشون في أمور الرعيّة وما يجب فعله , فلا يجتهدون ولا يتصرّفون خارج حدود ما يأذن به الإمام الحجّة (عج). وهذا الأمر هو من أوضح الواضحات عند الشيعة الإماميّة قديماً وحديثاً, ولا يختلف فيه إثنان. ودمتم سالمين.